17-مارس-2025
يعلم نتنياهو أنه لا يمكنه تحدي ترامب (GETTY)

(Getty) يعلم نتنياهو أنه لا يمكنه تحدي ترامب

تشهد العلاقة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب تحولًا يعكس تغير ميزان القوة بين الطرفين. فبدلًا من أن يكون نتنياهو صانع القرار الرئيسي كما اعتاد، أصبح مجرد عنصر في استراتيجية ترامب السياسية، حيث لم تعد تل أبيب تتحكم في المسار، بل باتت تخضع لتوجهات البيت الأبيض، حيث تُحسم القرارات الكبرى في واشنطن لا في تل ابيب.

ترامب لا يمنح الهدايا.. بل يبيعها بأغلى الأثمان

لطالما تمتعت إسرائيل بمكانة الشريك الاستراتيجي المميز للولايات المتحدة، لكن هذا الواقع بدأ يتغير في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وفقًا لتحليل نشرته صحيفة "معاريف" للأستاذة في جامعة "رايخمان" العبرية، ليراز مرغريت، فإن ترامب لا يعتمد على الدبلوماسية التقليدية، بل يتعامل مع العلاقات الدولية كأنها صفقات تجارية، حيث يرى نفسه "تاجر قوة" أكثر من كونه رئيسًا يسعى لبناء تحالفات قائمة على القيم المشتركة. ومن هذا المنطلق، لم تعد إسرائيل شريكًا سياسيًا ثابتًا لواشنطن، بل باتت مجرد ورقة تفاوضية في ميزان المصالح الأميركية.

ترامب لا يعتمد على الدبلوماسية التقليدية، بل يتعامل مع العلاقات الدولية كأنها صفقات تجارية، حيث يرى نفسه "تاجر قوة" أكثر من كونه رئيسًا يسعى لبناء تحالفات قائمة على القيم المشتركة

هذا التغيير في النهج ليس جديدًا على ترامب، فأوكرانيا كانت أول من تعلم الدرس القاسي، الدعم الأميركي ليس عقيدة سياسية، بل استثمار يتطلب مردودًا ملموسًا. ووفقًا للمقال، بدأت إسرائيل تدرك ذلك متأخرة، حيث اكتشف نتنياهو أن عليه الدفع مقابل أي دعم يتلقاه، سواء من خلال تنازلات سياسية أو تغييرات في الاستراتيجية الأمنية.

 لا مجال للمراوغة

تشير الكاتبة إلى أن نتنياهو كان يعتقد أن علاقته بترامب ستضمن له دعمًا غير مشروط، لكنه فوجئ بأن من يدير المشهد ليس حليفًا أيديولوجيًا، بل مديرًا تنفيذيًا صارمًا يسعى إلى تحقيق أقصى استفادة ممكنة.

يبرز في هذا السياق دور ستيف ويتكوف، الرجل المقرّب من ترامب، والذي لا يتعامل بمنطق الدبلوماسية، بل وفق قواعد إدارة الأزمات في الشركات الكبرى. فبدلًا من التفاوض والإقناع، يمارس ويتكوف ضغوطًا مباشرة لفرض الاتفاقيات وفقًا لمصالح واشنطن. وبذلك، وجد نتنياهو نفسه أمام شروط أميركية صارمة، لا تتيح له مساحة للمناورة كما اعتاد في الماضي.

سيكولوجيا التفاوض

ترى مرغريت أن الموقف الإسرائيلي من ملف الحدود مع لبنان يعكس حالة الضعف التي وجد نتنياهو نفسه فيها. فبعد أن رفض سابقًا اتفاق ترسيم الحدود الذي وقعه يائير لابيد ووصفه بأنه "تنازل مذل للبنان"، ها هو اليوم ينصاع لما تريده واشنطن دون مقاومة.

المفارقة هنا، وفق المقال، أن نتنياهو يعرف جيدًا قواعد اللعبة، ويُدرك أن الطرف الذي يمتلك القدرة على سحب الامتيازات هو الطرف الذي يمتلك القوة الحقيقية. وهذا ما أدركه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أيضًا، حين اضطر للقبول بشروط واشنطن بعد أن وجد نفسه بلا خيارات أخرى.

واشنطن تتفاوض مع حماس

واحدة من أكثر النقاط المثيرة للجدل في المقال هي المفاوضات بين واشنطن وحركة حماس، والتي جرت دون مشاركة إسرائيل. تشير مرغريت إلى أن هذا الأمر يعد انعكاسًا لتغير ميزان القوى في المنطقة، حيث بات ترامب يفضل التعامل مع من يملك "أوراق ضغط فعلية".

في الحسابات الأميركية، فإن "الأصول الاستراتيجية" لحماس هي المحتجزون الإسرائيليون، بينما نتنياهو لا يملك أي ورقة ضغط قوية في الوقت الراهن. وهذا يفسر، وفق الكاتبة، لماذا تعاملت واشنطن مع حماس كطرف يمكن التفاوض معه، بينما تم تهميش إسرائيل من المعادلة.

ففي شباط/فبراير 2025، كشف موقع "اكسيوس'" قيام مبعوث ترامب لشؤون الرهائن، آدم بوهلر، بإجراء محادثات مباشرة مع قادة حماس في الدوحة، بهدف التوصل إلى هدنة وإطلاق سراح الرهائن الأميركيين المحتجزين في غزة. 

هذه الخطوة أثارت انتقادات من مسؤولين إسرائيليين، من بينهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الزراعة آفي ديختر، إذا عبروا عن استيائهم من نقص التنسيق، ورأوا أن هذه المحادثات قد تضعف موقف إسرائيل التفاوضي وتمنح شرعية "غير مستحقة" لحماس، وفق قولهم.

وهذا، ما دفع بوزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إلى الإشارة إلى أن هذه المحادثات كانت "جهد فردي" ولم تسفر عن أي اتفاقات، مؤكدًا أن التركيز الأساسي لا يزال على المفاوضات الأوسع نطاقًا في العاصمة القطرية.

وفي بداية الشهر الجاري، قررت إدارة ترامب وقف المفاوضات المباشرة مع حماس بعد محادثات اعتبرتها "غير مثمرة". كما سحبت ترشيح آدم بولر كمبعوث رئاسي خاص لشؤون الرهائن في وزارة الخارجية الأميركية. ونقل موقع "أكسيوس" عن متحدثة باسم البيت الأبيض أن بولر سيواصل خدمة الرئيس كموظف حكومي خاص بمفاوضات الرهائن.

نتنياهو أمام ترامب.. لماذا لا يجرؤ على التحدي؟

على الرغم من هذه التوترات، حرص نتنياهو على عدم التعبير عن معارضته علنًا لترامب. تلفت مرغريت إلى نقطة نفسية مهمة: نتنياهو لا يجرؤ على تحدي ترامب، رغم أنه كان يفعل ذلك مع بايدن. خلال رئاسة الرئيس الأميركي السابق، تبنّى نتنياهو تكتيك المماطلة والعرقلة، مستغلًا ضعف الإدارة الديمقراطية وعدم حسمها في القضايا الدولية. لكنه اليوم يتعامل مع رئيس لا يترك مجالًا للمناورة، بل يفرض شروطه بوضوح.

ترامب لا يتفاوض، بل يملي القواعد، ونتنياهو يدرك ذلك جيدًا، ولهذا اختار التكيف مع الواقع الجديد بدلًا من الدخول في مواجهة محسومة الخسارة.

هل تغيرت اللعبة؟

على المدى القصير، قد تشهد العلاقة بعض التوترات الأخرى إذا واصلت إدارة ترامب تبني نهج أكثر استقلالية عن إسرائيل في الملفات الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بغزة وإيران. لكن من غير المرجح أن يتخلى أي من الطرفين عن الآخر، خاصة في ظل التحديات الجيوسياسية المشتركة التي تواجههما.

وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات بين نتنياهو وترامب شهدت توترًا في عام 2020 عندما هنأ نتنياهو بايدن على فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية، مما أثار غضب ترامب. ومع ذلك، بعد إعادة انتخاب ترامب في عام 2024، تم تجديد التحالف بينهما، حيث كان نتنياهو أول زعيم أجنبي يزور البيت الأبيض بعد الانتخابات. خلال هذه الزيارة، أكد نتنياهو على قوة التحالف الإسرائيلي الأميركي وعلاقته الشخصية مع ترامب، مشيرًا إلى النجاحات الدبلوماسية السابقة مثل اتفاقيات أبراهام ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس.