14-أغسطس-2016

برويز تنافولي/ إيران

1

أن تسكن في شقة في الطابق الثاني، شقة غرفها متداخلة، تبتلع إحداها الأخرى، تتذكر أيامك الأولى فيها، التنقل مع أدوات التنظيف مع أمك من بيتكم الذي سيصبح قديمًا بعد أقل من أسبوعين إلى الشقة الضيقة التي ستعيش فيها ستة عشر عامًا حتى يومك هذا. قد يحدث وأنت في شبابك "المرحلة التي كنت تظن أنك ستحقق أشياء كثيرة" أن يحكم عليك بالسجن المؤبد الافتراضي، أن تبقى دون أن تشرب سيجارتك المعتادة لمدة أربع ساعات متواصلة، وأن تستيقظ وبلسانك طعم مرارة كأنه الموت. تصبح لا تنتظر شيئًا، لا أمل، لا ترقب، حتى تنسى الانتظار.
 
2

كانت مجموعة الفتيات يلعبن هذه اللعبة عند انتهاء الموسم الدراسي، تلك المجموعة التي تعرفت على فتاة منها عن طريق الصدفة، عندما سألت الفتاة عن الكتاب الذي تحمله، وتعذرت عن الإجابة "كان موضوع الكتاب عن المرأة" خجلت حينها الفتاة، لم تعلم أنت بأنها ستصبح حبيبتك بعد موسم دراسي. كانت اللعبة عبارة عن أمنيات تُكتب في أوراق وتحفظ لدى إحدى الفتيات، وعند بداية الموسم الدراسي الجديد، تسحب الأمنيات، كل شخص يحصل على أمنية، كانت طريقتهن لتوزيع الأماني، كانت الفتيات يؤمن بأن السنة الدراسية لا تكتمل إلا عند كتابة الأمنيات. المرة الأولى لم تكتب شيئًا، ألحت عليك الفتاة "حبيبتك فيما بعد" أن تكتب، حينها كتبت بأن "لا سماء لتخفق فيها جناحاك*"، ضجرت الفتاة وبقيت أنت بلا سماء ولا جناح ليخفق. لولا أن الفتاة أحبتك، لم يكن بوسعك أن تعيد كتابة أمنيتك مرة أخرى لم تكن قادرًا على إعادة كتابة أمنيتك، أمنيتك التي كانت "أنتِ"، لولا أن الفتاة أحبتك، لما حصلت على أمنية، لما حصلت على الحب.

3

وُجهت بنادق الجنود ناحيتك، كنت تنظر بدهشة لهذا المشهد الذي بدا مرعبًا، مازلت في العاشرة فقط، جنود من جنسيات مختلفة، الجندي الذي كانت ملامحهُ من شرق آسيا، طمأنك بإشارة من رأسه الصغير، جنود آخرون كانوا مستغربين من زملائهم، جندي أسمر البشرة يفتش ملابسك المهلهة. كنت قد ذهبت إلى سامراء، بعد ما حدث في نيسان 2003، انقطع الاتصال ببيت عمتك، إنهم يسكنون في مدينة سامراء، بالقرب من المئذنة الملوية. الطريق يمتد مثل جلد أفعى، السيارات العسكرية خضراء، الجنود بملابس غير منتظمة. يشير إليك أحد الجنود، يحييك بيده الضخمة، لم تتحرك شعرة في جلدك. 

4

تتذكر الباحة، التي كانت في بيت جدك، حيث ولدت أنت، كانت الباحة من نور. إنها في الطابق العلوي، تحت السلم الذي يؤدي إلى سطح المنزل، تحت السلم حيث كنت تخبئ ألعاب طفولتك، تلعب مع أخيك الذي يكبرك بعامين بالدراجات الهوائية، كانت الباحة ملاذًا، وجنة لطفولتك المشوشة. تدخل أشعة الشمس من نافذة تتوسط الجدار، في أعلى الجدار، تملأ المكان بهجة، لكنك تبقى متبلدًا، ساكنًا دائمًا. كانت هناك انزلاقة في مدخل الباحة، تشبه عانة فتاة، كنت تنزلق بدراجتك الهوائية وئيدًا. عند الظهيرة تضع رأسك على الأرض، تنصت إلى صوت الصمت، تتشبع أذناك بذلك الصوت الخاوي، تشربه على مهل، تنتشي برطوبة الأرض، ورائحة الحائط. تنظر إلى النمل وهو يسير بخط طويل يختفي عند فتحة في الجدار. تذكر بأن أخاك قال لك ذات مرة، إنك ستحصل على البهجة عندما تسقط بقوة على درجات السلم، كنت ستفعلها.

* الجملة للشاعر العراقي سعدي يوسف 

اقرأ/ي أيضًا:

كش مات

احتمالات عابرة