17-ديسمبر-2017

حقق القوميون في انتخابات جزيرة كورسيكا الفرنسية نجاحًا كبيرًا على حساب حركة ماكرون (باسكال بوشار كازابيانكا/ أ.ف.ب)

نشرت مجلة إيكونوميست مقالًا حول تداعيات نتائج الانتخابات المحلية في جزيرة كورسيكا الفرنسية، التي استطاع القوميون اليمينيون فيها تحقيق نتائج كبيرة، في مقابل ضعفٍ حاد في النتائج التي حققتها حركة ماكرون. في السطور التالية ترجمة للمقال.


على الساحل الغربي المذهل لجزيرة كورسيكا، تقع قرية فوزانو ومنازلها الحجرية. من السهل أن تدرك لماذا يشعر السكان المحليون أنهم مميزون، إذ تقف الجبال الوعرة الشاهقة في خلفية القرية، بينما يتلألأ البحر الأبيض المتوسط عند غروب الشمس.

في الانتخابات المحلية بجزيرة كورسيكا الفرنسية، فاز القوميون بـ45% من الأصوات في حين لم تحقق حركة ماكرون إلا 11% فقط!

مؤخرًا، ألقى السياسي جيلز سيميوني أثناء زيارته للجزيرة، خطبة أمام حشد من الناس، أخبرهم فيها بأن القرى الشبيهة بقريتهم، تمثل منبع "الثقافة العميقة" الحقيقية للجزيرة. وهو ما نال استحسان الجماهير الذين عبروا عنه بالإيماءات التقديرية والتمتمات الداعمة، بينما وُزعَت عليهم القهوة القوية والشوكولاتة الداكنة.

اقرأ/ي أيضًا: جاءكم اليمين العنصري حاملًا سيفه

شعر سكان الجزيرة الكُورَسِيكيون بالحماس تجاه سيميوني وزملائه القوميين. وصوتوا في الثالث من شهر كانون الأول/ديسمبر الجاري على مجلس إقليمي جديد يجمع بين شمال الجزيرة وجنوبها، في وحدة إدارية واحدة.

فازت حركة "من أجل كورسيكا" في الجولة الأولى بنسبة 45٪ من الأصوات، والتي يشارك في قيادتها سيميوني. بينما جاء حزب "الجمهورية إلى الأمام" الذي يقوده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في المرتبة الرابعة بنسبة 11٪ فقط.

اكتسبت رغبة الكُورسِيكيون في الحصول على المزيد من الحكم الذاتي في الآونة الأخيرة، زخمًا إضافيًا. ففي عام 2014، تخلت جبهة التحرير الوطنية في كورسيكا (جماعة انفصالية مسلحة) عن حربها ضد الدولة الفرنسية التي دامت 40 عامًا، عرفت اغتيالات وتفجيرات لمنازل ومقار حكومية، إضافة إلى بعض الادعاءات بشأن تورط الجبهة مع شبكات المافيا في الجزيرة. ففي عام 1998، اغتال مسلحون، المحافظ الذي ينوب عن حكومة باريس في الجزيرة.

لكن بعد انتهاء العنف، أشار أحد كبار أعضاء الحزب في العاصمة أجاكسيو، إلى أنهم قد "ربحوا معركة الأفكار". يدعو الحزب إلى المزيد من سياسة التطهير، والتي تعتبر رد فعل شعبي منتشر في جميع أنحاء فرنسا ضد الأحزاب السياسية الراسخة والتي تسعى لتولي أشخاص جدد السلطة.

فاز القوميون بفارق ضئيل في الانتخابات المحلية السابقة في عام 2015. ثم في شهر حزيران/يونيو من هذا العام، فازوا في ثلاثة من الدوائر الانتخابية الأربعة بالجزيرة، في المجلس التشريعي الوطني، بدلًا من ممثلي أسر الطبقة الحاكمة القديمة.

حتى الآن يبدو انفصال كورسيكا بشكل كامل أمر مُستبعد لما تعانيه من عزلة وإفلاس وتضخم لدور شبكات المافيا

يقول بول أندريه كولومباني، أحد النواب الجدد: "لقد أقنعنا الناس الذين لم يصوتوا أبدًا للقوميين من قبل". ويقول نائب آخر، وهو جان فيليكس أكافيفا، إن سكان كورسيكا يسعون للحصول على سلطات تفويضية مماثلة لتلك التي تتمتع بها إسكتلندا في بريطانيا، ويشمل هذا السيطرة المحلية على الشرطة، وتوسيع استخدام اللغة الكورسيكية (التي هي أقرب إلى الإيطالية من الفرنسية) وبعض السلطات المالية.

اقرأ/ي أيضًا: كيف بررت بولندا دعوات اليمين المتطرف لـ"هولوكوست المسلمين"؟

ولكن السؤال هو ما إذا كانت كورسيكا، مثل كاتالونيا، قد تسعى في نهاية المطاف إلى الاستقلال التام. يشير صحفي في العاصمة أجاكسيو، إلى الصعوبات التي قد تواجه هذا المسعى، ففي حين أن كاتالونيا الغنية تنتج 19٪ من الناتج المحلي الإجمالي لإسبانيا، تعاني كورسيكا من العزلة والإفلاس، وتساهم فقط بأقل من 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي في فرنسا. إلا أن سيميوني وزملائه القوميين، قضوا وقتًا طويلًا في دراسة الحركة الاستقلالية في كاتالونيا، بل ذهب بعضهم إلى برشلونة لمراقبة الاستفتاء في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

ويأمل أحد النواب القوميين، الذي يعتقد أن ثلث سكان الجزيرة البالغ عددهم 330 ألف نسمة، يريدون مزيدًا من الحكم الذاتي؛ أن يزداد الدعم للحصول على الاستقلال بما فيه الكفاية ليستحق إجراء استفتاء خلال عقد أو نحو ذلك. أما في الوقت الحالي، فقد وافق الفصيلان من الحزب -الانفصاليين المتشددين والدعاة المعتدلين للحكم الذاتي- على التغاضي عن مسألة الاستقلال حتى عام 2027 على الأقل.

في الوقت نفسه، لم تبد الحكومة المركزية أي اهتمام بالتعامل مع القوميين في كورسيكا. ويقول سيميوني إن ماكرون ظل متحفظًا، على الرغم من أن ذلك قد يتغير بعد الانتخابات. وقد أثار وزير التعليم الفرنسي جان ميشال بلانكر، غضب القوميين من خلال تغريدات في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، قال فيها إن الدولة لن تسمح إلا باستخدام لغة واحدة فقط. ويقول أحد السياسيين من كورسيكا: "يفكرون مثل اليعاقبة"، مُبديًا تحسره على نظام الحكم الاستثنائي المركزي في فرنسا.

قد يرغب ماكرون في إعادة النظر في تعنته، إذ يمكن منح أماكن مثل كورسيكا وبريتاني، والتي تضم أيضًا حركات إقليمية، مزيدًا من الحكم الذاتي دون أن تشكل تهديدًا على الدولة الفرنسية، إذ قد يكون البديل عن ذلك هو أن يجني القوميون الأكثر تشددًا المزيد من الشعبية.

رغم أن ماكرون يقلل من أهمية تصاعد النبرة الانفصالية في كورسيكا، لكن عليه الانتباه من تكرر نموذج كتالونيا

وقد استطاع بول فيلكس بينيديتي من حركة التجديد الوطني الانفصالية في قرية فيكو الجبلية، الواقعة أقصى الشمال، من أن  يحصل على تأييد حشد ضخم خلال الحملة. وقد أعلن أثناء احتجاجه على ما سماه "الاستعمار" الفرنسي للجزيرة، أنه "سيحرر كورسيكا من القمع"، لكن حزبه حصل على أقل من 7% من الأصوات في الجولة الأولى. مع ذلك لابد من الانتباه إلى أنه قبل نحو عقد من الزمن، كان هناك القليل فقط من الناس من يأخذون قضية انفصال كتالونيا بجدية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"حتمية" انهيار الاتحاد الأوروبي.. مطالب الانفصال ليست كتالونية فقط

أبرزها كاليفورنيا.. 5 ولايات أمريكية تتطلع إلى الانفصال