نزعة قومية متصاعدة.. زعماء أوروبا الجدد يهددون وحدة القارة
31 يناير 2025
تتصاعد النزعة القومية في دول أوروبا الوسطى والشرقية بشكل يثير مخاوف الأوروبيين من تأثير تداعياتها على تماسك الاتحاد وحلف "الناتو"، وكذلك على الموقف الأوروبي من الحرب الروسية على أوكرانيا، وتهديدات روسيا لأمن القارة العجوز.
وتجلت هذه النزعة في مواقف عديدة خلال السنوات الأخيرة، أبرزها ما تعرض له وزير الدفاع السلوفاكي السابق، ياروسلاف ناد، بسبب دعمه لأوكرانيا. فبعد أن واجه انتقادات حادة من المعارضة أثناء وجوده في السلطة، اتخذت حكومة روبرت فيكو، التي أوقفت الدعم العسكري لكييف، قرارًا بالتحقيق مع ناد بتهمة الخيانة العظمى للبلاد.
جاءت هذه الخطوة بعد تزويده أوكرانيا 13 مقاتلة من نوع "ميغ – 29" وصواريخ "إس – 300" لدعمها في حربها ضد روسيا. وقال ناد في مقابلة أجريت معه في براتيسلافا، بينما يتأمل إمكانية سجنه: "هذه محاكمة سياسية بحتة. لكن هذا لن يكسرني".
يثير سلوك دول مثل سلوفاكيا والمجر والنمسا وكرواتيا تساؤلات مقلقة حول مدى قدرة أوروبا على دعم أوكرانيا، بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ومواجهة تهديدات موسكو
ووفقًا لـ"بلومبيرغ"، تلقي قضية ناد الضوء على صعود زعماء سياسيين يتبنون نهجًا قد يؤثر سلبًا على تماسك الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، لصالح التقرب من الرئيس فلاديمير بوتين في مرحلة حرجة من تاريخ القارة الأوروبية.
ويثير سلوك دول مثل سلوفاكيا والمجر والنمسا وكرواتيا تساؤلات مقلقة حول مدى قدرة أوروبا على دعم أوكرانيا، بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ومواجهة تهديدات موسكو. فبعد أن كانت سلوفاكيا حليفًا قويًا لأوكرانيا، تحولت بعد تولي روبرت فيكو رئاسة الوزراء إلى صديق مقرب لروسيا بوتين.
يتبنى فيكو رواية بوتين حول الحرب على أوكرانيا، وهو ما ينطبق أيضًا على رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي تجمعه علاقة قوية مع بوتين، وسبق أن تسبب بتعطيل عدة قرارات مرتبطة بدعم أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي، عدا عن تشكيكه المستمر في جدوى دعم كييف، ودعوته إلى إنهاء العقوبات ضد روسيا.
ويرى جابور جيوري، محلل سياسي في "Policy Solutions"، أن أوربان "لم يعد وحيدًا". وأضاف موضحًا أنه: "من المرجح أن يواجه الاتحاد الأوروبي حالة من الجمود بشكل متزايد مع كفاحه للتغلب على المعارضة من جانب القوميين".
واكتسب هؤلاء الزعماء شعبيتهم من خطابهم الذي يهاجم الهجرة، ويندد بالمساعدات العسكرية لأوكرانيا، وذلك في وقت يواجه فيه مواطنو هذه الدول تحديات متزايدة، لا سيما فيما يتعلق بارتفاع أسعار الطاقة.
وليست هذه التوجهات مقتصرة على دول أوروبا الشرقية، إذ تتجه النمسا بدورها إلى تبني نهج مختلف تجاه القضايا السابقة مع تكليف زعيم حزب الحرية اليميني المتطرف، هربرت كيكل، تشكيل الحكومة.
ويرى كيكل، وهو أول مستشار من أقصى اليمين في النمسا منذ الحرب العالمية الثانية، أن دعم العقوبات المفروضة على روسيا يتعارض مع حياد بلاده. وغير بعيد عن النمسا، احتفظ زوران ميلانوفيتش بمنصبه رئيسًا لكرواتيا لولاية ثانية، ما يعني استمرار سياسته القائمة على انتقاد المساعدات العسكرية لكييف، ومعارضة تدريب الضباط الأوكرانيين، وإدانة توسع حلف شمال الأطلسي "الناتو" باعتباره "عملًا غير أخلاقي".
وقد تشهد سلوفينيا والتشيك مسارات مشابهة خلال العام الحالي، وذلك في الوقت الذي دعا فيه الرئيس البلغاري، رومن راديف، إلى رفع العقوبات عن موسكو، فيما أثار روبرت فيكو جدلًا واسعًا بطرحه فكرة خروج سلوفاكيا من الاتحاد الأوروبي و"الناتو"، قبل أن يتراجع عن تصريحاته فيما بعد.
ويرى جريجوري ميسزنيكوف، رئيس معهد الشؤون العامة، وهو مركز أبحاث مقره العاصمة السلوفاكية، أن خطاب فيكو يعكس مشكلة عميقة يعاني منها الاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى أن فيكو وأمثاله يقدّمون المصالح الروسية على حساب تماسك الاتحاد.
وأضاف: "لقد أصبحوا حصان طروادة، يتخذون قرارات مواتية لروسيا يمكن أن تصبح مدمرة تمامًا للاتحاد الأوروبي"، في إشارة إلى فيكو وأوربان وغيرهم من الزعماء الشعبويين.