05-مارس-2020

كانت خسارة ساندرز غير متوقعة (Getty)

لم تخرج نتائج ليلة الثلاثاء الكبير، وهي أهم محطة انتخابية في التمهيديات الأمريكية، عن الصراع الثنائي لأهم مرشحين؛ ساندرز/ بايدن. فيما أكد نائب أوباما السابق عبر نتائجها استفاقته الأخيرة، ليحوز صدارة السباق. مع تقهقر بيرني ساندرز إلى المركز الثاني حاصدًا الفوز في أربع ولايات من أصل 14، متأثرًا بالمتغيرات التي طرأت مؤخرًا، أي خروج كل من بيت بوتجيج متصدر ولاية أيوا وإيميلي كلوشبار وصيفة نيو هامبشاير من السباق، بل ودعمهما المنافس الرئيسي للسيناتور اليساري.

عرف السيناتور التقدمي بيرني ساندرز انتكاسة غير متوقعة، هو الذي قاد السباق منذ بدايته، لم يحصد من الثلاثاء الكبير إلا الفوز في 4 ولايات من أصل عشرة: فيرمونت، كولورادو، كاليفورنيا ويوطا

ليلة بايدن الجميلة

"إنها ليلة جميلة.. ولهذا ندعوها ليلة الثلاثاء الكبير"، هكذا قال المرشح الرئاسي الديمقراطي ونائب أوباما السابق، جو بايدن، وهو يحتفل أمام جمع من مناصريه بلوس آنجلس. ليضيف أنه "في الأيام الماضية تتابعت الصحافة في وصف حملتنا بالميتة، ولقد قالوا لي إن الأمر سينتهي عند الثلاثاء الكبير"، ربما كانوا يقصدون أمر المرشح الآخر. وليذهبوا ويخبروا بذلك أصدقاءنا الآن في فيرجينيا، ألاباما، كارولاينا الشمالية، تينيسي، أوكلاهوما وربما ماساشوستس، فكذلك نحن نتقدم فيها".

اقرأ/ي أيضًا: اقرأ/ي أيضًا: ليلة الثلاثاء الكبير.. الوسطيون يقودون بايدن لصدارة المرشحين الديمقراطيين

بهذه الكلمات زف بايدن اكتساحه المفاجئ لنتائج الثلاثاء الكبير، ومع بداية عملية فرز الأصوات توالت الولايات التي أعلنت تصدره انتخاباتها. كانت الأولى ولاية فيرجينيا، التي حصد فيها المرشح الرئاسي 53.2 في المئة من الأصوات، و66 مندوبًا لحد الآن.

تليها كل من كارولاينا الشمالية حيث تحصل فيها على 43 في المئة من الأصوات، وألاباما بـ 63.2 في المئة و40 مندوبًا لحد الآن. في أركنساس والتي التباري فيها على 31 مندوب، حصد بايدن 16 بـ 40 في المئة من الأصوات. أما في مين تحصل على 8 مناديب من أصل 24 و34 في المئة من الأصوات. وتنينيسي هي الأخرى أعلنت فوز بايدن بـ 41 من الأصوات، و28 مندوبًا.

في ولاية تكساس احتدام الصراع بين بايدن وساندرز، حيث عرفت عملية الفرز في أكثر من مرة تبادلًا للأدوار بين المترشحين، وفارقًا ضيقًا أعلن به الفوز في النهاية لصالح بايدن بـ 33.6 في المئة، مقابلَ 30.1 في المئة من الأصوات التي حصل عليها ساندرز. تحصل فيها الأول، إلى حد كتابة هذه السطور، على 70 مندوبًا من أصل 228 المتبارى عليها. وفي مينيسوتا كذلك،  ورغم استفادَة نائب أوباما السابق من دعم المرشحة السابقة بدورها وسيناتور الولاية، إيمي كلابوشار، إلا أن تقدمه على مطارده كان صغيرًا، حيث فاز بـ 38 في المئة من الأصوات و38 مندوبًا، مقابل الـ 26 مندوب التي تحصل عليها ساندرز من ذات الولاية.

لتنتهي الليلة بفوز كبير لبايدن، بعشر ولايات مقابلَ أربعة لغريمه، ومتصدرًا الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي، بنتائج عامة عادلت الـ 453 مندوبًا كحصيلة، 399 حصدها من الثلاثاء الكبير.

كاليفورنيا تنقذ آمال ساندرز

من جانبه، عرف السيناتور التقدمي بيرني ساندرز انتكاسة غير متوقعة، هو الذي قاد السباق منذ بدايته، لم يحصد من الثلاثاء الكبير إلا الفوز في 4 ولايات من أصل عشرة: فيرمونت، كولورادو، كاليفورنيا ويوطا. بيرني الذي حافظ على معنوياته مرتفعة وهو يحتفي بهذا الانتصار الصغير، في الولاية التي ينوب عنها في مجلس الشيوخ، مخاطبًا جمهور فيرمونت بالقول: "في هذه الليلة سنفوز بترشيح الحزب الديموقراطي، وسنواصل طريقنا لدحر أخطر رئيس في تاريخ البلاد".

صابًا جام انتقاده على المؤسسة أضاف ساندرز: "هذه الحركة الجذرية التي أسسناها بحملتنا، لا تناهض فقط المؤسسة الاقتصادية والنخبة المالية، بل تقف ضد المؤسسة السياسية. وسنفوز لأن الشعب يفهم أن هذه الحركة حركته، وأننا وحدنا القادرون على دحر ترامب". ومهاجمًا بايدن وبلومبرغ قال: "هناك مرشحٌ صوت لصالح قوانين تهدد مناصب شغل الطبقة العاملة وصوت كذلك لصالح البنوك في قوانينها التي تضيق القدرة الشرائية للمواطن، في حين أنا عارضت كل هذا.. ومرشح آخر يصرف مئات ملايين الدولارات لشراء الترشيح، أقول له انتخاباتنا ليست للبيع".

كان من المتوقع فوز ساندرز في ولاية فيرمونت، هو الذي تدرج من عمدة لها إلى سيناتور عنها في مجلس الشيوخ. هكذا منحته الولاية 50 في المئة من الأصوات، و11 من مناديبها. يوتا منحت بيرني ساندرز الفوز كذلك، بنسبة تعدت الـ 34.6 في المئة من الأصوات، و9 مناديب من أصل 29 إلى حدود فرز 70 بالمئة من الأصوات. وتصدر السيناتور التقدمي تمهيديات ولاية كولورادو، بحصوله على 36 في المئة من الأصوات، و20 مندوبًا.

فيما حافظت أكبر ولاية في البلاد، كاليفورنيا، على حظوظ بيرني ساندرز قائمة في الفوز بترشيح الحزب الديموقراطي، هذه الولاية التي تمنح عدد 415 مندوبًا، حصد ساندرز منها على 155 مقابل 93 لبايدن، عند حدود فرز 90 في المئة من الأصوات، مانحة سيناتور فيرمونت أكثر من مليون صوت. حيث كان من الممكن، مقارنة بعدد الولايات التي فاز بها الغريمان، أن يبتعد بايدن عن مطارده بفارق كبير، لكن فوز كاليفورنيا جعل بيرني شبه لصيق بالمتصدر، بفارق لا يزيد عن 60 مندوبًا في الترتيب العام.

فارقٌ تقرأ فيه مجلة جاكوبين استطاعة بيرني على استدراكه، ويحاجج كاتبها في مقالٍ عنونه بـ "لا زال بيرني ساندرز قادرًا على الفوز بالترشيح الرئاسي"، على أن مرشح "المؤسسة الديموقراطية"، جو بايدن، أبان عن ضعف جعل الشكوك تحوم حول لياقته العقلية، خاصة وهو يخلط أمام جمهوره بين أخته وزوجته. وأن الدعم الذي قدمه له المترشحون الثلاثة الذين انسحبوا من السباق، لن يدوم في الولايات القادمة، كنيويورك وميشيغان، وأن تبريرات التصويت لصالح بايدن للحفاظ على الوحدة داخل الحزب لن تدوم وهو وجهًا لوجه مع بيرني ساندرز. بالمقابل يؤكد أنه على سيناتور فيرمونت الضغط بكامل مشروعه، وأن يستغل هفوات غريمه لشن هجمات مركزة بإمكانها أن تعوض تقهقر ليلة الثلاثاء.

وارن تتعرض للإدلالٍ في عقر دارها

أحدُ أبرز الخاسرين من الثلاثاء الكبير كانت إليزابيث وارن، أو " بوكاهونتاس" كما دأب أن يدعوها ترامب، والتي خرجت منه بنتائج ضعيفة لم تتعد فيها المركز الثالث، ولم تتحصل إلا على 53 مندوبًا من أصل 1344 المطروحة للتباري خلال هذه المحطة الانتخابية. كما في خمس ولايات لم تتعد المرشحة عتبة الحصول على أي مندوب.

لم تقف خسائر وارن عند هذا الحد، بل عاشت ما وصفه مراقبون بـ "الإدلال الكبير"، وهي تجد نفسها خارج التسابق على المركز الأول في عقر دارها، أي ولاية ماساتشوستس التي تنوب عنها في مجلس الشيوخ. مع ذلك استمرت في اللقاء الخطابي الذي أقامته ليلتها بميشيغان في الحشد لمشروعها، مستفيضة في سرد قصة حياته التي والمفترض أن تكون حزينة لدغدغة شعور الحضور. في رسالة واضحة: سأستمر في السباق رغم أنني لم أربح ولا محطة انتخابية إلى حد الآن.

فيما يحيلنا مقالٌ نشره موقع politico، إلى الضغوطات التي تعيشها سيناتورة ماساتشوستس، بداية من العجز المالي الذي تعرفه حملتها والتي تشغل ما يعادل 1000 موظف، فيما تتخطى مصروفات إدارتها الشهرية الـ 6 مليون دولار، ما يعني أن استمرارها في السباق قد يدخلها في ديون ثقيلة. كما تحول السباق إعلاميًا إلى ثنائي بين بايدن وساندرز، يتساءل المقال: إذا ما بقية حاجة في مرشح ثالث يصف نفسه كـ "تقدمي"؟

وعلى تويتر، يرصد المقال، العديد من أعضاء حملة وارن وهم يتبادلون الانتقادات اللاذعة حول ما إذا كان الدعم المالي لوارن يتناقض وما تدعيه. فيما صمت البعض الآخر من الأعضاء، ما يرجعه المقال إلى الإحباط العام من الخسارة الذي يسود فريق إليزابيث وارن.

بلومبرغ: حملة قصيرة وخسائر بأثمان باهظة

الكل كان ينتظر دخول مايكل بلومبرغ السباق الانتخابي خلال الثلاثاء الكبير، بعد أن أخّر المرشح الرئاسي السابق نزوله المعركة بأربع محطات. خاصة و تاسع أغنى رجل في العالم يحطم أرقام قياسية في تمويل حملته، والتي فاقت الـ 600 مليون دولار. والنتيجة، أن هذا الأخير لم يتعد بدوره المركز الثالث، ولم يتعد عدد مندوبيه 53. وبالتالي هو أكبر خاسر للمجهود المادي أولًا، والسباق الانتخابي بعد ذلك.

"لقد دخلت السباق لأطيح بدونالد ترامب، وها أنا الآن أغادره لنفس السبب: الإطاحة بترامب. لأنه من الواضح أن بقائي سيحول دون بلوغ ذلك الهدف"، هكذا أعلن بلومبرغ انسحابه من الانتخابات، في لقاء خطابي أقامه بمانهاتن، منهيًا بذلك حملة لم تدم إلا ثلاث أشهر قصيرة. مضيفًا أنه توصل لهذا القرار بعد النتائج التي أفرزت عنها انتخابات الثلاثاء الكبير، وتوضح له أن "حسابات المناديب مستحيلة لأن تخول له حيازة الترشيح الديموقراطي"، خاتمًا خطابه بالتأكيد على دعمه للمرشح جو بايدن.

مايكل بلومبورغ الذي، وطوال حملته، دأبت الصحافة الرائجة بالبلاد على تصويره كمرشح "لا أيديولوجي وسطي معتدل"، "البراغماتي الواضح" أو "راعي الأعمال الخيرية". بل وذهبت بعضها، كما في حالة نيويورك تاميز، إلى وصفه بـ "برجل النزاهة والوحدة الوطنية المستعد دائمًا لمد يد التعاون إلى الآخرِ… والمرشح الذي يعرف كيف ينجز الأمور".

كل هذه أوصافٌ جميلة، فيما تبقى مطابقتها لحقيقة الملياردير الأمريكي محط سؤال، خاصة ونحن نرى مئات الملايين من الدولارات التي صرفتها حملته على الإعلانات. هذا من جانب، ومن جانب آخرَ كون هذه الصورة التي حاولت الصحافة جاهدة رسمها، تتناقض بشكل صارخ وسجل الرجل المثير للجدل.

تاريخ من التقلبات والمواقف المثيرة للجدل.. من هو جو بايدن؟

"مايكل بلومبرغ، الملياردير عمدة نيويورك السابق، هو الآن حرفيًا يضخ مئات ملايين الدولارات ليصبح بالنسبة للديمقراطيين جو بايدن الجديد. المثير في الأمر هو شهرة الرجل، الذي ولسنتين فقط كان منتميًا للحزب الجمهوري" يقول دان لابوتز، الأكاديمي والنقابي الأمريكي، في مقابلة سابقة مع "ألترا صوت"، شرح فيها دوافع حملة المرشح. محيلًا إيانا إلى إحدى غرائب الأحداث، والمرشح الذي كان بالأمس داعمًا لترامب في حملته، خاض ذات الثلاثاء الانتخابي الكبير السباق لإسقاطه بجبة ديموقراطية.

بلومبيرغ، المرشح الذي كان بالأمس داعمًا لترامب في حملته، خاض ذات الثلاثاء الانتخابي الكبير السباق لإسقاطه بجبة ديموقراطية

لا يقف الجدل في شخصية بلومبرغ عند هذا الحد، كما يضيف لابوتز قائلًا: "أثناء حكمه لنيويورك عراب مشروع أوقف وفتش العنصري، الذي يتيح لشرطة المدينة ودون أي سبب توقيف أي شخص وإخضاعه للتفتيش عن السلاح، هذا التفتيش كان يستهدف تحديدًا الأقليات السوداء واللاتينية بالولاية. لديه كذلك سوابق في الاستغلال الجنسي للعاملات في شركاته، اللائي كان يجبرهن على توقيع التزامات بعدم التبليغ عن تلك القضايا". فيما تتحدث تقارير كثيرة عن تاريخ كامل للرجل تطبعه الإسلاموفوبيا. كل هذه القضايا ترسم للمرشح الديموقراطي السابق بروفايل أوليغارشي كامل المعالم، ينصب نفسه بسلطة المال والأعمال فوق كل قانون وإنسان.