24-يناير-2023
من الندوة

من الندوة

نظّمت وحدة الدراسات الاستراتيجية في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" أمس الإثنين، 23 كانون الثاني/ يناير، ندوة لمناقشة كتاب "من السلاح إلى السلام: التحولات من العمل المسلح إلى العمل السياسي السلمي"، الذي صدر حديثًا عن المركز، وشارك في تأليفه 12 باحثًا متخصصًا، وتولى تحرير فصوله المؤلف المشارك فيه عمر عاشور. 

تلعب قيادة التنظيمات المسلحة دورًا حاسمًا في تحولها من العمل المسلح إلى النشاط السياسي السلمي شرط أن تكون إما قيادة كاريزمية أو مجموعة قيادات

يجيب الكتاب على مجموعة من الأسئلة المتعلقة بتحولات الجماعات المسلحة من العنف إلى العمل السياسي السلمي، مثل: لماذا تقرر منظمة مسلحة ما أن تتخلى عن العنف السياسي و/ أو الإرهاب، وتنزع الشرعية عنهما؟ ومتى يقرر زعيم تمرّد مسلح تحويل حركة التمرد إلى حركة اجتماعية غير عنيفة؟ وكيف تتحول ميليشيا راديكالية إلى حزب إصلاحي؟ ولماذا تحدث هذه التحولات الجماعية من العمل المسلح إلى النشاط السلمي في المستويات السلوكية والأيديولوجية والتنظيمية؟ وما شروط إطلاق هذه العمليات وشروط استمراريتها؟

انعقدت الندوة حضوريًا بقاعة المحاضرات بمقر المركز العربي بالدوحة، وعن بعد عبر تطبيق زووم، كما بُثّت أيضًا عبر حسابات المركز على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد أدارها أحمد حسين، الباحث في المركز، وشارك فيها كل من: عمر عاشور، رئيس وحدة الدراسات الاستراتيجية بالمركز ومؤسس ورئيس برنامج الماجستير في الدراسات الأمنية النقدية بمعهد الدوحة للدراسات العليا؛ وحيدر سعيد، رئيس وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية ورئيس تحرير دورية سياسات عربية؛ وحمزة المصطفى، المدير العام لتلفزيون سوريا والباحث في العلاقات السياسية والدولية؛ وأسامة رشدي، مدير مؤسسة نجدة لحقوق الإنسان؛ وروني كاسريلز، أحد مؤسسي الجناح العسكري لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي المعروف باسم "رمح الأمة".

في البداية، أشار أحمد حسين، مدير الندوة، إلى أن ظاهرة تحول الجماعات المسلحة من العمل السياسي المسلح إلى النشاط السياسي السلمي، التي يتناولها الكتاب، ليست ظاهرة جديدة. فقد أظهرت دراسة إحصائية أنه من أصل 268 جماعة مسلحة نشطت خلال الفترة الممتدة بين عام 1968 إلى عام 2006، هناك 20 مجموعة فقط هُزمت عسكريًا، مقابل 114 مجموعة انخرطت في التيار السياسي المؤسساتي السائد، سواءً على شكل أحزاب أو حركات اجتماعية.

أما عمر عاشور، فقد أشار إلى أن الكتاب يحلل 20 حالة/ جماعة مسلحة مختلفة، من 15 دولة، بعضها ديني وبعضها قومي وبعضها الآخر إثنو-قومي. كما استعرض أيضًا بعض الخلاصات التي توصل إليها الباحثون المشاركون في صياغة فصول الكتاب، أولها أن قيادة هذه التنظيمات تلعب دورًا حاسمًا في تحقيق نجاح هذه التحولات وجعلها مستدامة، دون انشقاقات وصراعات داخلية، شرط أن تكون قيادة كاريزمية أو مجموعة قيادات. وثانيًا، أن ضغط الحرب وتكاليفها المرتفعة تدفع بهذه التنظيمات أيضًا باتجاه التحول نحو العمل السياسي السلمي. وهو ما تدفعه باتجاهه أيضًا التفاعلات الداخلية بين قيادات التنظيم نفسه، والتفاعلات الخارجية بينه وبين منظمات حقوق الإنسان أو الأحزاب السياسية، والمنظمات التي قررت التخلي عن العنف لصالح العمل السياسي السلمي، وهذه هي الخلاصة الثالثة.

أما الخلاصة الرابعة، فتتعلق بالمحفزات التي تمنحها السلطة الحاكمة أو المجتمع الدولي للتنظيمات المسلحة التي ترغب في التحول نحو العمل السلمي، وهنا يشير عاشور إلى وجود روابط بين نتيجة القتال والمحفزات. هذا على المستوى المتوسط، أما المستوى الكلي فهناك، خامسًا، وعلى مستوى الدولة، الدمقرطة التي تشمل إصلاح قطاع الأمن، والرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة، بالإضافة إلى العدالة الانتقالية في بعض الحالات. وسادسًا، الدعم الدولي والإقليمي.

من ناحية أخرى، تحدّث حيدر سعيد الذي ساهم في الكتاب عبر ورقة بحثية بعنوان "جيش المهدي والتيار الصدري: الصراع على الهوية والتحول"، عن أهمية منظور التنظيمات المسلحة وتطوراتها وعلاقتها بالبنى السياسية المحيطة في فهم الظاهرة الصدرية وجيش المهدي، الذي خلص إلى أنه ليس ذراعًا مسلحًا للتيار الصدري، وليس مجرد فصيل أنشأه تنظيم سياسي، وإنما الأساس الذي بُني عليه تنظيم الشبكة الصدرية في مخاض ولادتها بُعيد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.

شدد سعيد على أن جيش المهدي لم يكن ميليشيا تقليدية وإنما أشبه بحالة تعبئة، وأشار هنا إلى أن التنظيمات ذات الهوية الهجينة سياسية – مسلحة، التي تنشأ في تنظيم سياسي مسلح، تساعدها أو تدفع بها الهزائم العسكرية للانتقال نحو العمل السياسي السلمي، وهذا ينطبق بشكل أو بآخر على جيش المهدي الذي يرى سعيد أنه تشكيل لما يسميه "الشيعية المسلحة"، والفضاء الذي خرجت منه كل الفصائل المسلحة في العراق ما بعد 2003.

من جهته، قال حمزة المصطفى إن مساهمته في الكتاب، وهي بعنوان "من السلاح إلى المفاوضات: تقييم تحولات الحركات الإسلامية السورية: دراسة مقارنة بين ’أحرار الشام‘ و’جيش الإسلام‘ و’فيلق الشام‘"، تحاول أن توضح كيف يمكن للحالة السورية أن تساهم في التنظير لدراسة حقل تحولات الحركات الإسلامية.

أشار حيدر سعيد إلى أن جيش المهدي هو تشكيل لـ "الشيعية المسلحة" والفضاء الذي خرجت منه كل الفصائل المسلحة في العراق ما بعد 2003

تطرق المصطفى في حديثه إلى مسألة تحول بعض الحركات أيديولوجيًا وخطابيًا وسلوكيًا، أثناء القتال، دون نبذ الراديكالية أو التخلي عن السلاح. كما أشار أيضًا إلى الإشكاليات القائمة في النظريات التي لا تأخذ بعين الاعتبار مسألة أن الجماعات الراديكالية المسلحة التي تنتقل إلى العمل السياسي السلمي، قد تنقلب على تحولها هذا وتعود إلى ممارسة العنف مجددًا.

أما أسامة رشدي، المتحدث السابق باسم "الجماعة الإسلامية" في مصر، فقد قدّم شهادة حول مبادرة الجماعة لوقف العنف في تموز/ يوليو 1997، لافتًا إلى أنها ليست إعلان هزيمة وإنما تعكس رؤية إسلامية واستراتيجية انتهت إلى قناعة مفادها أن العنف لن يساهم إلا في تكريس الاستبداد والانهيار على كل المستويات، سواءً الاقتصادية أو السياسية أو حتى تلك المتعلقة بملف الحريات وحقوق الإنسان. وأشار رشدي إلى أن الجماعة اتخذت هذا القرار في أوج المد الجهادي أواخر التسعينيات.

اختُتمت الندوة بمداخلة قدّمها روني كاسريلز شدد فيها على أهمية فحص الأسباب التي تدفع، في بعض الحالات، بالأحزاب والتنظيمات السياسية السلمية إلى الانتقال نحو العمل المسلح، وتناول من خلالها بعض التجارب المشابهة في هذا السياق.