28-فبراير-2020

اعترفت نيتفليكس بخضوعها للرقابة (فيسبوك)

قبل أيام قليلة نشرت شركة نيتفليكس لأول مرة تقريرها لـ "الحكامة الاجتماعية والبيئية". يأتي هذا التقرير بمثابة تبرئة ذمة، في شكله الرسمي، حيث يوضح بلغة الأرقام والإحصائيات التزام الشركة المذكورة بمعايير السلامة البيئية والتعددية الاجتماعية. التزامات كان ضمنها لائحة لتسعة إنتاجات سحبتها الشركة من فروعها بدول، تحت مطالبت حكوماتها بهذا السحب. تعددت أسباب هذه المطالبات، فيما تعترف نيتفليكس، ولأول مرة منذ 23 سنة قضتها في الخدمة، بخضوعها التام لها.

قال ريد هاستينغ، المدير التنفيذي لنيتفليكس، معلقًا على حادثة سحب حلقة "Patriot Act": "دورنا هو الفرجة والتسلية، ليس الكشف عن الحقيقة، ولهذا لا يضيرنا أن نسحب الحلقة من خدمتنا"

نيتفليكس: "ليس لدينا الحق في عرض كل شيء"

"نظرًا للإقبال الكبير على منصتنا، نحرس في نيتفليكس أن لا يقل فريق عملنا تعددية عن الجمهور الذي نخدمه"، يقول تقرير نيتفليكس في مستهله. منطلقًا بعد ذلك لتفصيل تلك التعددية بأرقام كمثل أن 49 بالمئة من فريق عمله وأجهزته الإدارية هم نساء، 7 بالمئة منهن من ذوات الأصول الأفريقية، 7 بالمئة من ذوات الأصول اللاتينية الأمريكية و24 بالمئة من ذوات الأصول الآسيوية. ويضيف التقرير أن 20 بالمئة من إنتاجاته لسنة 2019 أخرجتها نساء، فيما يستمر العمل على دعم تواجد أشخاص من أصول وأقليات جنسية مختلفة خلف الكاميرات وأمامها.

اقرأ/ي أيضًا: صراع نتفليكس مع أباطرة البث.. من يغير قواعد اللعبة؟

في الشق البيئي، يورد التقرير أن خدامتها في 20 دولة و15 ولاية أمريكية، تعتمد بنسبة 100 بالمئة على الطاقات المتجددة، كما تحرص على أن تكون تنقلات فريق عملها والفنانين الذين تتعامل معهم في الولايات المتحدة وبريطانيا يحقق النسبة الأدنى من انبعاثات الغازات الحابسة، وبالتالي فهي تتعامل مع شركة The Greenhouse Gas Air في هذا الصدد.

"نحن فخورون بما حققناه، ونعمد إلى تعزيز تقدمنا في السنوات القادمة" يعلق التقرير. قبل أن يعترف أنه "ليس لدينا الحق في عرض كل شيء ننتجه في كل بلد نخدمُ فيه". 

هذا الاعتراف، الذي يشكل سابقة في تاريخ الشركة، يصف علاقة الإخضاع التي تربطها بحكومات الدول التي تشتغل فيها، ويأتي بإقرار لخضوعها لضغط تلك الحكومات. فحسبه، لقد دفعت الشركة إلى حجب إنتاجات كاملة، أو حلقات من هذه الإنتاجات، تحت طلبات مكتوبة لحكومات خمس دول. فيما يبقى السؤال مطروحًا عما استجد لتقوم نيتفليكس بخطوة رفع السرية عن هذا الأمر؟ يجيب تقرير في موقع Axios قائلة: "نيتفليكس تهدف إلى توسيع أعمالها في العالم، لهذا الغرض تحاول إبراز شفافيتها في التعاطي مع هذه الحالات". 

قائمة بتسع أفلام سحبت

يبين تقرير موقع Axios، أنه "غالبًا ما تتكتم شركات المحتوى السمعي البصري على كشف مطالبة الحكومة بسحب محتوى تنتجه". هذا الذي يجعل الخطوة التي أقدمت عليها نيتفليكس فريدة من نوعها، حيث رفعت ستار السرية عن لائحة الأفلام التي طلب منها حكوميًا سحبها.

سنة 2015، كان "The Bridge" أول إنتاج سحبته شركة نيتفليكس من خدمتها في نيوزيلندا، استجابة لضغط المكتب السينمائي بالبلاد، والذي اعتبر الفيلم "غير مقبول" على حد ما ورد في مراسلتها للشركة.

سنة 2017، سحبت نيتفليكس فيلم "Full Metal Jacket" من خدمتها بفييتنام، حيث إن الفيلم الذي يصور به مخرجه ستانلي كوبريك مأساة الحرب، اعتبرته السلطة الفيتنامية للبث والتكنولوجيا مهينًا وطالبت بسحبه من خدمة التطبيق في البلاد. نفس السنة، طالبت اللجنة الألمانية لحماية الشباب نيتفليكس بسحب فيلم الرعب الأمريكي "Night of the Living Dead"، واستجابت الشركة لطلبات اللجنة التي اعتبرت الفيلم يحوي مشاهد دموية صادمة.

أما الحكومة في سنغافورة فلوحدها دفعت نيتفليكس إلى سحب خمسة إنتاجات، بين سنتي 2018 و2020، أولها كانت سلسلة "Cooking on High"، يليها فيلم "The Legend of 420" ثم العرض الكوميدي "Disjointed"، كون هذه الإنتاجات تعالج موضوع تعاطي مخدر القنب الهندي. كما سحب كذلك من الخدمة بسنغافورة رائعة المخرج العالمي مارتن سكورسيزي "thelast temptation of christ"، وفيلم "The Last Hangover".

وسنة 2019، سحبت نيتفليكس حلقة لبرنامج "Patriot Act" الذي يقدمه الكوميدي من أصول عربية حسن منهاج، تحت تهديد السلطات السعودية بملاحقتها بموجب قانون السعودية للجرائم الإلكترونية. وهي الحلقة التي تطرقت لضلوع النظام السعودي في جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، ومسؤوليتها عن المآسي البشرية في اليمن.

نتفليكس والسعودية.. أي الكيل بمكيالين

حلقة برنامج حسن منهاج المحظورة في السعودية، وإثر إقدام نتفليكس على سحبها من الخدمة في المملكة، أثارت جدلًا كبيرًا. ومثلت أول قضية يكشف فيها خضوع  نيتفليكس المتكرر للحكومات، خاصة والخضوع هنا سياسي ويمثل مساسًا بحرية التعبير، وتناقضًا مع الشعارات التي يتغنى بها التقرير المذكور قائلًا: "نحن نمنح المبدعين فرصة للوصول إلى جمهور في كل بقاع العالم". في هذه الحالة، وكما يبدو، تم تكميم صوت حسن منهاج في السعودية على الأقل.

اقرأ/ي أيضًا: الخوارزميات وبيانات المستخدمين.. أسلحة نتفليكس لزعزعة عرش هوليوود

كما يمتد تناقض ما ورد في التقرير الأخير والواقع بعيدًا، إذ يناقض حتى التصريحات السابقة لريد هاستينغ، المدير التنفيذي للشركة، إذ قال معلقًا على حادثة سحب حلقة "Patriot Act": "دورنا هو الفرجة والتسلية، ليس الكشف عن الحقيقة، ولهذا لا يضيرنا أن نسحب الحلقة من خدمتنا". بالمقابل يقول التقرير: "نود أن يشاهد الناس حياواتهم معكوسة على شاشاتنا"، لكن هل هذه الحياوات التي يقصدها التقرير منقوصة من حقوقهم الإنسانية؟

تعترف نيتفليكس بأنه "ليس لدينا الحق في عرض كل شيء ننتجه في كل بلد نخدمُ فيه"، في وصف يؤطر خضوعها المتكرر لسلطات الرقابة

على مستوى آخر، هناك كيل بمكيالين، حيث تغيب الاستجابة والرضوخ التي شاهدناها أمام الحكومات السعودية في حالة البرازيل، ويحضر تصلبٌ منقطع النظير لإدارة نيتفليكس أمام مطالبة القضاء البرازيلي بسحب فيلم " Christ The First Temptation of". والذي حكم قاضي ريو دي جانيرو بحذفه من خدمات التطبيق في البلاد.