05-يناير-2019

السترات الصفراء هي صيحة الفقراء والمهمشين بأنه حان وقت دفع الأغنياء للحساب (جيف باتشود/ أ.ف.ب)

ترجمة عربية: سفيان البالي

في البداية، تجدر الإشارة إلى كون "السترة الصفراء" مؤشرٌ يرتبط بأصل الحركة الاحتجاجية في فرنسا، أي نقد الزيادات الضريبية المزمع تطبيقها من طرف حكومة ماكرون على البترول (أي زيادة أسعار المحروقات لتمويل مشروع الانتقال الطاقي الإيكولوجي)، والتي ليس لها عذر يُشرعنها، كما لا تُثقل سوى كاهل المواطنين البسطاء، لا الشركات الكبرى. الشيء الذي يعيد الحركة صراعًا إنسانيًا كونيًا ضد اللامساواة.

تشكلت حالة من اللامساواة الطاغيةتراكميًا دفعت الشعب الفرنسي أخيرًا إلى الانتفاض بشكل غير مسبوق

الأغنياء ضد الفقراء

يجب أن نعرف بأن 99% من الثروات في العالم في يد فقط 1% من سكانه، النخبة المالكة أقصد، بينما البقية تتقاسم الفُتات فيما بينها. في فرنسا الهامش والقرى النائية ثمة سياسات لتصفية الصناعات المعتمدة من المركز على هذه المناطق لسنوات طويلة، بدعوى الانتقال الإيكولوجي، الذي لا يُعبر إلا عن إرادة الملاك في البحث عن أسواق يد عاملة رخيصة. والجنَّات الضريبية، دفعت الناس إلى الفقر والهشاشة، مع إعدام العمل الذي كان يوفر لهم قوت يومهم ومأكل عيالهم.

اقرأ/ي أيضًا: "Vécu".. إعلام السترات الصفراء البديل في وجه فرنسا الرسمية

ما جعل حالة من اللامساواة طاغية، يمكن رصد مؤشراتها بسهولة بما هي بارزة للعيان، دفعت الرأي العام الفرنسي أخيرًا إلى الانتفاض بشكل غير مسبوق، وبالصورة الذي تجسد مدًا أصفر يملأ هتافه البلاد.

إذن، هو صراع الأغنياء ضد الفقراء، الصراع نفسه الذي يلقي ظلاله على الإعلام، حيث عرفت السنوات الـ10 الأخيرة عملية استحواذ على المؤسسات الإعلامية، ما أدى إلى تركيز الإعلام الفرنسي في يد 10 مليارديرات في البلد.

لوبيات الإعلام ضد الثورة وإعلامها

نتيجة السنوات الـ10 الأخيرة، هي أن 89.9% من الجرائد اليومية الوطنية، و53.3% من ساعات البث التلفزيونية و40.4% من ساعات البث الإذاعية، جميعها استحوذ عليها 10 مليارديرات فقط في البلاد، وهم:

1. برنار آرنو، رئيس شركة الصناعات الفاخرة LVMH، ومالك كل من جريدتي Les Echos و Le parisien.

2. سيرج داسو، مالك Le figaro.

3. فرانسوا بينو، مالك Le point.

4. باتريك دراحي، صاحب عملاق الاتصالات SFR ومالك  Libération، L’Expresse، وتلفزيون BFM.

5. فينسنت بولوري مالك Canal+.

6. كزافييه نيل صاحب المرتبة الـ11 في سلم أثرياء فرنسا، بالاشتراك مع وريث Yves Saint-Lautent بيير بيرجي، والبنكي الشهير ماثيو بيغاس، وثلاثتهم يمتلكون L’obs وTélérama وLa vie. إضافة إلى أن بيغاس يملك وحده Radio Nova وأسبوعية Les Inroks.

7. ومارتن بوغيس، صاحب المركز الـ30 في ترتيب أثرياء فرنسا، يمتلك مجموعة TF1.

8. عائلة موهن، والتي تدير المجموعة الألمانية بيرتسيلمان، يملكون كذلك قنوات M6، RTL ومجلة Femme Actuelle.

9. آرنو لاغاردير مالك Europe1، Paris Match وراديو Vergin وRFM.

10. ماري أوديل آموري، أحد منظمي طواف فرنسا للدراجات، والتي تمتلك كذلك جريدة L’equipe.

مع تحديد طفيف، أن هذين الأخيرين أقل ثروة من سابقيهما، إذ تتراوح ثروتهما ما بين 200 و300 مليون يورو. كما يمكن أن نلحق بهذا السباق الامتلاكي كل من عائلة بيتانكور المالكة للجريدة الليبرالية L’Opinion، والملياردير ذو الأصول اللبنانية إسكندر صفا مالك مؤسسة Valeurs Actuelles.

لهذا السبب، والذي أرى فيه علّة لحالة التضليل التي لحقت تغطية حراك السترات الصفراء، هو ما دفعني لإنشاء إعلامٍ بديل خارج حسابات رأس المال الإعلامي، تحت عنوان "Vécu, le média du gilet jaune"، للحديث عن الأمور التي تهم المواطن البسيط والثائر، وكذلك المنبوذين في الإعلام الرسمي، وأقصد هنا ضحايا القمع الذي تعرضت له الحركة، وجموع المجروحين بسلاح قوات النظام.

البيئة والحقيقة الإيكولوجية

في عالم يُعلن فيه كبار العلماء بداية الموجة السادسة الكبرى لانقراض الأنواع الحية، يجب أن تتكاتف البشرية جمعاء فيما بينها لدرء هذا الخطر، أو الحد منه قدر المستطاع، لكن دون أن يُحمل الجزء المسحوق من البشرية وحده، ضريبة الإصلاحات، ففي هذه الحالة، ليس ثمّة سلامٌ في أفق المستقبل، وهذا ما رآه المحتجون في فرنسا، لذا فقد أعلنوا أن ساعة دفع الحساب قد حانت. 

الفخ.. والأطراف

في الختام، ما أظنه فخٌ كبير لا يجب للحركة أن تقع فيه، هو الذي يكمن في التطرف السياسي والأيديولوجي. فالحركة منذ خروجها تُعرّف نفسها لا سياسية ولا نقابية، ومنفصلة عن كل الأيديولوجيات والخطابات السياسية.

ما أظنه فخ كبير، ينبغي لحركة السترات الصفراء ألا تقع فيه، هو الذي يكمن في التطرف السياسي والأيديولوجي، وتبني خطايًا لا يقبل الآخر

لذا، أعتقد أنه على الحركة أن تتبنى خطابًا قائمًاعلى قبول الآخر، وتفهم تحديات اللحظة التاريخية، مبنيٌ على الإرادة الصلبة في توحيد الصفوف على كلمة واحدة، لإثراء القوى الحيّة والفاعلة ودفعها لتحصيل المكتسبات، وتخطي كل التهديدات المحيطة بها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"السترات الصفراء".. مستمرة في فرنسا مستعدة في أوروبا

انتفاضة "السترات الصفراء".. الهامش في مواجهة فرنسا المعولمة