04-أبريل-2016

احتفالات عيد العمال في بغداد 2015

لم يكن 31 آذار/مارس 1934 يومًا عاديًا في تاريخ العراق السياسي الحديث، حيث سعى الشاب البروليتاري المكافح يوسف سلمان يوسف (فهد) لإطلاق أول بذرة يسارية تنظيمية من رحم الجنوب العراقي الرازح تحت سياط الإقطاع والأرستقراطية الدينية ومهانة الاستعمار.

الحزب الشيوعي العراقي كون بانبعاثاتهِ الوجودية ثالوث الإنسان العراقي "الوعي والثورة والأخلاق"

الحزب الشيوعي العراقي كون بانبعاثاتهِ الوجودية ثالوث الإنسان العراقي "الوعي والثورة والأخلاق"، ولكل عنصرٍ منها فلسفة، صهرها جميعًا شبيبة العهد الملكي المتطلع نحو الوجود المثالي في إقامة النظام الحياتي العادل لكل طبقات المجتمع. حتى اعتلوا من أجل ذلك مشانق الحكومات الملكية بغية شرعنةِ حلمٍ طوباوي، بزغ بتطلعات ثورة الرابع عشر من تموز/يوليو عام 1958، وأفل لحظة الاصطدام الرسمي مع حكومة قاسم، وارتكس لحظة اختراق رصاصات الحرس القومي لجسد اليسار وقاماته، ناهيك عن فتوى السيد محسن الحكيم التي شربت من دماء الكثير من أبناء الحزب.

اقرأ/ي أيضًا: أنا الدمية السوداء

غور اليسار في مجتمعٍ يترامى بين المذاهبِ والانتماءات الضيقة، عمل على تفعيل كيمياء مجتمعية موحدة بجذر المواطنة الأوحد، اقتلعتها فيما بعد أنظمة الحكم الفوضوي على مدار الخمسين عامًا الماضية.

"وطنٌ حرٌ وشعبٌ سعيد" شعار لطالما دفع الحزب الشيوعي ضريبتهُ، ضريبة ابتدأت قبل ثمانين عامًا بالدم، وما زالت ديمومتها تُصيـّر بالتهميش والتنكيل والإقصاء على يد عصر توحد حاكموه بصفةِ شذاذ الآفاق والرجعية. لم يتهاوَ الحزب الشيوعي جراء مغانم السلطة كما تهاوت أحزاب تاريخية شقيقة للحزب في النضال والتمرد ضد الدكتاتورية المقبورة، لا سيما بعد استيزاره في حكومتين شرعيتين مابعد التغيير العام 2003، وقد شهد سجل النزاهة لنصاعة مرشحيه في السلطتين التشريعية والتنفيذية طيلة تمثيلهما في الدورات السابقة، بيد أن الكثير من رفاقهم العلمانيين والإسلاميين استبدلوا هوياتهم المبدئية، جراء الحصول على المكاسب السلطوية والإثراء على حساب شرفهم النضالي حتى ساهموا بولادةِ جيلٍ مشوه قادمٍ من كهوف التاريخ المظلمة، لا يعرف معنى للتمدنِ والثورة على رغم من استلابِ كرامتهِ طيلة سنوات التغيير.

اقرأ/ي أيضًا: "هزُلتْ" هكذا كان سيقول جدي

اثنان وثمانون عامًا مرت على ميلاد اليسار العراقي الكادح، ولا زلنا نراه يتصـدر ساحات الاحتجاج العراقيـة، وفي مقدمتها "ساحة التحرير"، جمهورٌ كهل، يُقاومُ اليأس بزخـمٍ معنـويٍ عـال، وسط خضم الصـراعـات المذهبيـة وإصـرار قوى الإسـلام السياسي الحاكم على تمـزيـق هوية مصيرنا المشترك، فضلًا عن التشظي المجتمعي الغارق في بـرك الطـائفية الآسـنة.

علمًا أن ثقـافة الشعـوب ترتقي وتعـلو بمقدار علو وارتقاء ثقـافة قواها السياسية والفكرية، والعكسُ صحيحٌ أيضًا. وما بقايا ثقافتنا المتمدنة إلا نتاجٌ لنضال يسارنا طيلة عقـوده المنصرمة، والفـرق واضحٌ وجلي في عراق الطوائف المتناحرة، حينما تجدُ شيوعيًا أشيب يصطرعُ مع معطيـاتِ القـدر، ليحرق ما تبقى من عمرهِ من أجل حياةٍ كريمة، وشبيبة طليعية تحرقُ زهرة أعمارها في سبيـل الطـائفة وأوهام الغيـب.. حقًا إنها معادلةُ عكسية.

اقرأ/ي أيضًا:

الإرهاب في تونس.. مورد رزق وفرصة عمل

المنفى في صمته