غيّب الموت، اليوم الإثنين، المناضل والمفكر الأردني غطاس جميل صويص، المعروف بالاسم الحركي "نزيه أبو نضال"، عن عمر ناهز 82 عامًا، بعد حياة حافلة بالنضال السياسي والفكري، امتدت من صفوف حركة القوميين العرب إلى حركة فتح. وكان من أوائل المنخرطين في الكفاح الفلسطيني المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في لبنان، قبل أن يعود إلى الأردن في تسعينيات القرن الماضي، ويستقر في مسقط رأسه لمزاولة الكتابة في المجالين الأدبي والنقدي.
نزيه أبو نضال بين حركتين
وفقًا لمذكراته الصادرة بعنوان "من أوراق ثورة مغدورة"، وُلد أبو نضال في 20 كانون الثاني/يناير 1943 لعائلة مسيحية من مدينة السلط، ونشأ في عمّان حيث تلقى تعليمه حتى المرحلة الثانوية. التحق بجامعة القاهرة عام 1963، لكنه غادرها بعد نكسة 1967 للالتحاق بصفوف الثورة الفلسطينية. ويحمل أبو نضال شهادة ليسانس في الآداب من جامعة القاهرة، بالإضافة إلى دبلوم ماجستير من جامعة بيروت العربية.
ويُشير في مذكراته إلى دور مكتبة العائلة، التي ورثوها عن شقيق والدته، في تشكيل وعيه الفكري والسياسي خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، قائلًا: "هذه المكتبة أخذتنـي إلى طريق المعرفة". وكغيره من شباب ذلك العصر، تأثر في سنّ مبكرة بالأفكار القومية والناصرية التي اجتاحت الشارع العربي، خاصة بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
غيّب الموت المناضل الأردني نزيه أبو نضال عن عمر يناهز 82 عامًا، بعد حياة حافلة بالنضال السياسي والفكري، امتدت من صفوف حركة القوميين العرب إلى حركة "فتح"
وخلال تلك الفترة، حاول أبو نضال، برفقة مجموعة من أصدقائه، التطوع للقتال عبر التوجّه إلى السفارة المصرية. ثم انضم إلى حركة القوميين العرب بعد تعرّفه على أحد الزملاء القوميين في المدرسة، وكانت بدايات نشاطه النضالي سرّية، تمثّلت في حضور الاجتماعات وتوزيع المنشورات.
في أعقاب نكسة حزيران/يونيو 1967، انضم رسميًا إلى حركة فتح، وشارك في تدريبات بمعسكر الهامة، حيث التقى ياسر عرفات وأبو علي إياد. وقد لفت الأنظار بصفته "طالبًا جامعيًا من شرق الأردن ومسيحي الديانة، التحق بثورة ذات خلفية إسلامية، ما أثار فضول الكثيرين"، وفق ما رواه في مذكراته.
وبعد معركة الكرامة في آذار/مارس 1968، شهدت الثورة الفلسطينية اندفاعًا شبابيًا واسعًا نحو العمل الفدائي، كثير منه كان يفتقر إلى الإلمام بأهداف فتح ومبادئها، ما زاد من التحديات التنظيمية، بحسب ما وثّقه أبو نضال.
أما ميدانيًا، فتولى أبو نضال عدة مسؤوليات عسكرية في لبنان بدءًا من عام 1970، لا سيما في مناطق مختلفة من بيروت، قبل أن ينتقل للعمل في "الإعلام العسكري" التابع لحركة فتح. وقد اعتُقل أكثر من مرة في لبنان، منها في "ثكنة الحلو"، بسبب نشاطه المقاوم، وروى في مذكراته كيف أخفى هويته الحقيقية خلال التحقيقات لتفادي الترحيل أو التعذيب، إلى أن عاد لاحقًا إلى عمّان للاستقرار فيها بعد انسحاب المقاومة الفلسطينية من لبنان.
مسار طويل من التناقضات
وعن تجربته في حركة فتح، يقول نزيه أبو نضال إن الصورة التي طالما رُوّجت عن الحركة باعتبارها "غير قابلة للانقسام أو الانشقاق" لم تكن سوى واجهة تخفي وراءها صراعات داخلية عميقة. فعلى الرغم من تمكّن القيادة من استيعاب الأزمات واحتوائها لسنوات، فإن تلك المحاولات لم تحجب هشاشة الوحدة التنظيمية.
ويؤكد أبو نضال أن الانشقاق الكبير الذي حدث في أيار/مايو 1983 لم يكن مفاجئًا، بل نتيجة طبيعية لمسار طويل من التناقضات المتراكمة، التي لم تُعالج بجدّية، بل تم التغاضي عنها باسم "الديمقراطية التنظيمية". من موقعه في صفوف الحركة، عايش تلك التحولات بكل تفاصيلها، وشهد بنفسه لحظة سقوط الوهم، حين تحوّلت "فتح من كيان موحّد إلى جسد تهدده التشققات من الداخل".
ترك إرثًا من الحب والوفاء
كتب الناقد والكاتب السوري علي سفر، في تأبينه لأبو نضال عبر منشور على "فيسبوك": "نزيه أبو نضال.. رحل اليوم... جزء من ذاكرة فلسطينية-أردنية-سورية انطفأ برحيله عن هذا العالم. مذكراته، التي سجّلها حوارًا مع الراحل زياد منى، ناشر دار قدمس، واطلعت عليها قبل مغادرتي دمشق، كانت ممتعة رغم الأسى المنبعث من بين صفحاتها".
أما الكاتب جهاد رنتيسي فقد وصف رحيل أبو نضال بأنه جاء في "زمن الخسارات بجدارة" ، وأضاف "رحل غطاس صويص "نزيه ابو نضال" عزيزًا، وترك إرثا من الحب والوفاء، أشاكسه ويقول لي "أنا أحبك"، وأرد عليه "أعلم ذلك"، كم من الوقت نحتاج لنعتاد غيابه عن عالمنا، نفقد بعض ما تبقى من رائحة غالب هلسا، ولا أدري كيف نعزي أنفسنا"، وعائلته على هذا الغياب.
من جانبه، أشار الكاتب علي بدوان في منشور على "فيسبوك" إلى أن أبو نضال هو "رجل الثقافة في غابة المناضلين زمن النهوض وصعود الحركة الوطنية الفلسطينية. بالقلم على صفحات مجلة فلسطين الثورة وغيرها. وبالكلمة في مشاركاته الدائمة في الحضور الثقافي".
كما قال الكاتب نضال منصور في منشور على "فيسبوك": "رحل نزيه أبو نضال .. على اسمه نزيهًا، ظل ممسكًا على جمر المبادئ ، مدافعًا عن قضايا الوطن العربي ، مخلصًا للأردن وفلسطين"، وأضاف "في فترة العمل الحزبي كان الأقرب فكريًا"، قبل أن يضيف مؤكدًا "سيبقى إرث نزيه أبو نضال خالدًا".