تشهد إسرائيل انقسامًا داخليًا غير مسبوق بسبب سياسات بنيامين نتنياهو، الذي أعاد إشعال الحرب في غزة دون اكتراث بمصير 59 محتجزًا إسرائيليًا، بينما يواصل في الوقت ذاته إقصاء كبار المسؤولين لتعزيز قبضته على السلطة.
بحسب رئيس تحرير صحيفة "هآرتس"، ألوف بن، فإن هذه التحركات تأتي في إطار مشروع أوسع لنتنياهو يهدف إلى تحويل إسرائيل من "دولة ديمقراطية هشّة إلى ديكتاتورية دينية وقومية"، في ظل دعمه اللامحدود من إدارة ترامب التي أطلقت يده لشن حرب دون هوادة على الفلسطينيين.
يصف ألوف بن في مقاله كيف أصبح المحتجزون عائقًا في طريق "النصر النهائي" الذي يروج له نتنياهو وحكومته
إسرائيل تعيد الحرب إلى غزة وسط أجندة للتهجير القسري
فجر الثلاثاء، أصدر نتنياهو أوامر بشن غارات جوية مكثفة على غزة، منهيًا هدنة استمرت شهرين، ما أدى إلى استشهاد مئات الفلسطينيين. جاءت هذه الخطوة رغم تحذيرات من أن استئناف القصف قد يعرض المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس للخطر، إلا أن الحكومة الإسرائيلية فضلت التصعيد العسكري على أي حل تفاوضي.
يتحدث ألوف بن عن مخطط أميركي إسرائيلي بدأ يترسخ علنًا، حيث قدم ترامب فكرة تهجير سكان غزة نحو دول أخرى وتحويل القطاع إلى "منتجعات سياحية"، وهو المشروع الذي تبنّاه اليمين الإسرائيلي المتطرف تحت مسمى "الهجرة الطوعية".
📸 أسماء ووجوه.. استـ ـشهاد 183 طفلًا في 18 آذار/مارس الجاري، بعد تجدد العدوان الإسرائيلي على #غزة. pic.twitter.com/D7SiWlbdkY
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 20, 2025
فقد أنشأت وزارة الأمن الإسرائيلية هيئة خاصة لتنسيق عمليات "الهجرة الطوعية" للفلسطينيين من غزة عبر الموانئ الجوية والبحرية الإسرائيلية. ويرى وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، أن الهدف هو تهجير 10 ألاف فلسطيني يوميًا، فيما يعتقد وزير الأمن يسرائيل كاتس أن ترحيل 2500 شخص يوميًا سيكون كافيًا لإفراغ غزة بالكامل خلال عدة أشهر.
إسرائيل والولايات المتحدة تتفاوضان حاليًا مع دول مثل السودان وجمهورية أرض الصومال (صوماليلاند) لاستقبال الفلسطينيين المرحلين، وهو ما اعتبره الكاتب إحياءً لنكبة عام 1948 تحت مسمى جديد.
محتجزي غزة: ورقة سياسية في يد نتنياهو
رغم الضغوط الداخلية والدولية لإنقاذ المحتجزين في غزة، إلا أن نتنياهو يبدو غير مكترث بمصيرهم، حيث يصف ألوف بن في مقاله كيف أصبح المحتجزون عائقًا في طريق "النصر النهائي" الذي يروج له نتنياهو وحكومته.
يضيف الكاتب أن الحكومة الإسرائيلية تجاهلت مناشدات عائلات المحتجزين، وفضّلت استئناف القصف رغم إدراكها أن التصعيد قد يؤدي إلى مقتلهم..
في المقابل، استغل نتنياهو استئناف الحرب لتحقيق مكاسب سياسية، إذ أدى ذلك إلى عودة حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف، بزعامة إيتمار بن غفير، إلى الحكومة، مما يعزز فرص تمرير الموازنة العامة ومنح ائتلافه الحاكم فرصة للبقاء وتجنب الانهيار.
🚨 #عاجل | جيش الاحتلال يعلن أنه بدأ بعملية برية على المحور الساحلي في بيت لاهيا شمال قطاع #غزة. pic.twitter.com/DB5awNQukW
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 20, 2025
نتنياهو يقود انقلابًا داخليًا ضد مؤسسات الدولة
إلى جانب حربه على غزة، يوضح الكاتب أن نتنياهو يقود انقلابًا سياسيًا داخل إسرائيل، حيث يسعى إلى تفكيك "النظام الديمقراطي" عبر التخلص من المسؤولين المعارضين لسياساته.
يشير ألوف بن إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى إلى تعزيز سلطته من خلال سلسلة من الإجراءات التي تستهدف المؤسسات الأمنية والقضائية. ويشمل ذلك العمل على إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي "الشاباك"، رونين بار، إضافةً إلى إقالة المستشارة القضائية غالي بهاراف ميارا، حيث ستقوم الحكومة الإسرائيلية الاحد القادم بالتصويت على قرار إقالتها.
كما يسعى نتنياهو إلى تمرير خطة "الانقلاب القضائي" في الكنيست تهدف إلى إضعاف "استقلال" القضاء، مما يمنحه سيطرة غير مسبوقة على الجيش والشرطة، ويدعم مشروعه لتحويل إسرائيل إلى دولة ذات "حكم استبدادي يرسخ نفوذه السياسي على المدى الطويل".
يؤكد الكاتب أن هدف نتنياهو هو تحويل إسرائيل إلى "نظام استبدادي قومي ديني"، شبيه بالنماذج التي نشاهدها في المجر والهند والولايات المتحدة تحت حكم ترامب.
بحسب المقال، فإن إسرائيل تمر حاليًا بأخطر مرحلة سياسية في تاريخها. ورغم أن المعارضة الداخلية ضعيفة، إلا أن هناك إدراكًا متزايدًا بأن "إذا لم يتم التصدي لنتنياهو الآن، فقد لا يكون هناك مجال للاحتجاج مستقبلًا".
يحذر ألوف بن، من أن "إسرائيل تقف الآن على حافة هاوية: بين ارتكاب جرائم حرب في غزة، والتحول إلى ديكتاتورية". في الأسابيع المقبلة، سيتضح ما إذا كان يمكن إيقاف اندفاع نتنياهو أم أن الأمور ستتفاقم أكثر.
مظاهرات ضد نتنياهو
وفي هذا السياق، تظاهر آلاف الإسرائيليين في القدس، اليوم الخميس، احتجاجًا على خطط نتنياهو لإقالة رئيس جهاز "الشاباك"، والمستشارة القضائية للحكومة، وسط انتشار كبير للشرطة الإسرائيلية واستخدامها للعنف ضد المتظاهرين، بينما قال قادة الحراك الاحتجاجي إنهم يستعدون للانتقال إلى مرحلة العصيان المدني.
ضابط إسرائيلي يعتدي على رئيس حزب "الديمقراطيين" يائير غولان، خلال المظاهرة المستمرة في القدس احتجاجًا على إقالة رونين بار pic.twitter.com/ZEi4P3L7Tg
— Ultra Palestine - الترا فلسطين (@palestineultra) March 20, 2025
وأظهر مقطع مصور اعتداء ضابط في الشرطة الإسرائيلية على زعيم حزب الديمقراطيين، يائير غولان، أحد أشد معارضي نتنياهو. وعلق غولان على ما حدث في منشور على منصة "إكس"، قال فيه إنه "بعد 38 سنة من الخدمة في الجيش الإسرائيلي لن تسقطه بعض الدفعات".
ودعا زعيم حزب الديمقراطيين إلى "مواصلة القتال حتى وقف الانقلاب القضائي"، وإعادة المحتجزين، والعمل على تغيير الحكومة.
من جهته، أدان زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد بشدة اعتداء الشرطة على غولان، مطالبًا المفوض العام للشرطة بفتح تحقيق فوري في الحادث. وأضاف لابيد أن "الإسرائيليين يتظاهرون دفاعًا عن القانون والمستقبل"، مشددًا على أن "الحق في الاحتجاج هو أساس قوة الديمقراطية".
وأظهرت مقاطع فيديو متداولة إصابة عدد من المتظاهرين، نتيجة الضرب المباشر واستخدام الشرطة مدافع المياه لقمع المحتجين على سياسة نتنياهو.