30-نوفمبر-2016

سمر أبو خليل إحدى مقدمات النشرات الإخبارية على شاشة الجديد (يوتيوب)

منذ العام 2005 والمحطات التلفزيونية اللبنانية دخلت في مرحلة "جنونية" من التطرف السياسي. انقسم الواقع الإعلامي بين فريقي 8 و14 آذار، وعملت هذه المحطات طوال السنوات الماضية على التعبئة الإعلامية لكل فريق. هنا ظهرت قناة غير حزبية لم تنبع من رحم الأحزاب كقناة "الجديد"، التي ساندت فريق 8 آذار وخاصة "حزب الله" في صراعه الأيديولوجي- الإقليمي.

تساند قناة "الجديد" مواقف "حزب الله" وصراعه الأيديولوجي

استخدمت "الجديد" منذ العام 2005 شتى الوسائل لمواجهة فريق 14 آذار وهذا حق مشروع. فعلت مثل كثير من المحطات على الضفة الأخرى. لكن مهنية هذه القناة، غير التابعة حزبيًا لطرف سياسي، كانت تتقلص شيءًا فشيءًا، إلى أن ذابت واختفت في مرحلة لا يمكن محاسبة الإعلام فقط عليها، دون التعمق بشكل عام بمنظومة الحياة السياسية التي عاشها اللبنانيون وانعكست بسيئاتها على الإعلام، الذي يعدّ واجهة المجتمع وصورته.

في مرحلة الصراع الجنوني بين فريق الثامن والرابع عشر من آذار، ظلت "الجديد" تتعامل مع المواقف بكثير من التجييش الإعلامي. تبتكر الحروب الجانبية. ترفع من منسوب الاحتقان، وتخفضه متى أرادت. دخل مراسلوها في تفاصيل التفاصيل، ووقعوا مرارًا في فخ شخصنة الصراع السياسي. لم يتوقف حد مهنيتهم على الخلاف وتسجيل النقاط، تدخلوا بأمور أخصامهم السياسية من موقف "شوكولا" نائلة معوض في مناسبة 14 آذار، إلى "جاكيت" سعد الحريري، مرورًا بلعثمات النائب الكتائبي نديم الجميل.

اقرأ/ي أيضًا: "خدع" تمام بليق "المحروقة".. في "بلا تشفير"

كل هذه السذاجة من الممكن أن تمر بظرف صعب كالذي عاشه لبنان، في ظل خصام شعبي أفقي وعمودي بين أطراف الحكم، فعاشت المحطة على هذا الخصام بطوله وبعرضه واستخدمت كل ما بوسعها لتعميق هذا الشرخ لجني المكاسب منه، ولو كان ذلك على حساب المهنية، فالشعبوية تُربح، والمهنية في ظل الانقسام لا تحصد "Viewers". وسط كل هذا الواقع أدخلت "الجديد" للإعلام اللبناني طريقة إخبارية مستجدة. واكبت الشارع وتخلت عن ربطات العنق، لكن قبل ذلك اختزلت هذا الشارع بما يجب أن يظهر على الشاشة، بما يتلاءم مع أهدافها ومصلحة مالكها تحسين الخياط.

استحوذت على شعبية الشارع، حيث أصبحت رقمًا صعبًا، كانت تدخل إلى الضاحية متى تريد لتمجد إنجازات "حزب الله"، وتمر على طريق الجديدة بتوقيت محدد لتلتقط الانتقادات لسعد الحريري. الجميع كان يتابع "الجديد" من يؤيد فريق 8 آذار ليسخر من خصمه، وشارع 14 آذار لأنها مستفزة.

تزخر نشرة أخبار "الجديد" بالتلفيقات والاتهامات وبطريقة لا تخلو من الهفوات الدائمة والأخطاء المهنية

عندما انخفض مستوى الصراع بين فريقي الأزمة السياسية قبل سنوات، دخلت الجديد بصراعات جانبية مع الفريق السياسي الذي دافعت عنه طوال السنوات. وصلت الأمور إلى حد الذروة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وعلا صوت الانتقادات بينها وبين نجل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله "جواد"، وبعدها دخلت في صراع قائم حتى اليوم مع قناة الـMTV حول شبكات الإنترنت غير الشرعية، ومالكها غبريال المر.

وسط كل هذا التزاحم السياسي والتصعيد الإعلامي المسؤول وغير المسؤول، قدمت "الجديد" هفوات مهنية صرفة، كتقرير المراسلة يمنى فواز عن الكائنات الفضائية، ونظرية "كبير العيلة" للمراسلة السابقة نوال بري، وكيل الاتهامات من مريم البسام، صاحبة "المطولات الخشبية" والتقديمات العكاظية، لمراسل سابق في المحطة هو "حسين خريس"، ووصلات من "الردح" لكل من ينتقدها تستخدم فيها كل شيء لتنتصر في شعبويتها.

لم تكتف "الجديد" بكل هذا، بل ذهبت أبعد من ذلك فتبنت نظرية "النائب الممدد" لنفسه وأسقطتها على من تريد، لكنها لم تتبن نظرية "الرئيس المنتخب بطريقة غير شرعية"، الذي هو نتاج تصويت نواب مددوا لأنفسهم بحسب تلك النظرية، وربما سيصبح كذلك إذا دُفعت المحطة للأمر.

ابتدعت قناة الجديد "مؤخرة" لنشرتها الإخبارية لكنها سرعان ما تخلت عنها لصالح برنامج "هيدا تبع الأخبار"

هذه نظرية الشيء ونقيضه استخدمتها الجديد كثيرًا، فناصرت "المقاومة" بحسب تعريفها واستقبلت متهمًا بالعمالة على شاشتها. وانتقدت بعنصرية اللاجئين السوريين وأي معارض للنظام السوري، وتقف اليوم إلى جانب مئات البراميل المتفجرة التي تنهمر فوق رؤوس العزل، في وقت تجاهر بدفاعها عن الحقوق المدنية في اليمن والبحرين وغيرها.

مهنية القناة تتابعت في سقوطها. فظهر للنشرة الإخبارية "مؤخرة"، لكنها سرعان ما اختفت واختفى معها مقدمها رامي الأمين، ليحل مكان المؤخرة "تبع الأخبار"، جميعها عناوين "ضاربة" على حساب المهنية.

رغم أنها الوحيدة التي لا تتبع لحزب لبناني لكن يمكن للجديد وغيرها من المحطات في لبنان أن تنفذ أجندات حزبية، وهذا أمر واقع في بلد ينقسم إلى أحزاب تشبه الجاليات، وشعب مؤلف من شعوب، لكن على تلك المحطات أن تحافظ على القليل من مهنيتها، إن لم نقل على ماء وجهها. تلك المهنية المتعلقة بصناعة التقارير، واللغة، والأخطاء الإملائية، والتعريفات الموحدة، والرصانة، والدقة بنقل الخبر وصناعته، والاعتراف بحق المشاهد بمتابعة نشرة إخبارية تقدم الخبر وتوثقه يجب أن تكون ثابتة، غير متحركة، فالتلفزيون للمشاهد وليس سوق بورصة لمن يدفع أكثر.

اقرأ/ي أيضًا:

حريات الإعلام في لبنان.. رجعنا يا زمان

"بي بي شي" .. خسارة العفوية وتفاقم الابتذال