30-يونيو-2016

نهاد الترك/ سوريا

كلّ نافذة في عيني إطارٌ للوحٍ جديدٍ 
ملونٍ أو مقشعرّ بالأسود والأبيض، وبالخراب
نافذةٌ فيها قرميدٌ أحمرُ للمدينة الوردية التي أحيا فيها..

نافذة على صياغات الكنائس والهالات السّود وهي تنزل منها على الأنهار.. 

نافذة على البناء القديم يكاد ينطق، 
مولودًا في بدايات تكوينهِ لكنْ لسانه انعقدَ 
على سلاسل التاريخ، وصار قلبه غبارًا يزقزق كما الأساور..

نافذة على الشارع الطويل المشجَّر مثل أسنان المشط
رغم أني لم أمشِ فيه يومًا إلا واستحال نهرًا وعبّأني بزغب الطيور الواقعة فيه منذ القِدم..

نافذة ملأى بالسناجب تفتح أصواتَها على صمتي في الليل لما يسودّ بندق الظلام وتعلو الخفقات فوق مستوى القلب..

نافذة مرسومة على لوحة في منزلنا ومنها يطلُّ جسد امرأة يرقص 
بثوبٍ من ريش أحمر 
وساقين من خشب..

نافذة فيها شجرةُ برتقال تتكدّس بالأرجوان أواخرَ الشتاء 
مثل الحفاة
ثم تتساقط ولا يلحظ أحدٌ فضاءَها، 
سوى مَن يعصرُ آخرَ الثمر 
وينتهي في التربة مع النباتات وهي تنمو وتترنّح بين الفصول.. 

نافذة تطلّ على مزارات الرعد في القرية 
شقٌّ طويلٌ على بطن السماء 
من أين خرج زبد الولادة وملأ سرّة الغيمة حتى طافت وطافت 
على الأرض؟

نافذة مشقوقة بين رمّانتين وفيهما يهتز الزهر 
ويتنهّد كلما غرق الماء المالح 
وكلما ارتفعت شهوتاهما زهرًا طافيًا على الماء..

نافذة تنضحُ بالخردة وبالحجر الصامت 
عينهُ على المجزرة 
جمرهُ كرزٌ معتّقٌ تداخل فيه السنجار بالأسى حتى صار رجلًا 
ومشى،
ونافدةٌ تحمل ظلَّهُ 
وتغلقُ على أصابعها الدَّرفةَ..

نافذة تتعرّى حتى تصيرَ بحيرةً 
ثم تغمرُ أعضاءَها بالبطِّ والخيزران 
وبين ضربةٍ وقبلةٍ 
تنزل نقاطُ الثلج مرايا 
وتمرُّ الريح رجلًا بساقين لا تتوقفّان
ولا ترسمان ملامحَ
على هوامشها..

نافذة على عيني ومنها البؤبؤ يحطُّ ويطير ويحملني 
ضمن الحيطان 
وفوق قماشِ اللوحات 
على حوافّ الدهشة 
هي ذلك الطائر الذي كلما اقترب ابتلعته الألوان وصار يتحرّكُ 
على خفِّة اليد التي ترسم.. 

اقرأ/ي أيضًا:

ذاكرة مزدحمة

رسالة انتحار شاعر لن ينتحر