17-أبريل-2025
انتهاكات مروعة يتعرّض لها المعتقلون الفلسطينيون في سجون الاحتلال (منصة إكس)

انتهاكات مروعة يتعرّض لها المعتقلون الفلسطينيون في سجون الاحتلال (AP)

في خضمّ واحدة من أقسى المراحل التي يمر بها التاريخ الفلسطيني الحديث، يُحيي الفلسطينيون "يوم الأسير" في 17 نيسان/أبريل، وفاءً لآلاف المعتقلين القابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

يأتي هذا اليوم الرمزي في ظل واقع غير مسبوق من الاعتقالات الجماعية، والإخفاء القسري، والانتهاكات الممنهجة داخل المعتقلات الإسرائيلية، ويتزامن مع استمرار المجازر في قطاع غزة، وتصاعد وتيرة الاعتداءات في الضفة الغربية  المحتلة.

يأتي هذا اليوم الرمزي في ظل واقع غير مسبوق من الاعتقالات الجماعية، والإخفاء القسري، والانتهاكات الممنهجة داخل المعتقلات الإسرائيلية

تصاعد غير مسبوق في عدد الأسرى والإجراءات القمعية

بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، حتى بداية نيسان/أبريل 2025، أكثر من 9900 أسير وأسيرة، وهو رقم لا يشمل كافة معتقلي قطاع غزة الذين تُخفيهم سلطات الاحتلال قسرًا دون الإفصاح عن أماكن احتجازهم أو وضعهم القانوني. وتشير المعطيات إلى وجود 29 أسيرة، من بينهن أسيرة من غزة، وطفلة قاصر، وأربع أسيرات رهن الاعتقال الإداري، وأسيرتان حامل، كما تشمل قائمة الأسيرات أمهات، وأسيرة وابنتها، وطالبات، وصحفية، ومحامية، وأمًا لعدد من الشهداء.

أما فيما يخص الأسرى الأطفال (الأشبال)، فقد بلغ عددهم نحو 400 طفل دون سن 18 عامًا، موزعين على سجني مجدو وعوفر، ويتعرضون لنفس الانتهاكات والتنكيل الذي يواجهه الأسرى البالغون، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة وغياب الرعاية.

وتكشف الإحصائيات عن ارتفاع غير مسبوق في عدد المعتقلين الإداريين – أي أولئك المحتجزين دون محاكمة بذريعة "الملف السري" – إذ وصل عددهم إلى أكثر من 3498 معتقلًا إداريًا، من بينهم أربع أسيرات، وأكثر من 100 طفل. وتضم هذه الفئة أسرى سابقين، وطلاب مدارس وجامعات، وصحفيين، ومحامين، وحقوقيين، وأطباء، ومهندسين، وأكاديميين، ونوابًا، ونشطاء، وعمّالًا، وأقارب شهداء وأسرى، من بينهم شقيقات شهداء وزوجات أسرى.

وفي إطار السياسات الجديدة التي فرضها الاحتلال، صنّفت إدارة السجون الإسرائيلية 1747 معتقلًا كـ"مقاتلين غير شرعيين"، وهو تصنيف يستخدم لتقييد الحقوق القانونية والإنسانية للمعتقلين. كما سجّل تصاعد مقلق في عدد الأسرى المرضى والجرحى، الذين يُقدّر عددهم بالمئات، في ظل تصاعد الجرائم الطبية والإجراءات الانتقامية، وعلى رأسها الإهمال الصحي، وحرمان المرضى من العلاج، والتعذيب الجسدي والنفسي، ما أدى إلى تدهور خطير في الأوضاع الصحية داخل السجون.

ويؤكد مختصون أن هذه الأرقام تعكس زيادة غير مسبوقة في الاعتقال الجماعي والإداري، مقارنةً بموجات التصعيد السابقة وحتى ذروة الانتفاضات السابقة.

في قلب الجريمة: اعتقالات جماعية وإخفاء قسري

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2023، والتي صنفتها منظمات حقوقية دولية على أنها "إبادة جماعية"، كثّفت إسرائيل من عمليات الاعتقال، لا سيما في قطاع غزة، حيث تُمارس سياسة الإخفاء القسري بحق آلاف المعتقلين، وسط تعتيم إعلامي وغياب أي رقابة حقوقية مستقلة.

وبحسب إفادات موثقة لأسرى خرجوا مؤخرًا من مراكز الاحتجاز، فإن ظروف الاعتقال تتجاوز الحدود المعهودة في السجون الإسرائيلية، مع تفشي الأمراض مثل الجرب، وحرمان الأسرى من أبسط حقوقهم الصحية، وتحويل المرافق الأساسية إلى أدوات قمع وإذلال، كإجبارهم على استخدام براميل لقضاء الحاجة، وتكبيلهم في وضعيات شبح لساعات طويلة.

انهيار صحي ونفسي منهجي داخل المعتقلات

يشير نادي الأسير إلى أن أغلب المعتقلين، حتى أولئك الذين دخلوا السجون بصحة جيدة، أصبحوا يعانون من أمراض وإصابات جسدية ونفسية، نتيجة سياسة التجويع والإهمال الطبي والاعتداءات البدنية الممنهجة. كما تحوّل العزل الانفرادي والجماعي إلى وسيلة عقاب جماعي، خصوصًا بحق قادة الحركة الأسيرة، داخل سجون "ريمون" و"مجدو"، ما فاقم من مستويات الاكتئاب والاضطرابات النفسية بين المعتقلين.

الحرمان من الدفاع والرقابة القانونية

ولم تسلم الزيارات القانونية من إجراءات التضييق، إذ تفيد تقارير حقوقية أن سلطات السجون تفرض رقابة مشددة على زيارات المحامين، وتقلص أوقاتها وتباعد بينها بشكل منهجي، ما يحد من فرص الدفاع والمتابعة القضائية، في ظل بيئة تتزايد فيها الانتهاكات يومًا بعد آخر.

على سبيل المثال، أفادت "هيئة شؤون الأسرى" ونادي الأسير الفلسطيني بأن سلطات الاحتلال فرضت على المحامين الفلسطينيين ارتداء أساور تحمل اسم السجن وعلم دولة الاحتلال وكلمة "زائر" خلال زياراتهم للأسرى، وهو ما اعتُبر إجراءً مهينًا يهدف إلى التضييق على المحامين والحد من قدرتهم على أداء مهامهم القانونية.

كما أشارت منظمات حقوقية دولية إلى أن السلطات الإسرائيلية قامت بمنع زيارات المحامين والأسرى، وعلّقت زيارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مما يفاقم من عزلة المعتقلين ويقوّض حقوقهم القانونية والإنسانية.

هذه الإجراءات تُعد انتهاكًا صارخًا للحقوق الأساسية التي تكفلها القوانين الدولية، وتستدعي تدخلًا عاجلًا من المجتمع الدولي لضمان احترام حقوق المعتقلين الفلسطينيين.

استشهاد الأسرى: القتل كسياسة ممنهجة

وثّق نادي الأسير الفلسطيني استشهاد 64 معتقلًا منذ اندلاع العدوان الأخير، من بينهم 40 أسيرًا من قطاع غزة، وكان آخرهم الشاب مصعب حسن عديلي من نابلس، الذي استُشهد اليوم بالتزامن مع إحياء الفلسطينيين لـ"يوم الأسير". وبذلك يرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى أكثر من 300 شهيدًا منذ عام 1967.

وتشير المؤسسة الحقوقية إلى أن هذه الأرقام لا تعكس الحقيقة الكاملة، بسبب إصرار إسرائيل على إخفاء هوية العديد من المعتقلين ضمن سياسة الإخفاء القسري.

ومن بين شهداء الحركة الأسيرة، طفل يُعدّ شاهدًا على الجريمة المركّبة التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق الأسرى، وهو الطفل وليد أحمد، الذي ارتقى نتيجة جريمة تجويع ممنهجة تعرّض لها خلال فترة اعتقاله، لتُشكّل تلك الجريمة السبب المركزي لاستشهاده. ويُعدّ وليد واحدًا من مئات الأطفال الأسرى الذين يواجهون سياسات انتقامية ممنهجة، تشمل التعذيب الجسدي والنفسي، التجويع، والإهمال الطبي المتعمّد.

وفي السياق ذاته، تُشير الإحصائيات إلى أن جثامين 72 شهيدًا من شهداء الحركة الأسيرة لا تزال محتجزة لدى سلطات الاحتلال، أقدمهم الشهيد أنيس دولة، الذي استُشهد في السجون الإسرائيلية عام 1980، ولا يزال جثمانه محتجزًا حتى اليوم.

النقب ومجدو: العنوان الأبرز لقتل الأسرى

منذ بداية الإبادة الجماعية التي يشنّها الاحتلال، برز سجنا النقب ومجدو كأكثر أماكن الاحتجاز دموية، حيث سُجّلت فيهما معظم حالات استشهاد الأسرى والمعتقلين، وكان آخرهم الشاب مصعب حسن عديلي (20 عامًا) من نابلس، الذي استشهد بعد أن نُقل إلى مستشفى "سوروكا"، عقب احتجازه وتنقله بين السجنين. وقد قضى غالبية فترة اعتقاله في سجن مجدو قبل أن يُنقل لاحقًا إلى النقب، حيث تدهورت حالته الصحية بشكل حاد.

وفي هذا السياق، أكد نادي الأسير الفلسطيني أن مستوى الجرائم المرتكبة في سجنَي النقب ومجدو يشهد تصاعدًا خطيرًا، لا سيما على صعيد سياسات التنكيل الممنهج، وعمليات القمع المتكررة، والتجويع المتعمد، إلى جانب الانتشار الواسع للأمراض والأوبئة داخل الأقسام، وعلى رأسها مرض الجرب (السكايبيس)، في ظل انعدام الرعاية الطبية.

وأشار النادي إلى أن هذين السجنين يُعدان من أكبر السجون المركزية في منظومة الاعتقال الإسرائيلية، حيث يُحتجز فيهما آلاف الأسرى، وقد شهدا منذ بدء العدوان أوسع حملات القمع والتنكيل. كما ذكّر النادي باستشهاد الطفل وليد أحمد من رام الله داخل سجن مجدو، نتيجة ما وصفها بـ"جريمة مركّبة"، كان التجويع المحور الأساس فيها.

وجدّد نادي الأسير تحذيره من كارثة صحية شاملة تهدد حياة الأسرى في سجني النقب ومجدو، مع استمرار تفشي الأمراض وسط حرمان متعمد من العلاج، في إطار ما وصفه بـ"تحويل الأمراض إلى أدوات للتعذيب"، من خلال سياسات الإهمال الطبي ورفض توفير أي استجابة صحية جدية للأسرى، ما يُعد شكلاً من الجرائم الطبية الممنهجة.

النكبة تتكرر خلف القضبان

مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، والذي خلّف أكثر من 167 ألف شهيد وجريح، ونحو 11 ألف مفقود، وأدى إلى تهجير الغالبية العظمى من سكان القطاع، يتعرّض الأسرى الفلسطينيون لانتهاكات جسيمة تنذر بكارثة إنسانية صامتة تدور خلف جدران السجون، بعيدًا عن أعين الإعلام والرقابة الدولية.

وفي ظل رفض سلطات الاحتلال السماح بدخول وسائل الإعلام أو فرق التفتيش المستقلة، يحذّر مراقبون ونشطاء حقوقيون من أن استمرار هذه السياسات قد يؤدي إلى انهيار كامل في أوضاع الأسرى، خصوصًا مع غياب المساءلة الدولية، وتواطؤ بعض القوى الغربية، وصمت المنظومة الأممية.