21-أكتوبر-2015

أحمد فلاح/ العراق

في ظهيرة الحادي والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1963، قطعت إذاعة بغداد بثها. أغلب العراقيين كانوا يعتمدون على الراديو في معرفة الأخبار. المستمعون تفاجئوا بالانقطاع وهم ينتظرون ماذا سيُذاع. كثيرون منهم اعتقدوا أن البيان رقم واحد سيُقرأ على مسامعهم. بكل تأكيد ينتظرون البيان لأنهم في بلد الدم والانقلابات. فهم قبل أشهر قليلة خرجوا من أزمة الثامن من شباط/ فبراير التي انقلب فيها البعثيون على الزعيم عبد الكريم قاسم، الذي سبقهم بانقلاب على النظام الملكي وإعلان جمهورية العراق.

ولد ناظم الغزالي يتيمًا مع ولادة الدولة العراقية عام 1921، وعاش مع أم ضريرة تصارع قسوة الفقر

أذيع على العراقيين نبأ وفاة المطرب ناظم الغزالي. كان الغزالي قد وصل قبل يوم قادمًا من بيروت بسيارته الخاصة مع أحد أصدقائه، بعد رحلة مع زوجته سليمة مراد التي فضلت العودة عبر الجو. صُدم العراقيون آنذاك بخبر وفاة الغزالي، فهو المطرب العراقي الأول الذي عبر صوته الحدود، ليصل إلى الوطن العربي وللمغتربين في أمريكا وأوروبا.

اقرأ/ي أيضًا: إعزيزة.. تمائم أرض السواد

قبل وفاته بأشهر كان الغزالي قد شارك في حفلات فنية في الكويت مع عدد من المطربين أبرزهم نجاة الصغيرة ووديع الصافي، الذي طلب بحسب ما كُتب عن تلك المشاركة، من أحد أعضاء الفرقة الموسيقية الخاصة بالغزالي أن يكون هو من يختم الحفلة. كان اليوم الأول من الحفلة قد بدأ بغناء الغزالي، حينها أدهش الحاضرين بدفء صوته، وبعد انتهاء فترته تعالت الأصوات بضرورة عودته من جديد. لهذا كان طلب الصافي بأن يكون آخر من يغني في اليوم التالي. ورغم ذلك فإن الجمهور هتف في بداية الحفلة باسم الغزالي، لحين طمأنتهم من إدارة المهرجان بأنه سيكون المطرب التالي للفقرة الموجودة.

ولد ناظم الغزالي يتيمًا مع ولادة الدولة العراقية عام 1921، وعاش مع أم ضريرة تصارع قسوة الفقر. كان يسكن معها في غرفة صغيرة في منطقة الحيدر خانة في بغداد. دخل معهد الفنون الجميلة وحاول مؤسس المعهد حقي الشبلي الاعتناء بموهبته لكنه ترك المعهد بسبب وضعه المادي. ثم ذهب عاملًا في إحدى معامل الطحين في بغداد، لكنه لم يتخل عن موهبته التي صعدت به حيث يحلم.

كان الفقر عاملًا إيجابيًا في حياة الغزالي، كما كان إيجابيًا في حياة غيره من المبدعين، فهو الذي أعطاهم الإصرار على الاستمرار وتجاوز المحن. لكنه بالنتيجة فقر لم يأتِ برغبة أحد. الفقر دومًا شقيق الإكراه.

كان الغزالي أنيقًا في كل أوقاته، وكان صاحب نكتة وابتسامة دائمة، وهذا، بالإضافة إلى شهرته، ما دفع سليمة مراد للوقوع بغرامه. التقيا في جلسة في إحدى المنازل البغدادية عام 1951 وغنيا سويًا وبعد عامين ارتبطا، رغم أنها تكبره بعشرين عامًا تقريبًا. كان ذلك الزواج مدعاة للاستغراب، فهي رأت فيه وهج الشباب الذي تفتقده، فيما رأى فيها حلم النضج الذي يتوق إليه، هكذا كان ذلك الحب نوعًا من امتزاج التعويض النفسي بالحلم.

كان حب ناظم الغزالي وسيمة مراد نوعًا من امتزاج التعويض النفسي بالحلم

المسلم الذي تزوج من يهودية كان حديث الشارع العراقي آنذاك. دائمًا ما يضع هذا الشعب الشكّاك حول أي أمر يحدث تساؤلات كثيرة. كيف لمسلم الزواج من يهودية؟ وهل تزوجها لأنها غنية؟ فسليمة مراد التي منحها رئيس الوزراء نوري السعيد لقب باشا كانت من عائلة غنية، بالإضافة إلى عملها الذي كان يدر عليها أرباحًا كبيرة.

"سفير الأغنية العراقية" الذي أعجَبَ محمد عبد الوهاب وكبار المطربين والموسيقيين العرب، رحل في بداية عقده الخامس. لم يكن يعاني من مرض أو تعرض لحادثة ما، لكن الموت أراد أن يخطفه من محبيه الذين كانوا في تزايد مستمر داخل بلاده وخارجها.

اقرأ/ي أيضًا: بنات بغداد.. التداوي بالمسرح