20-نوفمبر-2015

رسالة من رياض الصالح الحسين إلى منذر مصري

لم يكن رياض الصالح الحسين يذهب إلى الكتابة يائسًا أو حزينًا أو فرحًا، لم تكن هناك حالة له قبل الكتابة أساسًا، حياته نفسها كانت لحظة كتابة دائمة، وكان وفيًا لتلك اللحظة رغمًا عنه، بالنسبة له لم تكن الكتابة خيارًا، ولم يكن يستطيع أن يتركها، ولعل في هذا ما يفسر سر حضوره وبروزه وسط مجايليه كمنذر مصري وبندر عبد الحميد وآخرين.

لم تكن حياة رياض الصالح الحسين إلا لحظة كتابة دائمة

يمكن النظر إلى حالة البكم التي عاشها كتفسير لشكل قصيدته وصرختها. رياض كان يكتب وهو يجمع الموجودات من حوله، لم يكن شاعر نبوءة أو أسطورة، ولم يكن يفكر في ذلك وهو يكتب. الكراسي، والحجارة، والأخبار، والحرب، والحب والخيانة.. كلها كانت موجودات تدخل في قصيدته وتجد مكانها فيها دون أي عناء. كانت اللغة تناديه لدروسها اليومية وهي تعرف أنها ستأخذ قالبها الخاص منه، ولم يكن بوسعه أن يفعل شيئًا غير أن يستجيب لندائها الخفي، كان يدخل إلى بيتها ويرتب تلك الموجودات وفق مزاجه وتصوراته وذائقته، دون تفكير بتأسيس مدرسة أو تيار بمقدار التفكير بقول ذاته بالدرجة الأولى.

بهذا المعنى، كانت نبوءة صاحب "خراب الدورة الدموية" تكثيفًا للحياة في الشعر. كثافة الصور الشعرية، دقتها وتدفقها في نصه تأخذنا إلى الحالة التي يستحيل فيها الخروج من النص من دون أن تأخذه معك إلى الواقع، الواقع السوري والعربي الذي لم يتغير منذ خمسين سنة، الحياة الاجتماعية نفسها، والمآلات الجماعية والفردية نفسها تقريبًا. هكذا إذن كان شعر رياض كثيفًا إلى الحد الذي يجعل قصيدته تعيش إلى ما لا نهاية، فنقع معها في الحب، ونأخذها معنا إلى الحرب، ثم نتركها لتكون الناطق الرسمي باسم الجيل السوري الذي صرخ مطالبًا بالحرية قبل خمس سنوات، فكان بحقّ شاعر ثورة لم يعشها.
 
كان رياض يكتب بدافع الوفاء لنفسه، هو الشخص الذي يتلعثم في الكلام مع من هم حوله، الشخص الذي بلا حبيبة دائمة، وبلا نهايات سعيدة دائمًا، كان يكتب ليقول ما يحس وما يشعر به، ولم يكن معنيًا بمجازات اللغة وقوالبها، وعلى الأرجح لم يكن يفكر بأحد وهو يكتب، كان يوغل في الكتابة كما يوغل "وعل في الغابة". فبالنسبة له، لم يكن الشعر حالة، حيث تبدو مجموعاته الأربعة المنشورة، كما لو كتبت بنفس واحد، لذلك نستطيع القول إن رياض لم يكن معنيًا بالتجريب، ولهذا بالضبط انتزع مكانته الرفيعة بين مختلف أجيال الشعراء السوريين. لم يكن معنيًا بشيء، قضيته هي الشعر، أن يقول ما يحس ويفكر بالضرورة.

 دائرة أصدقاء الشاعر تواصل النمو والتوسع، تمامًا كما أرادت القصيدة

شيء آخر من الضروري الانتباه له، وهو أن رياض الذي رحل قبل ثلاث وثلاثين سنة، لا يزال حاضرًا، في المشهد السوري والعربي، كما لو أنه أحد معاصرينا، وفوق هذا ثمة نوع من الصداقة تفرضه قصيدته، كل من يقرأ شعره يشعر أنه يستطيع أن يكتب مثله، وأنّ الشعر سهل وسلس، ولهذا يصادق نصوص رياض. وعلى سيرة الصداقة، لا بد أن ننتبه إلى الصداقة العظيمة التي نشأت بينه وبين الشاعر منذر مصري، الذي لم يتوقف يومًا عن التذكير به، إذ أنشأ صفحة له على الفيسبوك، وجهّز أعمال رياض الكاملة للنشر، وكتب لها مقدمة مهمة مستندة على معلومات من عائلة الشاعر الراحل، كما قال بنشر رسائل متبادلة بينهما أتاحت للقراء معرفة ملامح من حياة وروح رياض. 

بناء عليه، فلنسأل أنفسنا ما الذي يمكن أن نضيفه لما سيقال في الذكرى الثالثة والثلاثين لرحيل رياض الصالح الحسين، لا شيء سوى أن نحاول أن نخبره أن دائرة أصدقائه تواصل النمو والتوسع، تمامًا كما هو حلم الشعر نفسه.

اقرأ/ي أيضًا:

هاني الراهب.. الكاتب المهزوم

فؤاد حداد.. كلمة مصر والفقراء