18-سبتمبر-2018

أظهرت نتائج الانتخابات الموريتانية رفضًا متزايدًا للتعديلات الدستورية (رويترز)

تميزت انتخابات موريتانيا التشريعية والمحلية لهذا العام بمستوى عال من التنافسية، نظرًا لمشاركة جميع القوى السياسية في السباق الانتخابي، ونظرًا للّحظة الفارقة التي تمر بها البلاد، على مستوى تحدي التناوب السلمي على السلطة، دون انقلاب عسكري، أو انقلاب على الدستور وقواعد اللعبة السياسية، التي تمت صياغتها للخروج من الأزمة التي عصفت بالبلاد، عقب الانقلاب على أول رئيس مدني منتخب.

كان تحدي المعارضة في الانتخابات الموريتانية هو تجاوز نسبة الثُّلث المعطِّل للوقوف أمام أي تغيير للدستور الحالي تحت قبّة البرلمان، لكنها لم تنجح في تحقيق ذلك الهدف

هزيمة بطعم الفوز لأحزاب المعارضة السياسية

بحسابات الأرقام تكبّدت أحزاب المعارضة السياسية الموريتانية خسارة كبيرة، حيث لم تحصل مجتمعة إلا على 39 مقعدًا من مقاعد البرلمان، بنسبة لا تتجاوز 24% وهي أقل من نسبة الثُّلث المُعطِّل في البرلمان الموريتاني.

كان تحدي المعارضة في الانتخابات البرلمانية هو تجاوز نسبة الثُّلث المعطِّل للوقوف أمام أي تغيير للدستور الحالي تحت قبّة البرلمان، لكنها لم تنجح في تحقيق ذلك الهدف، لأسباب عدة. وقد ردت ضعف نتائجها إلى التأثير الذي مارسته السلطة التنفيذية على إرادة الناخبين، إضافة إلى توظيف موارد الدولة والمال السياسي في شراء الذمم والتزوير، هذا فضلًا عن استحداث آليات جديدة للالتفاف على إرادة الناخبين، تمثلت إحداها فيما سُمّي بظاهرة الاستيطان الانتخابي، الذي ساهم في ترجيح كفّة الحزب الحاكم، شعبيًّا، في المناطق التي كان يخشى الخسارة فيها.

اقرأ/ي أيضَا: الجولة الثانية من الانتخابات الموريتانية.. عزوف وتوازنات قبلية

بناءً على ذلك اعتبرت المعارضة على لسان القيادي البارز فيها محمد ولد مولود، رئيس حزب اتحاد قوى التقدم، بأن ما حدث هو "اختطافٌ للمسلسل الانتخابي ونهبٌ لأصوات المواطنين".

في الانتخابات المحلية فشلت المعارضة السياسية الموريتانية في حصد أي مجلس من المجالس الجهوية الثلاثة عشر، على مستوى كامل التراب الوطني الموريتاني، مع حضور يمكن أن يوصف بالمتوسط في المجالس البلدية.

لكنّ أهمّ ما حقّقته المعارضة السياسية الموريتانية تمثّل في التحالف والتكاتف الذي أبدته في الشوطين الأول والثاني من الانتخابات، حيث نافست بلوائح مشتركة في أكثر من منطقة ودائرة، ونجحت في إنتاج خطاب سياسي موحّد مكّنها من استقطاب شريحة واسعة من المصوتين، خاصة من فئة الشباب وفئات الأوساط المدينية بشكل عام. هذا فضلًا عن حصولها على أكبر عدد من الأصوات في اللوائح الوطنية التي تعكس تمثيلًا شاملًا للبلاد.

وبالتالي يمكن القول بأن الخطاب السياسي المعارض، الذي يتمحور حول فكرة التصدي لانتهاك الدستور، يحظى بقبول كبير على المستوى الوطني.

الحزب الحاكم.. انتصار بطعم الخسارة

تحصّل الحزب الحاكم على أغلبية مريحة نوعًا ما في البرلمان، وإن كانت دون أغلبية الثُّلثين التي كان يطمح إلى تحقيقها. حيث تحصل الحزب في البرلمان على 93 مقعدًا برلمانيًا، بنسبة تصل إلى 59% من مجموع مقاعد البرلمان الموريتاني.

جاءت تلك النسبة نتيجة للترشيحات المُغاضِبة، التي شقّت وحدة الحزب، بعد أن ضاق ذرعًا بالنزاعات الداخلية على الترشح؛ وبعد أن عجز عن إدارة التوازنات القبليّة، المشكِّلة لجزء كبير من قاعدته. الأمر الذي أدّى إلى ظاهرة الترشيحات المُغاضِبة، التي كانت محلّ انتقادات شديدة اللهجة من الرئيس الموريتاني، وصلت إلى درجة تشكيكه في ولاء موالاته من خارج الحزب الذي أسّسه.

تمثّل أهمّ ما حقّقته المعارضة السياسية الموريتانية في التحالف والتكاتف الذي أبدته في الشوطين الأول والثاني من الانتخابات، حيث نافست بلوائح مشتركة في أكثر من منطقة ودائرة

تحظى موالاة الرئيس من خارج الحزب الحاكم بثقل انتخابي معتبر، حيث تمكّنت الأحزاب المحسوبة على الموالاة من الحصول على 29 مقعدًا برلمانيًا بنسبة 18% من مجموع مقاعد البرلمان الموريتاني. وهي نسبة كافية لتحقيق أغلبية الثلثين في البرلمان بإضافتها للنسبة المتحصّل عليها من طرف الحزب الحاكم لوحده.

اقرأ/ي أيضَا: انتخابات 2018.. رهان موريتانيا على مصيرها

لكن تلك النسبة غير مضمونة بما يكفي، خاصة إذا وُضع في الاعتبار التمرد الذي قام به الشيوخ المحسوبون على النظام في البرلمان سنة 2017، وهو التمرد الذي حال دون تمرير التعديلات الدستورية. وهو سيناريو من المحتمل أن يتكرّر إذا عمد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز إلى القيام بتعديلات دستورية جديدة تتيح له الترشح لمأمورية ثالثة.

كسر حلقة السلطوية.. تحدّي موريتانيا 2019

 كسر السلطوية هو تحدي موريتانيا الحالي؛ وهو نفسه التحدي الذي يواجه نخبتها السياسية في المعارضة والموالاة على حد سواء. وكما يرى مراقبون ومعارضون، فإن الخلاصة التي يجب استنتاجها من انتخابات 2018، هي أن كُلفة السلطوية أعلى بكثير من كُلفة الديمقراطية. فبقاء السلطوية في البلد يعني استمرار الدوران في حلقة مفرغة من الفشل السياسي والتنموي وحتى الاجتماعي.

الجماعة الوطنية الموريتانية بحاجة ماسة إلى عقد اجتماعي ديمقراطي جديد يقطع مع السلطوية السياسية بشتى أشكالها. فهل تعي النخب السياسية الدرس وتستوعبه بغض النظر عن حسابات الفوز والخسارة؟

 

اقرأ/ي أيضَا: 

نتائج الانتخابات الموريتانية.. هل قطعت الطريق أمام التعديلات الدستورية؟

الأزمة السياسية في موريتانيا والحوار المرتقب