30-أكتوبر-2015

داغوستني/Getty

يضم معرض "نظرات على بيروت" المقام في "الأوديتوريوم" (أحد أقسام متحف نقولا ابراهيم سرسق)، رسومات ولوحات تعتبر وثائقية كونها منتقاة من مجموعات خاصة أنه قلما ما تم عرضها من قبل. ترصد هذه المجموعات التطور التاريخي للمدينة وتحولاتها من بلدة عثمانية صغيرة الى مدينة متوسطية شكلت موضوعة أساسية لأعمال فنانين لبنانين وأجانب، مصورين، ضباط بحرية، ورسامين مستشرقين.

تعكس لوحات المعرض فرادة العاصمة اللبنانية، ليس بأسواقها ومعالمها الرئيسية بل بمحيطها الطبيعي والعمراني. وجد المستشرقون الغربيون فيها فضاءً مركبًا تختلط فيه، بالنسبة لهم، جماليات الشرق بالألفة الأوروبية. هكذا تتالى ملامح في اللوحات المشاركة: زرقة الماء على مر الفصول، حرج الصنوبر، الدروب المزينة بشجر الصبير والرند والرمان. ملامح خاصة، سريعًا ما تقودك إلى مدينة اعتكف فيها التأمليون والخائبون والمتألمون، وانبعثت منها عطور الياسمين وزهر الليمون والتوابل وروائح دكاكين السماكين واللحامين.

تعكس لوحات المعرض فرادة العاصمة اللبنانية ليس بأسواقها ومعالمها الرئيسية بل بمحيطها الطبيعي والعمراني

يتجول زائر المعرض في ماضي المدينة، و في مدنها، فسرعان ما يقترن التأريخ بالفن متصلا بالعمران والسياسة وشاملًا الاجتماع والاقتصاد، ذلك كله في مدينة يمكن وصفها بجدارية كبيرة تتراص فيها المدن الصغيرة كمنمنات لا نهائي.

 تمتد المعروضات على خط سير طويل، يبدأ بالأسوار وأبواب المدينة القديمة حيث منازلها العالية ذات الشرفات المطلة على سطوحها وحاناتها وحماماتها.

وكلما تقدم الرائي اتسعت مشاهدته، فيكتشف الأبنية المشادة خارج السور، والقنصليات، والمدارس، والجامعات التي أسستها البعثات الأجنبية. كما تستوقفه الساحات، أهمها ساحة البرج التي أصبحت مركزا رئيسيًا للحياة العامة وملتقى المواطنين بدلًا من ساحة السرايا في وسط المدينة. كما تبيّن اللوحات تطور فن العمارة البيروتية مع دخول القرميد الأحمر. بعد ذلك نخرج نحو الضواحي القريبة حيث المدافن تشكل منطلقًا نحو الضواحي البعيدة التي تقود إلى حرج الصنوبر والخانات.

الخانات على نحوٍ منتظم

شهدت ضواحي المدينة إنشاء عدد من الخانات بشكل منتظم على طول الطرق المؤدية الى الجنوب من جهتي حرج الصنوبر، تفصل بين الواحد والبحر ساعتا سير تقريبًا وهذه الخانات هي بمثابة محطات تؤمن الماء والجياد والطعام. وجدت في الحازمية، فرن الشباك، البرجاوي، الدورة، شاتيلا، وبئر حسن.

صمد برجا المينا والمصلى حتى أواخر القرن التاسع عشر

بدورهما، صمد برجا المينا والمصلى حتى أواخر القرن التاسع عشر، فجذبا الفنانين الذين التقطا الصور لهما مراراً وتكراراً، والبعض من هذه الرسوم تفيدنا بشعور أحد الفنانين تجاه هذه الأبنية بوحدتها المأساوية وما تبقى من عنفوان رغم انحطاطها. سنة 1861، صورها توبولي (ضابط في البحرية الفرنسية) مغمورة في جو غسقي كئيب من خلال لوحة زيتية ينداخل فيها الرمادي مع اللون الأزرق البارد.

إقرأ/ي أيضًا: معرض الخرطوم لـ(حظر) الكتاب

تتجانب في لوحة بسيطة ومباشرة عن الجمهورية اللبنانية صور بيروت وطرابلس وصيدا وبعلبك. في اللوحة الأخيرة تتواجد ثلاث أرزات ترمز الى بيروت طرابلس وصيدا. بعلبك ممثلة بمعبد باخوس وأعمدة معبد جوبيتر. وتحتل بيروت أكبر مساحة من الدولة يرمزاليها السراي الكبير، وهو مقر المفوض السامي حيث يرفرف علمان فرنسيان. والسراي الصغير مركزم ندوب المفوض السامي ومجلس النواب، يرفرف عليهماعلم الانتداب (ثلاثي الألوان مع الأرزة).

المعرض يعكس ذاكرة استعمارية لبيروت بعيون استشراقية، لكنه يلقي القليل من الضوء على ذاكرة المدينة التي تغرق اليوم في كم هائل من الأسئلة عن الهوية والإنتماء.

إقرأ/ي أيضًا: أنطولوجيا القصة السورية في تركيا