22-يناير-2016

(Getty)

نساء يغرسن رؤوسهن في الأرض، يتلفتن بأعينهن من تحت حجاب، يسرقن النظر خلسة، وكأن هناك من يراقبهن. علامات التوتر بادية على شحب وجوههن، تتلصص أعينهن على ما يدور حولهن، وكأنهن يمارسن المحظور، مع أن كل ما يفعلنه لا يتعدى البصر. قلة ثقة أم عادة غرسها المجتمع "المحافظ"؟ تنظر إلى النساء خاصة الكبيرات منهن والفتيات اليانعات في بداية أعمارهن تجدهن محدبات الظهر، مثنيات الرقبة. الإسلام أمر بغض البصر والحياء، نعم أمر بذلك، لكنه لم يعن بذلك أن تخلق أجيالًا منزوعة الثقة واﻻعتزاز بنفسها. نسبة لا بأس بها تجدها تعاني من هذه العادة، مربيات أجيال لا ثقة لديهن بأنفسن ولا حتى بما يصنعن. المشكلة ليست في الإسلام إنما في فهم الإسلام الذي خلف مجتمعًا مسلوبٌ شعوره بالعزة بالذات.

في الحافلة ثمة سيدة فرحة بحقيبة ابتاعتها لنفسها. عمرها لا يتجاوز العقد الثالث، إلا أن هموم الحياة بدت على خطوط رسمت فوق جبينها وحول عينيها. أخرجت الحقيبة من غلافها، تتحسسها كطفل مبهور بشيء لم يره من قبل، تنظر لها وكأنها تقول لكل من في الحافلة: "انظروا ماذا اشتريت.. حقيبة". الابتسامة تخرج من بين ثغرها، بعيون خجولة، تتلفت تارة وتارة أخرى تجدها ترمي بصرها على الأرض باستحياء.

ذات مرة، وفي دورةٍ مختصة في التنمية الاجتماعية، كانت النساء المتزوجات العاطلات من العمل تشكلن النسبة الأكبر فيها، تحدثت إحداهن عن نفسها، وعن شعور الألم الملازم لها نظرًا لعدم قدرتها على العمل. السبب الأول يعود لزواجها وإنجابها، وهو ما حطم لديها أي إمكانية المباشرة في تطوير ذاتها نظرا للمسؤولية الواقعة على كاهلها، والسبب الثاني أنها لم تجد عملًا. المرأة تحدثت بنبرة مهزوزة. تريد حلًا لتخرج مما هي فيه، وكأن شيئا ما انتزع ثقتها بنفسها. كانت تقول كلماتها بيدين متشابكتين، محبطة لما آلت إليه حالها بعدما كانت فتاة متميزة في الجامعة، إلا أنها تحولت كما غيرها من النساء، تعد الأيام على أصابعها.

فتاة أخرى تدرس تخصص الترجمة في جامعة بيرزيت في فلسطين. الأصغر سنًا بين الطالبات. عندما سألها المدرب كيف تقضين يومك، أجابت عندما أفردت ذراعيها على المنضدة:"عادي، لا شيء!" وجهها احمرّ كقنبلة موقوتة لحظة سؤال المدرب لها. هي ذات الفتاة التي تطمح أن تقف في يوم من الأيام أمام مجموعة من الطلبة كما المدرب.

إقرأ/ي أيضًا:
الشهداء، زوجاتهم، وإخوتهم.. الموروث والذكورية
المرأة الليبية.. العنف متواصل