10-مايو-2017

لافتة تندد بالعنصرية في لبنان (جوزيف عيد/ أ.ف.ب)

تُخضِع السياسة في لبنان المواطنين لفحوصات الدم بشكل دائم، لتتراوح النتائج الضمنية بين أناس بدرجة "الشرف" وآخرين عملاء ومتآمرين لصالح هذه الدولة أو تلك. من يُجري التقييم هم من أصحاب المصالح وشبكة العلاقات الخارجية والداخلية، والذين يتخذون القرارات المصيرية المتعلّقة بالبلاد والعباد وفق منافعهم الخاصة، ومن خلفهم الداعمون والممولون الإقليميون والدوليون.

تتراوح النتائج الضمنية لفحوصات الدم التي تجرى على المواطنين اللبنانيين، بين من هم "بدرجة الشرف" ومن هم "أقل قدرًا"

وتُخضع السياسة اللبنانية أيضًا من يستحقون طبيعيًا الجنسية اللبنانية، بحكم رابط الدم، لنفس فحوصات الدم، وتتراوح النتيجة الضمنية أيضًا بين "أناس بسمنة وأناس بزيت". ومن يُجري التقييم هم مرة أخرى وفي كل مرّة أصحاب مصالح يكيلون الأمور بمكيال منافعهم، متذرّعين بحجج واهية تتعلّق في باطنها وظاهرها بالتوزيع الديموغرافي على الطوائف والمذاهب، في ظل غياب شبه تام لمفهوم المواطنة، واعتياد تقييم الأفراد وفق انتماءاتهم الأولية، التي وُلدوا عليها وليس على أمور موضوعية تمنح كل ذي حق حقه.

اقرأ/ي أيضًا: لمَ علينا الرحيل من لبنان؟

بين حق منح المتحدرين من أصول لبنانية جنسية بلاد الأرز، وبين حق منح زوج وأولاد الأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي الجنسية نفسها، لا فرق في المبدأ، لكن في التطبيق. يصول ويجول وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل منذ تسلمه مهامه وعلى نفقة الدولة اللبنانية، على بلاد الله الواسعة مستنهضًا في مواطنيها ذوي الجذور اللبنانية، شعورهم الدفين بالانتماء إلى لبنان، ومشددًا في حديثه على ضرورة استعادتهم جنسيتهم اللبنانية، وتسجيل مواليدهم في لبنان لضمان حصولهم على الجنسية. وهو الذي يعرّج في كلامه على تاريخ الحضور المسيحي، غامزًا ـ عند الحاجةـ إلى محاذير اختلال التوازن الديموغرافي.

هذا بعد أن تمت، قبل سنوات، عرقلة إقرار قانون انتخابي جديد، يحقق التمثيل الصحيح على أساس النسبية، باشتراط إقرار قانون استعادة الجنسية للمتحدرين من أصل لبناني. فراحت النسبية في حال سبيلها، فيما استمر العمل على الحشد عبر مؤتمرات اغترابية تزكي بحضورها ومداخلاتها ضرورة استعادة المتحدرين من أصل لبناني لجنسيتهم اللبنانية.

في المقابل، تواصل أعداد كبيرة من الأمهات اللبنانيات المتزوجات من أجانب، في إطار حراكهن المدني، المطالبة بمنح أولادهن الجنسية اللبنانية لدى المعنيين وفي الشارع، لا سيّما وأن أسرهن لا تقلّ ولاءً أو وفاءً للعلَم اللبناني عن غيرهم، وسط تساؤل حول سبب التمييز الجندري الذي يحرم المرأة اللبنانية مما هو مُباح للرجل اللبناني عند زواجه من أجنبية.

ويأتي ذلك في الوقت الذي تشهد فيه عائلات هؤلاء النسوة تهديدًا في كل مرة بـ"فك الشمل"، من خلال معاملة أفراد أسرتها على أنهم كسائر الأجانب، وبالتالي لا يمكنهم مزاولة كل الأعمال على الأراضي اللبنانية وعليهم علاوةً على ذلك الإستحصال على إقامات وتجديد أوراقهم الرسمية في كل عام مع ما في ذلك من تكلفة مالية مرهقة.

تطالب أعداد كبيرة من الأمهات اللبنانيات المتزوجات من أجانب، بمنح أبنائهن الجنسية، خوفًا من فك شمل عائلاتهن

وتستمر المعاناة العام تلو الآخر، مع مواصلة صمّ الآذان عن سماع أصوات المطالبات بحقوقهن، وأصوات المتضامنين معهن من المتضررين أو المتعاطفين، في حين ترتفع أصوات عدد من السياسيين في دعوتهم الحثيثة للمتحدرين من أصول لبنانية، للمحافظة على صلة رحمهم ببلدهم الأم من خلال الجنسية.

ومؤخرًا، ومع دنو موعد الانتخابات النيابية، نشطت مجددًا الحملات الترويجية لاستعادة الجنسية اللبنانية، لا سيما إلكترونيًا، مع إمكانية ملء الاستمارة عبر الإنترنت، والتقدم بها إلى أقرب سفارة أو قنصلية لبنانية. وكان مؤتمر الطاقة الاغترابية، مناسبة لجمع عدد من المغتربين والمتحدرين من أصول لبنانية، وشكل مناسبة لتوقيع أول مرسوم في هذا الإطار.

اقرأ/ي أيضًا: "الحالة الباسيلية".. باقية وتتمدد

هذا فيما طوي ملف منح أولاد اللبنانية جنسيتها، قبل عدة أعوام، بعد تعطيل وزراء تكتل التيار الذي بات يرأسه جبران باسيل اليوم، مشروع إعطاء المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي، الجنسية اللبنانية لأولادها، مذكرين في ذلك الحين بمشروع قانون استعادة الجنسية أمام واقع أرقام الزيجات التي عرضت في إحدى جلسات مجلس الوزراء، وحساباتهم الإنتخابية الخاصة، وهو الأمر الذي برره باسيل في تلك الجلسة بـ"أننا في وقت نناقش قانون الانتخاب والمبني على النقاش حول أعداد اللبنانيين، نفاجأ بهذا المشروع في هذا الظرف، فضلًا عن كل الالتباسات التي تشي به، ولا سيما في الظرف الذي نواجه فيه مشكلة النازحين وملف التوطين".

وقد استغرب باسيل في الموقف نفسه، كيف يوصّف كلامه بـ"العنصرية"، حين يتحدّث بهذه المواضيع، رغم أن الكبير والصغير يعلم أن الخوف من اختلال كفة "التوازنات الطائفية"، بمنح الجنسية لعدد كبير من المسلمين، عطّل مشروع قانون منح اللبنانية جنسيتها لأولادها، لكن السعي لتشجيع المغتربين الذين يُبنى على أنهم في الغالب من المسيحيين ظل مستمرًا، لأنه في معتقد "عرّابي" مشروع استعادة الجنسية سيضمن التوازن في بلاد لا تميّز فيها البطالة ولا يفرق فيها الجوع بين الطوائف والمذاهب.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

لبنان.. ولاية الفراغ

أبرز 10 فضائح فساد في لبنان