23-أغسطس-2015

ما زالت المطرزات الفلسطينية إرثًا فلسطينيًا عريقًا (عباس مومني/ أ.ف.ب/ Getty)

يعد فن التطريز من المهن الحرفية القديمة التي عرفتها جميع الأرياف الفلسطينية. كانت وما زالت المطرزات الفلسطينية إرثًا عريقًا تتناقله الأجيال جيلًا بعد جيل. لقد عملت المرأة الفلسطينية قديمًا بالتطريز، باعتباره فنًا وهواية. كانت ملابس الفلسطينيات مطرزة دائمًا، في المناسبات أو في المنزل. كان شغفًا.

هذه المهنة بدأت تتلاشى تدريجيًا في السنوات الأخيرة بسبب تغير طرأ على نمط حياة المرأة الفلسطينية، التي أصبحت مواكبة لآخر صيحات الموضة. وكذلك بسبب وجود الكثير من المطرزات الجاهزة المستوردة التي غزت الأسواق. بيد أن مهنة التطريز سرعان ما دبت بها الحياة مجددًا بعد انتشار العديد من مراكز التطريز في غزة للحفاظ على الموروث من الضياع، ولجوء العشرات من النسوة الغزيات للعمل في تلك المراكز من أجل كسب المال، في ظل ارتفاع نسب الفقر وعدم توافر فرص عمل في قطاع غزة المحاصر. أنقذهن الماضي، والتطريز!

قبل النكبة كان لكل قرية فلسطينية نمط معين من المطرزات يميّزها

فرصة عمل تراثية

سلمى أبو حلوب هي سيدة في الخمسينيات. أجادت التطريز بحرفية منذ نعومة أظافرها. لم يخطر ببالها أنها ستعمل يومًا ما في هذه المهنة كي توفر لقمة العيش لأطفالها. لكن سوء حظها في الحياة جعلها تعود لمهنة الصبا لتعيل أسرتها المكونة من 12 فردًا بعد أن استشهد زوجها. في حديثها عن التطريز تقول سلمى إنه "فن فلسطيني عريق ورمز للهوية الفلسطينية يميزنا عن باقي شعوب العالم، يجب علينا التمسك به وتعليمه لأبنائنا كما تعلمناه من أهلنا". وإلى جانب كونه شغف، تشير سلمى إلى أن هذا النوع من العمل أعاد شيئًا من الحياة إلى الذاكرة، ناهيك عن أن "مهنة التطريز ليست بالسهلة بل تحتاج إلى تركيز وجهد ووقت كبير إضافة إلى استخدم قماش خاص وخيوط ملونة من الحرير".

أما الشابة آية أبو وطفة، فهي في العشرينيات من العمر. لم يكن حالها أفضل من السيدة أبو حلوب. فقد دفعها مرض والدها وعدم حصولها على وظيفة تلائم تحصيلها العلمي، إلى خوض تجربة التطريز لتوفير لقمة عيش كريمة للأسرة. تقول أبو وطفة في حديثها لموقعنا إنها لم تجد فرصة عمل بعدما تخرجت من الجامعة كمحاسبة... "وحالي حال آلاف الطلاب والطالبات الفلسطينيين، فاضطررت للبحث عن عمل يوفر لنا قوت يومنا وأيقنت حينها أن التطريز سيكون هو الحل".

تعلمت التطريز من خلال الإنترنت وعبر اليوتيوب ومن بعض جاراتها في الحارة. لم تستغرق إلا أشهر قليلة وأتقنت هذه المهنة بشهادة جميع من حولها. وحينها "بدأت بتطريز أثواب ومناديل فلم أجد إقبالًا كبيرًا على هذه الأشياء، وقررت حينها أن أبحث عن شيء آخر لجذب انتباه الناس". هكذا فبدأت بعمل محافظ وعلاقات للمفاتيح ومداليات وصواني فوجدت إقبالًا مناسبًا عليها، خاصةً وأن أسعارها مناسبة لأهالي غزة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وبحيث لا يتجاوز سعر القطعة 10 دولارات أميركيّة.

على اختلاف المدن الفلسطينية

التطريز لغة والملابس المطرزة تعبير عن هوية لابسها، وفق ما أكدته لنا الحاجة مريم عودة، فالثوب الفلسطيني يميز المرأة الفلسطينية التي ترتديه وتعرف من خلاله قريتها فتقول عودة :"قبل نكبة عام 48 كان لكل قرية فلسطينية نوع معين من المطرزات. فعلى سبيل المثال، هناك الثوب السبعاوي نسبة إلى منطقة بئر السبع ترتديه المرأة البدوية، وما زال هذا الثوب موجودًا ويطرز ويتميز بقماش أسود اللون ونقوشاته مطرزة بلون أحمر. أما المرأة في مدينة القدس فيتميز ثوبها المقدسي بألوان نارية ويطرز بخيوط صفراء وكمونية إضافة "إلى أن ثوب الفتاة يختلف عن ثوب المتزوجة من خلال لونه وتطريزاته". وفي السياق، يشير تقرير لجهاز الإحصاء الفلسطيني أن نسبة الأسر الفقيرة التي ترأسها نساء في قطاع غزة تزيد عن نسبة الأسر الفقيرة التي ترأسها نساء في الضفة الغربية. وأكد التقرير أن نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة بلغت 19,4% من مجمل الإناث في سن العمل عام 2014 مقابل 10.3% عام 2001. وما زالت نسبة مشاركة الذكور 71.5% تزيد عن 3 أضعاف مشاركة الإناث، مع وجود فجوة في معدلات الأجرة اليومية بين الإناث والذكور.