17-سبتمبر-2021

نظارة فيسبوك-راي بان (C-Net)

ألتراصوت- فريق الترجمة 

بعد جولات طويلة من التصميم والتعديلات وإعادة التصميم والاختبار والمراجعة، أطلقت فيسبوك أخيرًا نظاراتها الذكية، بتعاون مع شركة راي-بان الأمريكية، لتجمع بين الذكاء والأناقة، وتطرح أسئلة كبرى على المختصين في مجال التقنيات المحمولة أو الملبوسة، وأبعادها على مستقبل المجتمعات والأفراد.

لهذه التقنيات أثرها العميق على تغيير محيطنا الاجتماعي بالكامل وكيفية التعاطي مع الوجود في المجال العامّ في أي وقت

النظارة الذكية الجديدة من فيسبوك (راي بان ستوريز) قادرة على تصوير اللقطات الحية من صور ومقاطع فيديو أثناء ارتدائها، وتحميلها على حسابات التواصل الاجتماعي ومشاركتها مع المتابعين والأصدقاء، إضافة إلى استقبال المكالمات الواردة، والاستماع إلى الموسيقى. وتسمح الكاميرا المدمجة بنظارة فيسبوك-راي بان بالتقاط صور بدقة 2592*1944، إضافة إلى تصوير مقاطع فيديو بدقة 1184*1184 بمعدل 30 فريم/ثانية، والتي تخزّن على مساحة تخزين مستقلة تسع 500 صورة و35 مقطع فيديو، كما يمكن نقلها إلى الهاتف عبر تطبيق "فيسبوك فيو" (Facebook View). في هذه المادة المترجمة بتصرف عن موقع MIT Tech Review، استعراض لبعض أهم الإشكالات التي تثيرها هذه التقنية وأثرها الاجتماعي المزعزع. 


 

قلق بشأن الخصوصية

نظارة فيسبوك-راي بان، أو نظارة "راي بان ستوريز" التي طرحت الأسبوع الماضي في الأسواق الأمريكية ويبلغ سعرها 300 دولار أمريكي، ستتيح لمرتديها تسجيل والتقاط الصور ومقاطع الفيديو ومشاركتها على الشبكة بشكل فوري. هذا يعني أننا سنتجول عمّا قريب شفي الشارع ونستخدم المواصلات العامة (لو توفّرت)، أو نرتاد المقاهي والمطاعم، ومن حولنا أشخاص يرتدون نظارات تبدو غريبة رغم أناقتها المفترضة، وذلك لأنها تستخدم في تصويرنا ومسح وجوهنا وتسجيل حركاتنا، والتي تنتقل بشكل سلس إلى تطبيق "فيسبوك فيو" من أجل نشرها على منصات التواصل الاجتماعي.

الإشكال في نظارات فيسبوك-راي بان ليس فيما هي عليه حاليًا، بالنظر إلى نطاق انتشارها المحدود، لكن الإشكال يتعلق فيما يمكن أن تصبح عليه هذه النظارات في المستقبل، وأثرها العميق على تغيير محيطنا الاجتماعي بالكامل وكيفية التعاطي مع الوجود في المجال العامّ في أي وقت، بما تمثله هذه الاختراعات من اختراق فاحش للخصوصية.

فكيف ستكون شكل الحياة والتواصل الاجتماعي حين نلحظ أن الشخص الذي أمامنا يرتدي نظارات يمكن تصنيفها بأنها "كاميرا مراقبة" شخصية تسجل حركات الناس وسكناتهم وتمسح وجوههم وهوياتهم دون إذن وموافقة منهم؟ صحيح أن الناس يصورون بعضهم البعض، ومن دون إذن وباختراق لخصوصيتهم باستمرار، وهو أمر حاصل منذ عقود، ولاسيما في السنوات الماضية مع الانتشار العام للهواتف الذكية التي لا تتيح تصوير خصوصيات الآخرين وحسب، بل ونشرها الفوري على الإنترنت، لكن المقلق في هذه التقنية الجديدة هو صعوبة ملاحظتها بالنسبة للشخص العادي، خاصة أن فيسبوك قد زادت من صعوبة الأمر عبر التعاون مع شركة مختصة بتصميم النظارات الشمسية الأنيقة، وهي شركة راي بان الشهيرة.

هذا التعاون مع "راي بان"، يجعل من نظارة فيسبوك، نظارة يمكن شراؤها كما يشتري أحدنا أي نظارة شمسية عملية وأنيقة، حتى أن الاسم الذي تم اعتماده لهذه النظارات هو "راي بان ستوريز"، أي أن الماركة الأوضح على النظارة هي "راي بان"، وذلك بهدف عدم جعل الجانب التقني هو الطاغي عليها، وترويجها بشكل واسع لمستخدمي النظارات الشمسية العادية، ولكن مع لمسة تقنية هذه المرة، ومن شركة فيسبوك، التي تتقن لعبة التسويق والترويج لمنتجاتها، ومنتجات غيرها. هذه الإستراتيجة التي اتبعتها فيسبوك في طرح نظاراتها الجديدة، ستجعلها تتفوق بلا شكّ على منتج منافس سابق، وهي نظارات سناب (Snap Spectacles)، وسيزيد من نجاح فيسبوك بطبيعة الحال أن المنصّة تتفوق على سنابشات بعدد المستخدمين، بحوالي ملياري مستخدم، إضافة إلى طرح المنتج في متاجر راي-بان المنتشرة في كل مكان حول العالم، إضافة إلى متاجر "لوكسوتيكا"، وهي الشركة الأم التي تتبع لها راي بان. كل هذا يضمن نظريًا حدوث طفرة في انتشار هذا النوع من النظارات عالميًا، ولاسيما أن سعرها "معقول"، ويبدأ من حوالي 300 دولار أمريكي فقط.

رؤوسنا كأداة مراقبة واختراق للخصوصية  

للوهلة الأولى، قد لا تختلف نظارة فيسبوك في أثرها عن انتهاز الفرصة لالتقاط صورة أو مقطع فيديو بهاتف محمول، كما يفعل الناس عادة. لكن الفرق في نظارات فيسبوك، التي يرتديها الشخص على عينيه وتبدو أنيقة ولا تختلف كثيرًا عن النظارات الشمسية الأخرى، يتمثل في أن الشخص يتلقط تلك الصور والفيديوهات بنظرة شخصية وجديدة، ولا بدّ أن تغير الأثر المترتب على مثل هذا النشاط في المجال الاجتماعي. فهذا المنتج يحوّل رؤوسنا إلى أداة لصالح فيسبوك، أو عقار تستأجره الشركة لتجريب تقنياتها، ولو كانت على حساب زعزعة الأسس التي يقوم عليها التواصل الاجتماعي والوجود في الحيّز العام.

فنظارات فيسبوك ستصبح "مشاهدًا" مستمرًا للمحيط الذي يتجول به الشخص الذي يرتديها، ومسجلًا لوجهة نظره الشخصية، دون أن يكون هنالك أي هامش للجماعة/المجتمع، كما أن الشخص نفسه سيصبح أكثر ميلًا إلى مقاربة التجارب الاجتماعية بعقلية المسجّل والمراقب لها لا المشارك العضوي فيها، وهو ما يسهم في خلق أفراد منفصلين بشكل أكبر عن المحيط الذي يتفاعلون معه. وفي حال افترضنا أن العديد من الأفراد سيتواجدون في آن معًا وفي حيز واحد وهم يرتدون مثل هذه التقنيات، فإن الأثر سيكون أعمق بأضعاف كثيرة، وهو ما يعني المزيد من التشظّي الاجتماعي والتغير المصاحب على طريقة تفكير الفرد.

نظارات فيسبوك-راي بان (راي بان ستوريز)، هي خطوة جديدة في مخطط مارك زوكبيرغ طويل المدى ورؤيته الخاصة لفيسبوك، والتي تطمح بأن يكون لشركته دور فاعل في التحول إلى "الميتافيرس"، أو "الكون الجديد" الذي يمثل المستقبل ببعد مختلف، قادر على بناء نسيج رقمي عميق، يعتمد على أدوات الواقع الافتراضي والمعزّز والارتباط الدائم بالشبكة، بشكل تتلاشى معه الحدود بين الحقيقي والافتراضي والمعزّز.

لنظارات فيسبوك-راي بان معنى اجتماعي يختلف بشكل كبير عن الهواتف الذكية. فالهاتف ظاهر ومحمول باليد، ويمكن تمييزه عنها، خاصة عند القيام بفعل التصوير. لكن الأمر مختلف عند الحديث عن النظارة وتحديد ما إذا كانت نظارة ذكية ذات كاميرا مدمجة أو لا، خاصة مع نظارات فيسبوك-راي بان الأنيقة، التي تعلمت من تجربة جوجل، التي فشلت نظارتها الذكية (جوجل غلاس)، لأنها بدت مختلفة في شكلها وتصميمها عن النظارات المعتادة التي يرتديها الناس يوميًا عند الخروج من منازلهم أو جلوسهم في الأماكن العامة. أما نظارة فيسبوك، فهي ببساطة نظارة راي بان، لكن بكاميرا وسماعات وقدرة على الاتصال بالهاتف، وهذا يعني أنك لن تعرف بسهولة إن كان الذي أمامك يرتدي واحدة، ويصورك ويجمع البيانات عنك، والأدهى كذلك هو أنك لا تعرف مصير هذه البيانات والصور، وإلى أين ستنتهي.

تقول فيسبوك إنها أضافت مؤشرًا يومض بضوء صغير حين تكون النظارة بوضعية التصوير، إلا أن الضوء لا يظهر من بُعد، وبالكاد يُلحظ بالنهار تحت أشعة الشمس. كما تصدر نظارة فيسبوك-راي بان صوتًا عند التقاط الصورة، وهو "صوت الغالق" (Shutter)، إلا أنه كذلك خافت وبالكاد يُسمع حتى عن قرب. لكن حتى لو افترضنا أن شخصًا لاحظ الضوء أو سمع إشارة الغالق، واكتشف أن الشخص الذي أمامه يرتدي نظارة فيسبوك-راي بان ذكية، فما الذي بحيلته أن يفعل؟ وكيف ستكون ردّة فعله؟ هل سينسحب من المكان ويغادر؟ أم سيطلب من الشخص خلع النظارة؟ أم ستندلع مشاجرة في كل مرة يلتقي بها مستخدم نظارة فيسبوك-راي بان مع شخص آخر قلقٍ على خصوصيته وراحته في المكان العام الذي يتواجد فيه؟ وهل ستفرض المقاهي والمطاعم والمؤسسات الحكومية والمدارس ضوابط تمنع من استخدامها داخل منشآتها؟ أم أن الأمر سيخرج عن السيطرة في حال راجت النظارة وصارت محمولًا أساسيًا كالهاتف، ولاسيما أن فيسبوك لن تظل وحدها في هذه السوق، وسرعان ما ستنضم الشركات الأخرى لتطوير نظاراتها الذكية الخاصة لتكون جزءًا من منظومتها التقنية المتكاملة والمترابطة.

فيسبوك لن تظل وحدها في هذه السوق، وسرعان ما ستنضم الشركات الأخرى لتطوير نظاراتها الذكية الخاصة لتكون جزءًا من منظومتها التقنية المتكاملة والمترابطة

ستطرح فيسبوك نظارتها الجديدة في المرحلة الأولى في كل من الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وإيطاليا وأستراليا، ومن المتوقع أن يكون هنالك تباين واسع بين الناس في تلقيهم لهذه التقنية الجديدة والتعاطي معها، بحسب القواعد الاجتماعية السائدة والمنظومة القانونية والحساسية العامة إزاء الخصوصية، إضافة إلى ما سينجم عن هذه التقنية من آثار وربما مشكلات مباشرة تثير الرأي العام والمختصين والمشرعين بشأنها.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

فيسبوك تبدأ تطبيق سياسات أكثر صرامة ضدّ المحتوى "الضار بالمجتمع"

الأمم المتحدة تدعو إلى حظر تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تنتهك حقوق الإنسان

تقرير: فيسبوك يتيح استثناءات للمشاهير بمخالفة قواعد النشر والاستخدام