05-يوليو-2016

من المسلسل

كانت علاقة الدراما السورية بما يحدث في سوريا رهانًا حاسمًا، استطاعت من خلاله في أحيان كثيرة تقديم نموذج صارم، يعالج الحدث السياسي بمقولات فنية واضحة ومنضبطة، لكنها في مواضع كثيرة أيضًا، انجرت إما لتقديم بيان سياسي، فلعبت أدوار النظام وحملت سرديته بمباشرة عالية، أو أنها لم تنظر إلى الأزمة أصلًا، ولم تتطرق إليها. 

لا تظهر الأحداث السورية الجارية في "نبتدي منين الحكاية" إلا من خلال قطع الكهرباء

في الموسم الأخير، يظهر هذا النموذج بوضوح، فلا يتعرض إلى ما يحدث إلا بالصدفة، كأي نقاش عابر يحدث عن مباراة كرة قدم بين شخصيتين. وفوق أن هذا النموذج لا يتعرض للمواضيع التي ترتبط بالحدث الذي قتل مئات الآلاف وشرد ضعفهم، فإنه يعالج مواضيع تتناقض مع وجود الحدث نفسه، وتسير إلى إنكاره. 

اقرأ/ي أيضًا: عن واقعية الدراما السورية بعد موسم مخيّب

في مسلسل "نبتدي منين الحكاية" من إخراج سيف الدين السبيعي وسيناريو فادي قوقشجي، وبطولة غسان مسعود وسلافة معمار. المسلسل الذي صوّر في سوريا، وتجري أحداثه هناك. لا تظهر سوريا السنوات الخمس الأخيرة في العمل بالمرة، حتى يتساءل المشاهد للوهلة الأولى هل هذه دمشق فعلًا؟

يعرض المسلسل قصة حب لا تظهر فيها سوريا إلا بمطاعمها، ولا تظهر الأحداث الجارية إلا من خلال قطع الكهرباء الذي يتم التنويه له كل مجموعة حلقات. بكل بساطة، يصر العمل على طرح موضوع المحسوبية والواسطة بالضبط مثل كأنه يطرحها قبل الأزمة، وبطريقة عابرة، متجاوزًا علاقتها ببنية النظام القائم بالثورة الجارية عليه. 

يتطرق العمل للفساد كأنه خلل ثقافي أو أزمة عادات وتقاليد. مع تمجيد سيتكرر على ما يبدو، لشخصية رجل الأمن السوري الذي يواجه هذه العادة. وحتى هذا النقاش يمر عابرًا في حوارات شخصيات تبدو أكبر مشاكلها عاطفية، أو خلافاتها الشخصية مع شركاء وأصدقاء.

يتطرق "نبتدي منين الحكاية" للفساد كما لو أنه خلل ثقافي أو أزمة عادات وتقاليد

بهذه الطريقة حاول القائمون على العمل أن يقدموا عملًا محليًا، ظنًا أنهم نجحوا بذلك بمجرد وضع اسم دمشق مع تاريخ 2015 أسفل الشاشة كل نصف حلقة، وأظنهم كانوا بحاجة إلى هذا التأكيد، كما يحتاجه المشاهد ليتذكر أن الأحداث تجري في دمشق فعلًا، ولا أظنها ستختلف لو كانت في أي مكان آخر. ما يحدث في هذا العمل لا يتعدى ادعاء تقديم عمل محلي، من دون أن يكون فيه أي صفة محلية، وادعاء تقديم عمل يتباهى صناعه بمكان تصويره، من دون أن يظهر المكان أو يظهر تأثيره بالمرة.

اقرأ/ي أيضًا: نبتدي منين الحكاية.. دراما الطبقة المخملية السورية

فنيًا، يستند العمل إلى بناء صار تكراره مرهقًا في الفترة الأخيرة، إذ يعتمد على الاسترجاع الفني أو الفلاش باك بطريقة نمطية وغير مقنعة، حيث يبدو هناك تركيب واضح وغير متماسك لمشاهد يتذكر من خلالها الأبطال الماضي الذي كان مادة القصة الأساسية، فيحدث حدث لا أهمية له بالمرة في عام 2015، فقط من أجل أن تتذكر الشخصية ما حدث في 2006 مثلًا، بالتالي كان الانفصال بين أزمنة العمل واضحًا وفجًا، يُفقد المشاهد تركيزه، ما جعل القائمين على العمل مضطرين إلى وضع التاريخ في كل مرة، مع كل انتقال من زمن إلى آخر.

إضافة إلى ذلك، لم تكن هناك أي مراعاة للأزمنة المختلفة في التصميم سواء الداخلي للشخصية (طريقة الحوار، قاموس المفردات، إلخ) أو التصميم الخارجي (المكياج، طريقة اللباس، كيف يظهر عمر الشخصية). فتظهر الشخصية في مشهدين بينهما 15 سنة، من دون أي تغيير.

بشكل عام، ورغم أن العمل جمع بين مجموعة من الممثلين الأوائل في الدراما السورية على غرار غسان مسعود وسلافة معمار ومحمد قنوع وجلال شموط وغيرهم، إلا أننا نستطيع بثقة كثيرة أن نقول، إن هذا العمل واحد من الأعمال التي خيبت آمال كثيرين هذا الموسم، خيبة أمل يضاعفها اشتراك مثل هؤلاء الممثلين المميزين في العمل. 

اقرأ/ي أيضًا:

مسلسل الندم.. زمن الخراب دائري

الدراما السورية منشغلة بالتطرف