06-أكتوبر-2017

الكتب ذات النجوم الكثيرة تعود إلى كتّاب نجوم في وسائل التواصل الاجتماعي

مِنَ المَعروف أنّ عملية تقييم الأعمال الأدبيّة، بمُختلف أجناسِها، تستنِد إلى معايير ومواصفاتٍ نقدية، يَجِبُ أن تكون متوفِّرة في العمل المُراد تقييمه، من أصالة الفكرة والنص معًا، ولُغتهِ السليمة، وبنيتهِ المُحكمة، وفنّياتهِ وكلّ ما يؤهِلهُ ليكون عملًا أدبيًّا قابلًا للتقييم، بمعنى أنّ الأعمال الأدبيّة لا تُقيَّم بناء على ذائقة القارئ الخاضعة لمراحل تكوين مُستمرّة، والقائمة رُبّما على نظرة أو قراءة سطحيّة للعمل، دون الرجوع إلى تلك المعايير المُتّهمة اليوم، من قبل فئاتٍ مُعيَّنة، بأنّها تقف في وجه حداثة الأدب.

يجب التمييز بين الإعجاب والتقييم بعد عملية القراءة، فربما يشكل ذلك حصنًا ضد الأدب الرديء

أقصِدُ هنا التقييم لا الإعجاب، وأعتَقِدُ أنّه من الضروري التفريق بين الأمرين في محاولةٍ للكفِّ عن إعلاء الأعمال الرديئة على حساب الأعمال الإبداعيّة نتيجة القراءة السطحية وعدّة عوامل أخرى، إذ أنّ هذا الأمر بات مُنتشرًا بكثرة، خصوصًا في مواقع تقييم الكتب، ويعدّ موقع "Goodreads" أبرز مثال على ذلك.

اقرأ/ي أيضًا: الكتابة ومساوئ التصنيف

يبدو واضحًا أنّ الموقع الشهير، عربيًّا وعالميًّا، لم يقدّم مردودًا ثقافيًّا وحضاريًّا نَلمسه بين بعض روّاده، كما كان متوقّعًا منه، ويتّضح ذلك من خلال المُراجعات المنشورة على متنه، والتي لا تتّصلُ أحيانًا من قريبٍ أو بعيدٍ بالكتاب المُراد مراجعته، بل إن تلك المراجعات تنمّ إمّا عن عملية سرقة لمراجعة أخرى لكتاب آخر بعد إعادة صياغتها، بمعنى أنّه لم تتم قراءة الكتاب من الأساس، أو أنّ القارئ لم يُجهد نفسه في فهم الكتاب، وبالتالي أتت المُراجعة نتيجة قراءة أوليّة وسطحيّة، أو أنّ المراجعة وضعت، سلبيًة على كتابٍ جيد أو إيجابيًة على كتاب رديء، انطلاقًا من مبدأ "خالف تُعرف" بهدف إثارة الجدل لا أكثر، دون توضيحٍ منطقيٍّ يشرح سبب موقفه السلبي أو الإيجابي من الكتاب. بالإضافة إلى عامل آخر يتمثّل في محاولة إظهار نفسه قارئًا نهمًا بين روّاد الموقع، خصوصًا بعد إضافة الموقع خاصيّة تحدّي القراءة السنوي، وبالتالي فإنّ قراءاته تكون من أجل هذا الغرض فقط.

وبذلك يبدو واضحًا أيضًا أنّ الموقع ساهم، بطريقةٍ غير مُباشرة، في خفض وعي بعض القرّاء الذين جعلوا منه مرجعًا لاختيار ما يقرؤونه، وهذا ما جرّهم بطبيعة الحال إلى بعض الأعمال الرديئة، إذ أنّ اختيارهم قائم، كما يبدو، على عاملين، الأول على ما يحظى به الكتاب من نجومٍ في الموقع، وغالبًا ما تكون تلك الكتب ذات النجوم الكثيرة تعود لكتّاب -دخلاء على الكتابة- يحظون بشهرةٍ واسعة في وسائل التواصل الاجتماعيّ، مما يتيح لهم إمكانيّة ترويجها بين جمهورهم الذي لا يزال ضمن مراحل تكوين نفسه كقارئ، وميله بالدرجة الأولى إلى الفكرة لا المعايير. أمّا العامل الثاني فهو تبعيّة بعض القرّاء لهؤلاء الكتّاب في اختيارهم للكتب وتقييمها أيضًا، ومن الواضح أيضًا أن هذه الفئة من الكتّاب تعيش حالة صراع مع الكتّاب ذوي المكانة المهمة في المشهد الأدبي العربي، وتصفهم بالمتخلّفين عن الحداثة الأدبيّة التي يصرّونَ على أنّهم جزء منها.

ساهم جودريدز، بطريقةٍ غير مُباشرة، في خفض وعي بعض القرّاء الذين جعلوا منه مرجعًا لاختيار ما يقرؤونه

تتمثّل حالة الصراع تلك بالتقييمات المنخفضة والمراجعات التي تقلل من أهمية أولئك الكتّاب، وبالتالي جر جمهورهم الذي يستند في تقييمه للكتب على تقييمهم هم للتقليل من أهمية تلك الكتب وكتّابها، ولذلك مِنَ الطبيعي أن تجِدَ عملًا أدبيًّا رديئًا يصِلُ عدد نجومهِ في الموقع إلى أربعة نجوم أو أكثر، بالإضافة إلى عدد التعليقات والمراجعات المرتفعة جدًا، والتي لا تقدّم - جلّها - نقدًا أو تقييمًا، أو حتى فهمًا حقيقيًا، بينما تَجِدُ عملًا مُهمًا لا يحظى بما حظي بهِ العمل الرديء، كما أنّهُ من الطبيعي أن تَجِدَ أحدًا ما أعطى نجمة واحدة للعمل، مُوضّحًا قيامه بذلك بعبارة: "نجمة من أجل مكانة الكاتب فقط"، أو أن تَجِدَ تعليقات الكتاب نفسه مثل: "الترجمة سيئة"، أو عبارات عمومية من قبيل "من أجمل ما قرأت" كما لو أن هذا الشخص قد أجهز على ألف كتاب!

اقرأ/ي أيضًا: الكتابة الأدبية في المستنقع الفيسبوكي

في النهاية، ثمة قول ساخر للمترجم معاوية عبد المجيد عن هذا الأمر: "ربّما يجب على موقع Goodreads أن يُدخِل برمجة جديدة على كيفيّة الاستخدام. مثلًا: حين يريد أيّ أحد أن يدلي برأيه في كتابٍ ما، تظهر له قبل ذلك مجموعة من الأسئلة حول الكتاب؛ أسئلة مدرسيّة (ومنطقيّة) يجهّزها عدد من النقّاد بالتعاون مع دار النشر والكاتب نفسه، وتترجَم إلى بقيّة اللغات. مثلًا، السؤال الأوّل:  

-هل قرأتَ الكتاب؟

-نعم.

-احلف على المصحف!

السؤال الثاني: ...".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الشعر الميّت على فيسبوك

الـ"سوشيال ميديا" في لحظة جنونها