30-يوليو-2018

تقمع السلطات في كومبوديا حملات المقاطعة التي قادتها المعارضة (Getty)

أدركت المعارضة في كمبوديا، أن النظام يريد أن يجري الانتخابات، التي أقيمت أمس الأحد، بأكبر نسبة من المشاركة من أجل التغطية على عملية القمع والاستبداد الممنهج. ولذلك، فإنها أقامت عددًا من حملات المقاطعة، التي قامت السلطات بقمعها، كما يوضح هذا التقرير المترجم من صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.


بعد عدم مقدرته على خوض انتخابات الرئاسة، فعل زعيم حزب المعارضة الأكبر، المنحل حاليًا، الشيء الوحيد الذي شعر بأنه يقدر عليه: رفع سبابته أثناء تجمع مع مجموعة من مؤيدين للمعارضة مثله، ونشر صورة لمبادرته على فيسبوك.

تركز حكومة هون سين لإصرارها على إثبات شرعية الاقتراع، على نسبة المشاركة، وتقدم الحوافز لمن يصوت

كان إصبع شيا تشيف غير مصبوغ بحبر. حيث يشارك في حملة "الإصبع النظيف" التي تدعو لمقاطعة الانتخابات. يشير "الإصبع النظيف" إلى الحبر الهندي الذي تستخدمه السلطات كي تصبغ به أصابع الناخبين في يوم الاقتراع للإشارة إلى أنهم أدلوا بأصواتهم. بعد تفكك حزب الإنقاذ الوطني المعارض زعيم أحزاب المعارضة بكمبوديا في تشرين الثاني/ نوفمبر، قال المناضلون ضد الانتخابات التي يشجبون عدم شرعيتها على نطاق واسع، أن عدم الذهاب إلى الاقتراع وبالتالي عدم صبغ أصابعهم هو خيارهم الوحيد.

ولكن شيا تشيف قد هرب، بعد اتهامه بالتحريض بينما تقمع الحكومة هذا النوع الأخير من الاحتجاج. وقد أدانته السلطات مع أربعة آخرين يوم الخميس، وعوقبوا بغرامات تقدر بعشرة ملايين ريال (ما يقارب 2.470 دولار)، حوالي ضعف دخل الأسرة الشهري في كمبوديا.

"لا يمكنني البقاء في منزلي، بينما هناك اتهامات ضدي". هكذا أخبر تشيف واشنطن بوست، وأضاف: "لقد وجدت مكانًا آمنًا،" متعهدًا بمواصلة مكالمات المقاطعة من هناك عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ويوضح هذا القمع الأخير الذي سبق الانتخابات مدى  قلق حكومة رئيس الوزراء المستبد هون سين، حتى وهو يستعد لبسط قبضته على السلطة التي تجاوزت الثلاث العقود في هذه الدولة الجنوب شرق آسيوية.

اقرأ/ي أيضًا: كمبوديا وأزمة الديمقراطية الآسيوية.. هل هي معركة نفوذ بين الصين والغرب؟

وتصرّ الحكومة على أن الانتخابات حرة ونزيهة، وتروج لمشاركة الأحزاب السياسية الأخرى وعدد كبير تاريخي من مراقبي الانتخابات. ولكن لاحظ المنتقدون عدم وجود أية معارضة حيوية، وانعدام أهمية الأحزاب الأخرى وتكميم وسائل الإعلام المستقلة في الفترة السابقة للتصويت، وكل هذا مخطط له، كما يقول المنتقدون، لتأمين فوز هون سين بعد خسارة حزبه الحاكم بالكاد للسلطة أمام المعارضة في 2013. ولا يزال زعيم حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي كيم سوكها في سجن نائٍ على الحدود مع فيتنام بعد اعتقاله بتهمة الخيانة في أيلول/ سبتمبر الماضي.

تركز حكومة هون سين لإصرارها على إثبات شرعية الاقتراع، على نسبة المشاركة، وتقدم الحوافز، بما في ذلك هدايا نقدية وطعام لمن اختاروا التصويت ومعاقبة من لم يفعل، كما يقول المحللون. ويقول لي مورجينبيسر المحاضر بجامعة جريفث في أستراليا والذي يدرس الانتخابات في الدول الاستبدادية، إن "الحكومة لن تكون قادرة على الزعم بأنها هزمت حزبًا معارضًا قويًا"، ولكنه أضاف أنه "مع نسبة مشاركة كبيرة يمكنها القول بأننا فزنا وهذا هو عدد الأشخاص الذين منحوا لنا الفوز".

ولكن على النقيض، سيثبت انخفاض نسبة المشاركة للمراقبين الأجانب أن الانتخابات غير شرعية. ومن ضمن هؤلاء المراقبين الولايات المتحدة، التي بدأت في فرض عقوبات على بعض الموالين للحكومة، والاتحاد الأوروبي الذي هدد بإلغاء التعريفات الجمركية التفضيلية لكمبوديا. وفي يوم الأربعاء مرر مجلس النواب الأمريكي قانونًا سيفرض المزيد من العقوبات على مجموعة أوسع من القادة الكمبوديين: هون سين نفسه وأكثر من 12 عضوًا من دائرته المقربة.

تدرك السلطات الكمبودية بأن التصويت ليس إلزاميًا. لكنهم اتهموا أولئك الذين يروجون للمقاطعة باستخدام "وسائل غير قانونية" لمنع الناخبين من الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وإحداث "اضطراب" في العملية الانتخابية. وقال المتحدث الرسمي باسم اللجنة الوطنية للانتخابات إن هذه المخالفة تخضع لغرامة قد تصل إلى 5000 دولار تقريباً، فضلاً عن عقوبات جنائية قد تصل إلى السجن لمدة عامين. وقالت اللجنة إنها تلقت خمس شكاوى تتعلق بحملات المقاطعة.

وصرح هانج بوثيا، المسؤول في اللجنة الوطنية للانتخابات، في لقاء معه، أن "هذا النشاط ليس زوبعة في فنجان" متحدثًا عن المقاطعة، مؤكدًا الشكاوى والتحقيقات الجارية ضد من طالبوا بمقاطعة الانتخابات. "إنهم يجاهرون بهذه الأفكار ويدفعون الناس لعدم التصويت".

وأعلن حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي أنهم بدأوا الدعوة إلى المقاطعة في شهر نيسان/ أبريل عندما أصبح من الواضح أنهم لن يتمكنوا من المشاركة في الانتخابات، رغم تنحي القادة الأساسيين لحماية قانونية الحزب في كمبوديا. وفي شباط/ فبراير 2017، استقال زعيم المعارضة سام رينسي من قيادة الحزب بعد تمرير قانون يمنع المُدانين من القيادة السياسية. ويواجه سام رينسي اتهامات بالتشهير يقول مؤيدوه إنها ذات دوافع سياسية. ولكن بعد إلقاء القبض على كيم سوكها وحكم المحكمة الصادر في تشرين الثاني/ نوفمبر مفككًا الحزب ومانعًا 118 من قادة حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي، بمن فيهم شيا تشيف، من العمل السياسي، اتجه الحزب إلى إعلان المقاطعة.

"إن الطريقة الوحيدة لنزع الشرعية عن هون سين كانت الدعوة إلى مقاطعة هذا التصويت الفارغ"، قال سام رينسي في مقابلة من منفاه في باريس. وأضاف أيضًا: "لم نترك بابًا للحوار إلا وطرقناه وحاولنا إعادة التسجيل للتصويت في أيار/ مايو الماضي، ولكننا وجدنا آذانًا صماء." وقال إن حركة الأصابع النظيفة نمت مع زيادة دعاوى المقاطعة وبدأ صداها يتردد في الخارج وفي الوطن.

سيثبت انخفاض نسبة المشاركة للمراقبين الأجانب أن الانتخابات غير شرعية. ومن ضمن هؤلاء المراقبين الولايات المتحدة، التي بدأت بالفعل في فرض عقوبات 

ورغم ذلك، يعترف الناشطون بأنه من الأسهل على من هم في خارج البلاد ممن وصموا أنهم من المعارضين، أن يروجوا لهذه الاستراتيجية. فبدلًا من الاعتماد فقط على منصات وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك، التي يقولون إنها تخضع لرصد الحكومة، فإنهم يستخدمون الكلام وجهًا لوجه. وصرح فانا هاي، وهو من أنصار حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي ومقيم في اليابان، إنه وغيره من الكمبوديين في الخارج يتصلون بذويهم طالبين منهم نشر حملة المقاطعة شفهيًا في القرى الريفية والمراكز الحضرية.

اقرأ/ي أيضًا: وفاة "السفاح المؤمن".. القصة الكاملة لدكتاتور غواتيمالا ريوس مونت

وبين أن "الحديث وجهًا لوجه أكثر قوة عندما تحاول السلطات المحلية إغلاق كل شيء وتجبرنا على عدم التحدث عن أي شيء على الإطلاق". وقد شجع حملة همس لتشجيع المقاطعة قائلًا "في بعض الأحيان تُرسل رسالة مدوية عندما يبدأ الناس بالهمس". وحتي في همسهم، قد يكون لمؤيدي حملة المقاطعة سببًا وجيهًا لخوفهم.

وفي حديثه في مقاطعة باتامبانج، حيث وجهت الاتهامات إلى شيا تشيف، حثَ نائب رئيس الوزراء ونائب رئيس حزب الشعب الكمبودي الحاكم سار كهينج أنصاره على الحذر من أولئك الذين دعوا إلى المقاطعة يوم السبت، قبل يوم من بدء الانتخابات. حيث لا يسمح بأي حملة سياسية في ذلك اليوم.

وقال "لن يكونوا هادئين في ذلك اليوم" في إشارة إلى زعماء المعارضة. "ماذا سيفعلون؟ سيهمسون". لذا رجاء انظروا إلى تلك المسألة. لن نضايقهم، لكننا سنمنع هذه الحملة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

انفوغرافيك: دمويون غيروا وجه التاريخ

قمع الناشطين الحقوقيين في آسيا.. الإرهاب بمحاربة الإرهاب