01-فبراير-2016

سليمان فرنجية

طلب النائب سليمان فرنجية موعدًا على وجه السرعة مع أمين عام حزب الله، جلس يشرح وجهة نظره: هناك إشارات إيجابية وصلتني من الرئيس الحريري حول إمكانية ترشيحي لرئاسة الجمهورية، تفاعل نصر الله: لا بأس، لكن انتبه.. المرحلة شديدة التعقيد، والخطوة الناقصة ستضر بنا جميعًا. ابتسم فرنجية: لا تقلق، تلاميذك نحن، والكرسي تهرول خلفنا، لا العكس، وأنت تدرك ذلك جيدًا. بادله السيد الابتسامة: على بركة الله.

وصل سليمان فرنجية لبنان وراح يخبر الجميع: أنا رئيس الجمهورية مع وقف التنفيذ

حط سليمان في باريس وحيدًا وحذرًا، وعاد مُحملًا بأحلام طالما دغدغت كبير قومه وصغيرهم، ما البأس، إنها تليق بك يا سليمان، قال الرجل في خلده، ثم راح يُفكر: سأعالج ملف الكهرباء، سأشرع في بناء السدود ومحطات الطاقة البديلة. أنا وسعد الحريري شباب، سنتحول إلى قيامة متدحرجة، سنفتتح سويًا سكة قطار تمتد من الناقوة إلى وادي خالد مرورًا بواجهة بيروت البحرية، ستحتفل زغرتا برئيسها الثالث، ستحملني على الأكتاف المتماوجة، فيما تحجب حبيبات الأرّز شعاع الشمس. بنشعي سترتدي كل أثواب المجد وهي تلوّح لفارسها الصلب، سأقبل وجنتيّ ميشال معوّض وأربّت على كتفه: غدًا يوم آخر يا صديقي، والرئاسة تجب ما قبلها.

ماذا عن سمير جعجع؟ سأل الرجل نفسه بصيغة جواب: الله أرحم الراحمين، فليذهب الحقد إلى الجحيم، ولتكن حقبة المصالحة والمسامحة، لا مكان للضغينة في قلبي، ما مضى قد مضى، سأسامح رغم الجراح ورغم الألم، وسأحمل هم الجمهورية على كتفي وأهرول به عواصم العالم، سأنسج علاقة عائلية دافئة مع الرئيس الفرنسي، وسأدخل الخليج دخول الفاتحين، سأحدّث الملك سلمان عن العلاقة التاريخية التي جمعت جدي بشقيقه طيب الثرى، ثم سأحط رحالي في بلاد العم سام، لكن ماذا إن وصل دونالد ترامب إلى رئاسة الجمهورية، هذه مشكلة كبيرة. الرجل شديد التطرف والتعقيد، حبذا لو تصل اللطيفة هيلاري، لكن لا بأس، حينما نصل إليها .. نُصلّي عليها.

المهم الآن أن تحط الطائرة في مطار بيروت، يا لها من رحلة طويلة. فارق مقعده وراح يتجول في بهوها ذهابًا وإيابًا، سأشتري طائرة خاصة مزودة بدرج كهربائي، هذه الزاوية أُخصصها لجلسة هادئة تتسع لأربعة أشخاص على مائدة عمل، على يميني طاولة صغيرة من خشب السنديان مُخصصة لهاتفي وبعض الملفات والأغراض الشخصية، خلف قمرة القيادة سأعلق لوحة زيتية لأحد عمالقة الفن في أوروبا، والخشب سيحضر بقوة في كل تفصيل، أريدها نسخة طبق الأصل عن قصري، هنا يجلس طوني حينما يرافقني في زيارة خارجية، هذان المقعدان مُخصصان حصرًا لي ولريما، سأجلس أنا قرب النافذة لألتقط بعض الصور لمدن وعواصم العالم. هنا قد يجلس المستشارون والإعلاميون، أو ربما هناك، لا بأس. المهم أولًا أن نحط رحالنا في بيروت.

لم تكن الفرحة عادية، وصل الرجل وراح يخبر الجميع: الصفقة نجحت.. سعد الحريري سيرشحني وقد اتفقنا على كل شيء، أنا رئيس الجمهورية مع وقف التنفيذ. هكذا فعل الرئيس الحريري أيضًا، قال للمقربين في بيروت: سأرشح فرنجية. انتشر الخبر كالنار في الهشيم، أصيب الجميع بصدمة، زار الحريري هولاند، اتصل الأخير بفرنجية، تعاظمت الصدمة وراحت ترخي بظلالها على المشهد برمته. قلب جعجع الطاولة على نفسه وعلى الجميع، توقف كل شيء.. وعدنا إلى المربع الأول.

تسرّع فرنجية ساهم في تعقيد المشهد وأخرج العماد عون أكثر قوة، لا سيما بعد انخراط القوات اللبنانية في مشروعه

في إطلالته الأخيرة، حمل الأمين العام لحزب الله بشدة على طريقة الإخراج، قال بأنها أربكت الجميع وارتدت بشكل سلبي وعقّدت معها كل الحلول، هو خاطب فرنجية بشكل غير مباشر عبر القول: "كان يمكننا أن نذهب إلى حوار هادئ"، والحوار هنا قائم على مخرج دراماتيكي سلس، بحيث يلجأ نصر الله لدعوة الأقطاب إلى جلسة نقاش، يخبرهم عبرها فرنجية بأنه حاز على موافقة سعد الحريري ووليد جنبلاط، سيشعر العماد عون بحرج شديد، لا سيمّا وأن فرنجية عبّر عن دعمه له في معركته الرئاسية، سيدخل السيد على خط ترطيب الأجواء: أنت عين وهو الأخرى، وفريقنا فائز بكما، ثم سيتدخل الرئيس بري ليشرح أهمية هذا الخرق، وبأنه حدث استثنائي وفرصة لا بد من تلقفها بسرعة. عون سيرتبك أمام وضع مماثل، وربما يذهب إلى حد القول على مضض: أنا وسليمان واحد، هو وقف إلى جانبي وأنا سأبادله الوفاء.

لكن ذلك لم يحدث، فتسرّع فرنجية ساهم في تعقيد المشهد السياسي وأخرج العماد عون أكثر قوة، لا سيما بعد إنخراط القوات في ركب مشروعه. فرنجية تصرف بتهور، هذه هي خلاصة كلام الأمين العام لحزب الله، وهو كلام ينطوي على كثير من القراءة بين السطور، فقد بدا وكأنه عاتب على تضييع الفرصة الأنجع لإزاحة ميشال عون، شعر بأن فشل المبادرة أثقلت كاهله بكثير من التعقيدات غير المحسوبة، لقد بات مُلزمًا بالتوضيح، وبإعادة إعلان ميشال عون مرشحًا سرمديًا لا يُزيحه إلا قراره الذاتي بالانكفاء عن متابعة معركته.

تسرّع سليمان فرنجية وأحرق كل المراحل، كانت اندفاعته نحو التسوية أكبر من القدرة على التوازن، تعاطى مع المسألة بخفة، فأكثر الكلام وأكثر الخطأ، كان يظن بأن سير سعد الحريري يكفي لقلب كل المعادلات، ولإخراج العماد عون نهائيًا من السباق الرئاسي، ليعود ويستنتج بأنه أحرج نصر الله وبري، ودفع جعجع نحو ترشيح عون، وخسر فرصة حقيقية وجدية كانت ستحمله حتمًا إلى الكرسي الأول. فالسيد نصر أعلن التزامه النهائي والحاسم بالعماد عون بعد موجة عارمة من المواقف المُشككة، فيما بدا فرنجية وكأنه بدأ يهرول للوصول، ولو على حساب معركة كسر عظم لا يريدها ولن يسمح بها حزب الله.

في المحصلة، حاول الثنائي بري-نصر الله أن يحفر بلطف تحت ميشال عون، وأن يحرجوه فيخرجوه عبر متحرك صادم يقوده فرنجية إلى جانب الحريري وجنبلاط، لكن ما حصل كان بخلاف ذلك تمامًا، فالحفرة المُعدة لعون أسقطت الجميع، فيما خرج الأخير منها منتصرًا وأكثر قوة وجاذبية، ليعود ويضع الجميع أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أنا وإما الفراغ. والأرجح أن الجميع يميل نحو الخيار الثاني بانتظار متحرك جديد يُعيد خلط الأوراق، بيد أن هامش المناورة هذه المرة بات ضيقًا للغاية.

اقرأ/ي أيضًا:

الحريري يرد الصاع لعون

عون وجعجع.. لقاء التكاذب ورد الصفعات