1. سياسة
  2. سياق متصل

نتنياهو ما بعد الحرب على غزة: هدوء مؤقت أم إعادة تموضع لصراعات إقليمية؟

15 أكتوبر 2025
مظاهرة منددة بالحرب على غزة
متظاهر يحمل مجسّمًا ورقيًا لوجه بنيامين نتنياهو، خلال مظاهرة منددة بجرائم الحرب في غزة (Getty)
أغيد حجازي أغيد حجازي

في أعقاب عامين من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تمّ التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يرافقه تبادلٌ للأسرى، لكن يسود في اللحظة الراهنة غموضٌ يكتنف ملامح المرحلة التي تلي التهدئة.

ورغم خفوت صوت المدافع في غزة، إلا أن ما بعد الهدنة يحمل في طيّاته تساؤلات مصيرية حول مستقبل الصراع، وموقف نتنياهو، وموازين القوى الإقليمية التي قد تعيد إشعال الجبهات من جديد.

من وجهة نظر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لا تعني التهدئة استسلامًا، بل هي استراحة مؤقتة لإعادة التموضع. فقد شدَّد على أن "الحرب لن تُختتم فعليًا إلا بعد أن تتخلى حماس عن سلاحها وتتخلّى عن سلطة القطاع"، معتبرًا أن منع عودتها إلى خيار المواجهة هو "الضمان الوحيد للأمن الإسرائيلي".

هذا الموقف ينسجم مع الخطة الأميركية التي تحدث عنها الرئيس ترامب أمام الكنيست، حين هدد صراحةً بالعودة إلى التصعيد العسكري ضد حماس إن لم تفِ بالتزاماتها بنزع السلاح: "إذا لم ينزعوا سلاحهم، فنحن سننزع سلاحهم، وبسرعة، وربما بعنف".

وفي السياق نفسه، أشار ترامب إلى أن المنطقة تقف على أعتاب "فجر تاريخي لشرق أوسط جديد"، في إطار مشروعه الرامي إلى إعادة ترتيب المشهد الإقليمي على أسس تُقوّض قوى المقاومة وتُعيد تشكيل التحالفات.

غير أن الهدوء النسبي في غزة لا ينعكس بالضرورة على جبهات لبنان وسوريا وإيران، التي ما تزال تعيش تحت وطأة التوتر والاستقطاب.

ففي لبنان، ورغم الالتزام النسبي بالهدنة مع حزب الله منذ نهاية عام 2024، ما تزال الأجواء متوترة ومفخخة بفعل الخروقات الإسرائيلية المتكررة، إذ لم تبتعد الطائرات الإسرائيلية عن الجنوب، حيث تواصل شنّ غارات على أهداف تقول إنها تابعة لحزب الله أو لخطوط إمداده.

في المقابل، يصعّد الموفد الأميركي توماس بارّاك ضغوطه على الحكومة اللبنانية لإصدار قرار رسمي بنزع سلاح المقاومة كشرط لأيّ تفاوض مع إسرائيل، ملوّحًا بأن واشنطن لن تلتزم بأي هدنة ما لم يُنفّذ هذا الشرط.

وقد دفعت هذه الضغوط السلطة اللبنانية إلى بحث خطط مرحلية لنزع السلاح تحت إشراف الجيش، رغم الاعتراض الحاد من حزب الله، الذي وصفها بأنها "خدمة لإسرائيل"، كما قال الأمين العام  للحزب، الشيخ نعيم قاسم: "إن الدعوات لنزع سلاح المقاومة لا تخدم إلا إسرائيل، والحزب لن يخضع لإملاءاتها".

رغم خفوت صوت المدافع في غزة، إلا أن ما بعد الهدنة يحمل في طيّاته تساؤلات مصيرية حول مستقبل الصراع

أما على الجبهة الإيرانية، فقد أعلن ترامب أمام الكنيست أن على قادة إيران أن "يتخلوا عن الإرهابيين" ويعترفوا بحق إسرائيل في الوجود، معتبرًا ذلك شرطًا لأيّ تعامل مع واشنطن في المرحلة المقبلة.

كما أبدى رغبته في "التوصل إلى اتفاق سلام مع إيران"، فيما أشارت مصادر أميركية إلى استعداد واشنطن لتخفيف بعض العقوبات إذا أبدت طهران مؤشرات على التفاوض بعد النزاع، في محاولة لموازنة الترهيب بالترغيب.

لكنّ إسرائيل لا تتجاهل الحذر من أي تحرك عسكري أو نووي إيراني محتمل، وتعمل في الوقت ذاته على تعبئة الدعم الدولي لأيّ خطوة ضد طهران إذا اقتضى الأمر.

وفي أول ردّ إيراني، قالت وزارة الخارجية في بيان: إن "رغبة ترامب المعلنة في السلام والحوار تتناقض مع السلوك العدائي والإجرامي للولايات المتحدة ضد الشعب الإيراني. فكيف يمكن لمن يهاجم مناطق سكنية آمنة ومنشآت نووية ويقتل أكثر من ألف شخص، بينهم نساء وأطفال، أن يدّعي السعي إلى السلام؟"

وأضاف البيان: "تكرار الادعاءات الكاذبة حول البرنامج النووي السلمي الإيراني لا يبرّر بأي حال الجريمة المشتركة للنظامين الأميركي والصهيوني في مهاجمة التراب الإيراني المقدّس واغتيال أبنائه".

وفي سوريا، تبدو الأرض محفوفة بالمطبّات، إذ أُعلن أن تفاهمًا أمنيًا بين دمشق وتل أبيب كان على وشك التوقيع، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة بسبب خلاف على ممر إنساني في السويداء، ما أبقى الباب مفتوحًا أمام تصعيد محتمل أو تسوية قريبة.

من هذا المشهد الإقليمي المتشابك، يبرز السؤال المركزي: ما الاتجاه الذي سيتخذه نتنياهو في المرحلة المقبلة؟

هل يراهن على تهدئة مطوّلة لتوظيفها في إعادة ترتيب الداخل الإسرائيلي، أم أنه سيلجأ إلى تصعيد سريع في غزة أو لبنان أو حتى ضد إيران إذا شعر بأن الخطر يقترب من حكومته؟

مشهد ما بعد حرب غزة

قال الكاتب والباحث في الشأن الإسرائيلي محمد هلسه في حديث لـ"الترا صوت" إنّ مستقبل المشهد بعد الحرب على غزة يرتبط بعاملين أساسيين سيحددان وجهة التطورات المقبلة.

الأول يتعلّق بالوضع الداخلي الإسرائيلي، وتحديدًا بما إذا كانت تداعيات الاتفاق الأخير ستقود إلى تفكيك المشهد السياسي القائم، والانتقال نحو ترتيبات سياسية جديدة يمكن لإسرائيل أن تُحوّل من خلالها ما تسميه "إنجازات عسكرية تكتيكية" إلى "مكاسب سياسية" في مسارٍ تطبيعي ترعاه الولايات المتحدة.

وأضاف أنّ العامل الثاني مرتبط بشخص رئيس الولايات المتحدة، الذي وصفه بـ"الرجل المتقلّب"، موضحًا أنّ استمرار اهتمامه بملف الشرق الأوسط غير مضمون وقد ينصرف عنه في أي وقت.

وتابع هلسه أنّ "مؤشرات داخل إسرائيل توحي باحتمال تفكك الائتلاف الحكومي القائم، ربما مع بداية العام القادم، خصوصًا إذا التزمت حركة حماس ببنود الاتفاق وفق خطة ترامب".

وبيّن أنّ "جزءًا من اليمين الحاكم يرى الاتفاقية مسابقة خاسرة، لأنها حرمت إسرائيل من كثير من المزايا التي كان اليمين الصهيوني يطمح إليها، مثل الضمّ، وتوسيع الاستيطان، وسياسات التهجير".

ولفت هلسه إلى أنّ "غياب هذه الركائز الأيديولوجية يُفقد اليمين الصهيوني أدواته في مخاطبة المجتمع الإسرائيلي، ما يجعل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عاجزًا عن الذهاب نحو ترتيبات تُنهي الحرب بصيغتها الحالية".

وأشار إلى أنّ "إسرائيل قد تغيّر شكل الحرب لا مضمونها"، مستشهدًا بقتل عدد من المدنيين في غزة بزعم اقترابهم من الحدود، وبتكرار تهديداتها بمنع فتح معبر رفح أو إدخال المساعدات بحجة تأخر تسليم جثث الجنود الإسرائيليين.

ومن جهته، قال الأكاديمي الفلسطيني الدكتور عوض أبو دقة إنّ "الاتجاه الأكثر احتمالًا للمرحلة القادمة هو مزيج من التصعيد العسكري المحدود والسعي إلى استثمار الفرص عبر ما يمكن تسميته بالسلام المفخخ".

أوضح أبو دقة لـ"الترا صوت" أن "نتنياهو سيتعامل مع غزة على غرار النموذج اللبناني، عبر تنفيذ اغتيالات مركّزة تستهدف قيادات المقاومة وكوادرها".

وأضاف أنّ "تعاطي نتنياهو مع الاتفاقيات الإبراهيمية في هذه المرحلة سيكون تكتيكيًا، إذ يقوم حجر الأساس في ما يُعرف بسلام الشرق الأوسط، وفق رؤية ترامب، على توسيع تلك الاتفاقيات لتشمل السعودية ودولًا إسلامية كبرى مثل إندونيسيا وباكستان".

ويرى أبو دقة أنّ "حرب الإبادة الجماعية التي استهدفت قطاع غزة طيلة عامين كاملين استنفدت قوة الاحتلال وأرهقته على المستويات كافة، ولا سيما العسكرية والاستخبارية والاقتصادية"، لافتًا إلى أنّ "مكانة إسرائيل الدولية تدهورت بشدة، وانكشف وجهها الأخلاقي، خصوصًا وأنّ من يقودها مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، فضلًا عن الانقسامات الداخلية الحادة التي تشق المجتمع الإسرائيلي".

وبيّن أنّ "هذا الواقع يتطلب فترة طويلة للتعافي وإعادة الترميم، ولذلك سيتجه نتنياهو إلى تنفيذ رؤية ترامب بما يعزّز المصالح المشتركة بينهما".
واعتبر أنّ "هذا لا يعني أن إسرائيل تخلّت عن عقيدتها القائمة على الحروب والصراعات في المنطقة، لكنها بحاجة إلى إعادة تأهيل شاملة للتعافي من آثار طوفان الأقصى والعدوان على إيران".

الجبهات المشتعلة: بين الضغوط والتمهيد لتسويات مشروطة

وعن احتمالات التصعيد في الجبهات الأخرى، قال هلسه إنّ الخيار في لبنان ما يزال مفتوحًا طالما أن قضية نزع سلاح "حزب الله" لم تُحسم بعد، موضحًا أن النقاش حول السلاح لا يجري بوتيرة هادئة داخل لبنان، بل تحت ضغط "العصا الإسرائيلية – الأميركية".

وأشار إلى أنّ طرفًا لبنانيًا يرفض الفكرة تمامًا، فيما يرى طرف آخر أن الانخراط في الرغبات الأميركية قد يشكل وسيلة للخروج من "الارتهان المزدوج" بين إيران والولايات المتحدة.

 اليمين الحاكم يرى الاتفاقية مسابقة خاسرة، لأنها حرمت إسرائيل من كثير من المزايا التي كان اليمين الصهيوني يطمح إليها، مثل الضمّ، وتوسيع الاستيطان، وسياسات التهجير

وأكد أنّ هذه التناقضات لا توحي بإمكانية التوصل إلى نقطة وسط بين الطرفين حاليًا. وأضاف أن الأمر لا يقتصر على إسرائيل وحدها، بل إنّ الولايات المتحدة أيضًا تمارس الضغط ذاته، مشيرًا إلى أن "المسار الإيراني" بدوره يشهد تصعيدًا متزايدًا في ما يتعلق بالملف النووي.

وفي ما يخصّ إيران، استبعد هلسه أن تقدم إسرائيل في الوقت الراهن على توجيه ضربة عسكرية مباشرة، معتبرًا أن "الذرائع الحالية لم تنضج بعد"، وأنّ الأمر يحتاج إلى "تحضير وتمهيد داخلي وإقليمي ودولي".

وأوضح أنّ إسرائيل تعمل على بناء حالة من التخويف من إيران لتبرير أي خطوة مستقبلية، لكنها – بحسب تقديره – ما تزال تحتاج إلى وقت طويل لتصل إلى هذه المرحلة.

واستشهد بتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي قال إنّ الاتفاق الأخير ما كان ليتمّ لولا "الضربة في إيران"، معتبرًا أنّ إسرائيل ترى نفسها اليوم بوصفها من رتّبت المشهد الإقليمي، لا مجرد من وجّهت ضربة عسكرية.

وفي ختام حديثه، تطرّق هلسه إلى الملف السوري، مشيرًا إلى أنّ سوريا تتجه نحو اتفاق أمني أولي مع إسرائيل، وليست في وارد الرفض حاليًا، موضحًا أنّ دمشق تحتاج إلى واشنطن لإعادة ترتيب أوضاعها الداخلية والاقتصادية، ولذلك لن تُمانع الدخول في ترتيبات أمنية تمهّد لاحقًا لمسار تطبيعي.

ومن جانبه، اعتبر أبو دقة أنّ نتنياهو قد يستخدم القوة ضد إيران أو أنصار الله في اليمن، لكن دون فتح جبهات متعددة في وقتٍ واحد، لأنّ ذلك يعرّض كيان الاحتلال لضغوط كبيرة.

وفي الشأن السوري، أشار إلى أنّ نتنياهو سيتّجه نحو اتفاق أمني مشروط بمطالب إسرائيلية واضحة، تتعلق بضمان أمن إسرائيل، وعدم التراجع عن السيطرة على بعض المناطق، وتأمين المصالح الإسرائيلية بعيدة المدى.

وختم أبو دقة بالتأكيد على أنّ نتنياهو وائتلافه الحالي، أو أي حكومة تليهم، لن يسمحوا بقيام دولة فلسطينية بأي شكلٍ من الأشكال، مضيفًا أنّ "الاعترافات الدولية في الأمم المتحدة ستبقى حبرًا على ورق، لأنّ الجغرافيا يرسمها التوسع الاستيطاني والقوة العسكرية الجاثمة على أرض قطاع غزة".

كلمات مفتاحية
حرب السودان

السودان.. جدل المبادرة الرباعية وتحديات العمل الانساني في زمن الحرب

تشهد العاصمة الإدارية بورتسودان حراكًا مكثفًا، حيث استقبلت وفدًا من مسؤولي الأمم المتحدة من نيويورك، بالإضافة إلى وزير الخارجية المصري

العراق

الانتخابات العراقية: ارتفاع المشاركة وبدء الفرز وسط ترقب للنتائج الأولية

تتوجه الأنظار في العراق نحو الإعلان المرتقب للنتائج الأولية للانتخابات البرلمانية التي أجريت يومي الاثنين والثلاثاء

مخيم النصيرات

دخول الهدنة في غزة شهرها الثاني وسط تعثر الانتقال إلى المرحلة الثانية

يتواصل اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة رغم الخروقات الإسرائيلية المستمرة

كمال الشناوي - نور الشريف في الدورة الأولى من مهرجان القاهرة السينمائي (الأهرام)
فنون

من أين جاءت فكرة إنشاء مهرجان القاهرة السينمائي الدولي؟

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي

صورة تعبيرية
الترا لايت

فجوة الانبعاثات تتسع.. هل يمكن تحقيق أهداف اتفاقية باريس؟

تهدف اتفاقية باريس إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية بشكل كبير

فار
رياضة

قوانين كرة القدم.. 5 تغييرات تطالب بها الجماهير

بعد استطلاع أجرته شبكة بي بي سي، هذه هي أبرز التغييرات على قوانين كرة القدم التي طالبت بها الجماهير

حرب السودان
سياق متصل

السودان.. جدل المبادرة الرباعية وتحديات العمل الانساني في زمن الحرب

تشهد العاصمة الإدارية بورتسودان حراكًا مكثفًا، حيث استقبلت وفدًا من مسؤولي الأمم المتحدة من نيويورك، بالإضافة إلى وزير الخارجية المصري