18-مارس-2025
يسعى نتنياهو إلى تحقيق أهداف سياسية من خلال استئناف الحرب (منصة إكس)

يسعى نتنياهو إلى تحقيق أهداف سياسية من خلال استئناف الحرب (منصة إكس)

استأنفت إسرائيل هجماتها المكثفة على قطاع غزة، حيث شنت موجة من الغارات الجوية استهدف مختلف أنحاء القطاع المحاصر، مما أدى إلى سقوط أكثر من 400 شهيد ومئات الجرحى.

ترافق هذا التصعيد مع أوامر إخلاء أصدرتها إسرائيل لسكان شمال ووسط غزة، ما يشير إلى احتمال شنّ هجوم بري جديد في الفترة المقبلة، وهو ما أجبر مئات العائلات الفلسطينية، التي كانت قد عادت مؤخراً إلى منازلها المدمرة، على النزوح مرة أخرى.

اتهم معارضو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حكومته بالسعي إلى تحقيق أهداف سياسية على حساب المحتجزين الإسرائيليين في غزة

أسباب التصعيد
يأتي هذا التصعيد بعد أسابيع من التهديدات الإسرائيلية بشن عملية جديدة، حيث بررت الحكومة الإسرائيلية هذه الهجمات بالسعي لإضعاف قيادة حماس التي أعادت تنظيم صفوفها داخل القطاع، بحسب المزاعم الإسرائيلية، بهدف الضغط من أجل إطلاق مزيد من المحتجزين الإسرائيليين لدى الحركة.

ونقلت القناة 12 العبرية، عن مصدر سياسي، قوله بأن الهدف الأساسي من العملية العسكرية الحالية هو دفع حركة حماس إلى القبول بالمقترح الذي قدمه مبعوث ترامب للمنطقة، ستيف ويتكوف. وينص المقترح على إطلاق سراح نصف المحتجزين في غزة، سواء كانوا أحياءً أو قتلى، تليها مفاوضات تمتد لخمسين يومًا، يُفترض أن تُفضي إلى الإفراج عن بقية المحتجزين.

نتنياهو واستغلال الحرب لأغراض داخلية

لكنّ توقيت استئناف القتال أثار انتقادات واسعة في إسرائيل، حيث اتهم معارضو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حكومته بالسعي إلى تحقيق أهداف سياسية على حساب المحتجزين الإسرائيليين في غزة، مؤكدين أن استئناف العمليات العسكرية يتجاوز الاعتبارات الأمنية.

وفي هذا السياق، اتهمت عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو باستخدام الحرب كوسيلة للبقاء في السلطة.

من جهتها، ترى صحيفة "هآرتس" أن العملية الإسرائيلية في غزة ستُبرَّر على أنها خطوة ضرورية لكسر الجمود في المفاوضات، بينما تهدف في الوقت ذاته إلى "تحقيق وعد نتنياهو بالقضاء على حماس"، رغم أن الجدولين الزمنيَّين لهذين الهدفين لا يتوافقان. فالمحتجزون قد يموتون قبل تحقيق أي انتصار عسكري على حماس، هذا إن تحقق أصلًا.

إلا أن جوهر المسألة، بحسب الصحيفة، يتمحور حول أهداف سياسية عاجلة لن يعترف بها نتنياهو علنًا، أبرزها: إعادة إيتمار بن غفير وحزبه اليميني المتطرف "القوة اليهودية" إلى الحكومة، لتمرير الميزانية، وضمان استقرار الائتلاف الحاكم.

هذه المرة، يرتبط بقاء نتنياهو السياسي بشكل وثيق بمواصلة التصعيد في غزة، بما في ذلك محاولته تحويل الأنظار عن الاحتجاجات المتزايدة ضد حكومته، ولا سيما تلك الناجمة عن خطته لإقالة رئيس جهاز "الشاباك"، رونين بار.

وتشير الصحيفة إلى أن الهدف الحقيقي لنتنياهو أصبح أكثر وضوحًا: الانزلاق التدريجي نحو نظام سلطوي، يسعى إلى ترسيخ بقائه عبر شن حروب مستمرة على جبهات متعددة.

إلى جانب ذلك، استفاد نتنياهو من الدعم الأميركي المطلق، إذ حصل على ضوء أخضر من إدارة ترامب التي دعمت الهجمات الجديدة بشكل كامل، مما منحه فرصة ذهبية للمضي قدمًا في التصعيد العسكري دون قيود.

بالإضافة لذلك، فإن هناك عوامل أخرى مكّنت الجيش الإسرائيلي من استئناف هجماته، أبرزها تلقيه إمدادات عسكرية جديدة، خاصة من الولايات المتحدة، ما سمح له بتجديد مخزون الذخائر وإصلاح الطائرات والمعدات العسكرية، إلى جانب تحديد أهداف جديدة لقيادات حماس.

علاوة على ذلك ، يواجه نتنياهو محاكمة فساد قد تفضي إلى سجنه، وقد حصل على موافقة قضائية بتأجيل حضوره إحدى جلسات محاكمته بدعوى "استئناف الحرب"، ما يعزز الشكوك حول استخدامه للتصعيد العسكري كوسيلة للهروب من تبعات محاكمته.

انعكاسات على اتفاق وقف إطلاق النار
هذا التصعيد جاء بعد مرور 16 يومًا فقط على انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم في كانون الثاني/يناير الماضي، والذي كان من المفترض أن يؤدي إلى انسحاب إسرائيلي كامل من غزة وإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس، مقابل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين.

غير أن المفاوضات غير المباشرة، التي هدفت إلى تمديد الهدنة، وصلت إلى طريق مسدود، إذ رفضت حماس العرض الإسرائيلي القاضي بتمديد المرحلة الأولى من الهدنة لمدة تتراوح بين 30 و60 يومًا مقابل إطلاق مزيد من الرهائن، فيما اتهمت إسرائيل الحركة بخرق الاتفاق برفضها الإفراج عن المزيد من المحتجزين، بينما ردت حماس بالقول إن إسرائيل أخّلت بالتزاماتها، خاصة فيما يتعلق بتنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

فيما قبلت الحركة العرض الذي قدمه المبعوث الأميركي آدم بوهلر لإطلاق سراح محتجز إسرائيلي يملك الجنسية الأميركية و4 جثامين، لكن دون ضمانات لاستكمال الاتفاق، فيما قبلت حماس العرض، لكن مع ضمانات بوقف الحرب والعودة لاستكمال المرحلة الثانية.

الآثار المتوقعة
مع انهيار وقف إطلاق النار، يبدو أن الوضع في غزة مقبل على تصعيد أكبر، إذ أكدت مصادر عسكرية إسرائيلية أن الغارات الأخيرة ليست سوى بداية لحملة أوسع تهدف إلى الضغط على حماس من أجل إطلاق سراح مزيد من الرهائن، في حين تشير التوقعات إلى أن العملية ستؤدي إلى سقوط مزيد من الضحايا المدنيين، إلى جانب تزايد موجات النزوح الجماعي داخل القطاع.

من جهة أخرى، فإن الوضع الإنساني في غزة بات أكثر كارثية، إذ فرضت إسرائيل، قبل أسبوعين، حصارًا شاملًا على القطاع. وأكد مسؤولو الإغاثة أن الوضع ينذر بكارثة، حيث تكفي الإمدادات الغذائية المتبقية بالكاد لثلاثة أسابيع، بينما تعيق عودة الحرب عمليات توزيع المساعدات الإنسانية.
ويبدو أن التصعيد الإسرائيلي في غزة ليس مجرد قرار عسكري، بل تحرك سياسي بامتياز يخدم مصالح نتنياهو الداخلية، في ظل دعم غير مشروط من إدارة ترامب. وبينما تستمر آلة الحرب في حصد أرواح المزيد من المدنيين الفلسطينيين.