09-سبتمبر-2018

لم ينجح الحزب الحاكم في حسم الانتخابات الموريتانية (Getty)

تعد الانتخابات الموريتانية لسنة 2018 أعقد التجارب الانتخابية التي شهدتها موريتانيا، نظرًا لمشاركة أكثر من تسعين حزبًا فيها، ونظرًا لتصويت المواطنين على خمس لوائح دفعة واحدة؛ وهو ما تسبّب بشكل كبير في تباطؤ عملية فرز الأصوات وإعلان النتائج؛ وفي وصول نسبة البطاقات اللاغية إلى أعلى مستوياتها، مقارنة بأي انتخابات مضت. فبعد فرز 90% من الأصوات، مثّلت نسبة البطاقات اللاغية منها 20%، وهي نسبة مرشّحة للزيادة، في ظل التعقيدات التي تحفّ عملية الاقتراع، وفي ظل نسبة الأميّة المرتفعة بين شريحة المصوِّتين.

كان حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" الذي تربطه علاقات فكرية بالإخوان المسلمين، مفاجأة الانتخابات الموريتانية الحالية 

بناء على تلك المعطيات، يكون من المجازفة بمكان تقديم قراءة حاسمة لنتائج الانتخابات التشريعية والمحليّة الموريتانية، خاصة وأن شوطًا ثانيًا منها، في الخامس عشر من أيلول/سبتمبر 2018، ما يزال ينتظر الناخبين في المناطق التي لم يُحسم الفوز بها من طرف أي حزب من الأحزاب.

ومع ذلك يمكن، على ضوء ما أُعلن من نتائج، رصد أهم ملامح الخريطة السياسية التي بدأت تتشكل، وذلك بناء على اتجاهات التصويت، وتأثير ذلك على جملة من القضايا المصيرية التي تواجه الحياة السياسية الموريتانية.

عدديًا يمكن القول بأن ثلُثي المجالس الجهوية وأكثر من نصف البلديات لم تُحسم بعد، بخلاف الانتخابات التشريعية التي حُسم معظم مقاعدها. حيث يمكن القول إنه سيكون برلمانًا فاصلًا في تاريخ موريتانيا السياسي، بالنظر إلى الرهانات المعلّقة عليه من جميع الأطراف من موالاة ومعارضة.

اقرأ/ي أيضَا: انتخابات 2018.. رهان موريتانيا على مصيرها

حزب تواصل ذو المرجعية الإسلامية.. مفاجأة الانتخابات

كان حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" الذي تربطه علاقات فكرية بالإخوان المسلمين، مفاجأة الانتخابات الموريتانية الحالية في السباق نحو البرلمان الموريتاني وفي الانتخابات المحلية "البلدية والجهوية"، وذلك نظرًا لتفوقه في النتائج المعلنة، حتى الآن، على أحزاب المعارضة الموريتانية التقليدية، مثل حزب التكتل وحزب التحالف الشعبي واتحاد قوى التقدم؛ ونظرًا أيضًا لمنافسته الشرسة للحزب الحاكم – حزب الاتحاد من أجل الجمهورية – في المناطق التي تعتبر تاريخيًا محسوبة على أحزاب السلطة، هذا فضلًا عن منافسته له في العاصمتين السياسية والاقتصادية للبلاد.

ففي العاصمة نواكشوط، التي تحظى بالثقل الانتخابي الأكبر على مستوى البلاد، حاز حزب تواصل على أكثر الأصوات، بنسبة تصل إلى 23.79% بينما حلّ الحزب الحاكم بعده ثانيًا بفارق 1% تقريبًا، وهي نتيجة دالة على مستوى تغير الموازين الشعبية في العاصمة السياسية للبلد. وبتلك النتيجة حصد "تواصل" ذو المرجعية الإسلامية على تمثيل 3 نواب من أصل 18 نائبًا يمثلون العاصمة نواكشوط في البرلمان الموريتاني.

أما على مستوى اللائحة الوطنية، التي تتنافس فيها الأحزاب على 20 مقعدًا برلمانيًا، حصد حزب تواصل على 3 مقاعد، وفي اللائحة الوطنية للنساء استطاع الحصول أيضًا على 3 مقاعد برلمانية من أصل 20 مقعدًا مخصصًا للنساء في البرلمان. وبذلك يكون الحزب قد حصل على 9 مقاعد برلمانية، على مستوى نواب العاصمة نواكشوط، ونواب اللائحتين الوطنيتين. هذا فضلًا عن عدة مقاعد برلمانية على مستوى الولايات الداخلية، وصلت إلى 4 مقاعد.

ومن المتوقع أن يحصد الحزب 20 مقعدًا برلمانيًا من مجموع مقاعد البرلمان الموريتاني التي يصل عددها إلى 157 مقعدًا. وبذلك يكون الحزب قد تجاوز عدد المقاعد التي حصدها في آخر انتخابات تشريعية سنة 2013، التي حلّ فيها ثانيًا بـ16 مقعدًا.

لقد أصبح من المؤكد أن حزب تواصل سيكون رقمًا صعبًا في المعادلة السياسية الموريتانية، بفضل قاعدته الانتخابية الآخذة في التمدد؛ لكنّ مرجعية الحزب الفكرية وارتباطه بتجربة الإسلام السياسي ذي الخلفية الإخوانية، تفرض عليه مجموعة من التحديات والمشكلات، في ظل سياق سياسي يتّسم بالتوتر والتوجس تجاه كل ما يمثل هذا التيار، وفي هذا الإطار بدأ بعض الخصوم السياسيين، من موالاة النظام السياسي الموريتاني الحالي، يُلوّحون بخيار حلّ الحزب تجنّبًا لما أسموه "تغوّل الإسلام السياسي". وهذا سيناريو لا تحتمله البلاد، بحال من الأحوال، بعد تجاوزها لمرحلة تصفية الخصوم من خلال منع الترخيص القانوني لنشاطهم السياسي.

لكن التقارب الحاصل بين النظام الموريتاني الحالي ومحور السعودية والإمارات المعادي للإسلام السياسي، يُبقي تلك الفرضية قائمة، خاصة إذا ما استشعر النظام تجاوز الحزب للخطوط المرسومة له على مستوى التمثيل السياسي. ما يدفع متابعين للتساؤل عمّا إذا كان النظام الموريتاني سيقطع الطريق أمام صعود حزب تواصل بسبب خلفيته الفكرية وتنامي قاعدته الحزبية. 

ورغم أن حزب تواصل يحرز إنجازات سياسية معتبرة بالنظر إلى تجربته السياسية القصيرة نسبيًا، لكن ذلك، حسب مراقبين، لا ينبغي له أن يجعلنا نغض النظر عن محدودية تلك الإنجازات بالمقارنة مع السطوة التي ما تزال أحزاب السلطة تحظى بها، ففي النهاية لن تتجاوز حصة الحزب في الانتخابات التشريعية الموريتانية نسبة 12% في أحسن الأحوال، وهي قريبة من النسبة التي حققها في آخر انتخابات تشريعية سنة 2013.

ومع أن قاعدة الحزب الشعبية تتوسع بفضل انضباطه التنظيمي ونزوله الميداني، لكنّ ذلك لا يجعل بمقدوره الوصول إلى تحقيق أغلبية برلمانية مثلًا، على الأقل في الأجل المتوسط.

حزب الاتحاد من أجل الجمهورية وتحدي الحصول على الأغلبية المطلقة

بخلاف ما كان متوقعًا، يبدو أن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، لم يتمكّن من حسم تحدي الانتخابات التشريعية والمحلية، الجهوية والبلدية، في الشوط الأول، بل ظهر الحزب في موقف ضعيف في عدد من المناطق التي كانت محسومة لصالحه في الاستحقاقات الماضية.

كان حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم قد أعلن قبل الانتخابات بأن قاعدة منتسبي الحزب وصلت إلى أكثر من مليون مواطن موريتاني، لكن نتائج الانتخابات أظهرت أن الحزب لم يحصل حتى على 20% من ذلك العدد الكبير. وعلى الرغم من خوض الحزب لحملة سياسية قوية، ومشاركة الوزراء فيها إضافة إلى رئيس البلاد، إلا أن نتائج الحزب تبدو هزيلة مقارنة بالإمكانيات المرصودة.

اقرأ/ي أيضَا: الشباب.."ديكور" الأحزاب والحكومات في موريتانيا

فعلى مستوى اللائحتين الوطنيتين للنواب لم يتجاوز الحزب عتبة 20% بينما على مستوى لائحة العاصمة نواكشوط وصلت نسبة أصواته إلى 12.67% فقط.،حاصلًا بذلك، حتى الآن، على 11 مقعدًا فقط على مستوى اللوائح الرئيسية.

لكن الحزب أظهر تفوقًا كبيرًا على معارضيه في معظم الولايات الداخلية، حيث أوصلت تلك الولايات مقاعده البرلمانية في الشوط الأول فقط إلى أكثر من 60 مقعدًا.

السؤال الذي يؤرّق بال الكثير من الموريتانيين، هو ماذا سيحدث في انتخابات 2019 الرئاسية؟ هل سيحترم الرئيس الحالي الدستور أم ينتهكه؟

ومع ذلك تبقى النسبة التي تحصل عليها الحزب دون الأغلبية البسيطة، بل لا تتجاوز 42% في أحسن الأحوال. وهي النسبة التي سيبقى الحزب في سقفها حتى بعد خوض الشوط الثاني من الانتخابات التشريعية.

ماذا عن 2019 في ضوء نتائج انتخابات 2018؟

السؤال الذي يؤرّق بال الكثير من الموريتانيين، هو ماذا سيحدث في انتخابات 2019 الرئاسية؟ هل سيحترم الرئيس الحالي الدستور ويمضي إلى شأنه دون انتهاك وتغيير الدستور؟

للانتخابات الحالية دور كبير في تقديم إجابة على تلك الأسئلة، أو الهواجس على الأصح، وما يمكن استنتاجه، من خلال النتائج المعلنة في التشريعيات، أن الرئيس وحزبه لا يملكون بمعايير القوة الشعبية ما يؤهّلهم لتغيير الدستور بواسطة الاستفتاء أو عن طريق البرلمان.

في ظل سياق إقليمي ودولي غير مشجع على الانقلابات، وفي ظل تعبير شعبي واسع عن رفض انتهاك الدستور، تُصبح فرضية المأمورية الثالثة غير واردة بالطرق الدستورية والسياسية العادية والطبيعية، وهو الأمر الذي لا يمكن الحسم حوله في أي حال من الأحوال.

 

اقرأ/ي أيضَا: 

الحوار السياسي الموريتاني.. حلبة تفكيك المعارضة

الأزمة السياسية في موريتانيا والحوار المرتقب