28-يونيو-2017

هل سيلغى عرض بوجناح في مهرجان قرطاج بتونس؟ (فاليري هاتشي/أ.ف.ب)

منذ الإعلان عن عرض محدد يوم 19 من تموز/ يوليو القادم في قرطاج، للكوميدي الصهيوني الفرنسي، الحامل للجنسية التونسية، ميشال بوجناح، حتى تعالت أصوات مستنكرة العرض ومطالبة بإلغائه. ويندرج العرض المذكور في إطار الدورة 53 من مهرجان قرطاج الدولي، الذي يلتئم هذا العام من 13 تموز/ يوليو إلى 19 آب/ أغسطس المقبل، سواء بالمسرح الروماني بقرطاج أو في متحف قرطاج الأثري. لكن ما أسباب هذا الجدل المتصاعد؟

يثير عرض مرتقب للصهيوني ميشال بوجناح الجدل في تونس بين أصوات معارضة وأخرى مطبعة ومبررة

يفسر الأمر بما عرف عن ميشال بوجناح، من خلال تصريحاته وحواراته وزياراته لإسرائيل، من دعم للصهيونية وللمجرمين أصحاب المجازر ومغتصبي الأرض. يذكر أن ميشال بوجناح هو ممثل ومخرج وكوميدي فرنسي، من يهود تونس، ولد بها في سنة 1952 ثم غادر تونس في سن الحادية عشرة مع أسرته إلى فرنسا في ظل تنامي الغضب الشعبي العربي إزاء إسرائيل. وسبق لميشال بوجناح أن شارك في فيلم "صيف حلق الوادي" للمخرج التونسي فريد بوغدير، كما قام ببطولة فيلم "سرة العالم" للمخرج أريال زيتون، يهودي فرنسي من أصل تونسي أيضًا، وقد صورت مشاهده في تونس.

اقرأ/ي أيضًا:  م.ت.ف في تونس.. وداعًا أيها السلاح

مدير مهرجان قرطاج: "بوجناح ليس صهيونيًا كبيرًا ومواقفه جيدة تجاه تونس"

في 23 حزيران/يونيو الجاري، أطل مدير مهرجان قرطاج الدولي هذا العام، مختار الرصاع، على موجات راديو "موزاييك اف ام" الخاص، ليعلن عن جهله أن ميشال بوجناح صهيوني مناصر لمحتلي أرض فلسطين منذ 1948. ثم في مرحلة ثانية، برر دعوة ميشال بوجناح بطريقة أثارت استفزاز العديد من التونسيين قائلًا إنه "ليس صهيونياً كبيرًا أو من قادة الصهيونية"، مضيفًا أنه يعرف عنه "مواقف جيدة تجاه تونس" وأن استضافته "ستساهم في تحسين سمعة البلاد".

تونسيون.. لا مكان للصهاينة في مسارحنا ومهرجاناتنا!

ردة الفعل من المثقفين التونسيين لم تتأخر طويلًا إذ وجهت "الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني" رسالة إلى وزير الثقافة التونسي محمد زين العابدين ومدير مهرجان قرطاج الدولي مختار الرصاع، عنوانها: "لا مكان للصهاينة، مهما كانت جنسيّتهم، في مسارحنا ومهرجاناتنا!".

وتضمنت الرسالة أن ما جاء على لسان مختار الرصاع هي "تبريرات خطيرة" و"تنم على ما هو أكثر من الجهل وعدم الإلمام"، مضيفين أنها "تعبر عن استخفاف سافر بمشاعر الشعب التونسي ومواقفه التاريخية في نصرة القضية الفلسطينية. كما تدل على عدم تورع بعض المسؤولين عن الثقافة والفن في بلادنا عن توظيف أموال الشعب ومؤسسات الدولة ومنابرها الثقافية لفرض مواقفهم الايديولوجية المرحبة بالتطبيع مع الصهيونية ورموزها". ودعت الحملة في ختام رسالتها إلى إلغاء برمجة هذا العرض "المستفزّ"، معددين ما عرف عن ميشال بوجناح من دعم للصهيونية.

اعتبرت الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع عرض بوجناح استخفافًا سافرًا بمشاعر التونسيين ومواقفهم التاريخية في نصرة فلسطين

ميشال بوجناح..  صهيوني ويفتخر

ميشال بوجناح هو أحد أهم الوجوه الفرنسية التونسية الصهيونية، التي طالما دافعت عن "إسرائيل" وحروبها ورجالها وقراراتها، وهو لا يضيع فرصة إعلامية لتأكيد ذلك. التصريحات مختلفة ومتنوعة، على مر سنوات طويلة، اخترنا منها ما جاء في موقع JSS NEWS بتاريخ 5 شباط/ فبراير 2013، عندما تحدث مفتخرًا بصهيونيته ومؤكدًا ولاءه لإسرائيل. وهو الذي زارها ليقدم عدة عروض، ومن المتوقع أن يكون له عرض بها اليوم 28 حزيران/ يونيو، ويرشح أن يكون ذات العرض المبرمج في مهرجان قرطاج في تموز/ يوليو القادم.

يصرح ميشال بوجناح في إحدى مقابلاته الصحفية على موقع SVP Israel سنة 2010: "نحن يهود الشتات، لا نتمالك أنفسنا عندما يتعلق الأمر بإعلان إعجابنا بإسرائيل". ولا يكتفي بذلك إذ يعتبر نفسه جزءًا من "الشعب الإسرائيلي"، كما يقول، ويعتبر مجرمي الحرب أرييل شارون وإسحق رابين من "كبار رجال السلام"، "رجال السلام" الذين قتلوا الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والمصريين وحتى التونسيين.

فكما ذكّرت الحملة، كان إسحق رابين، وزير دفاع حكومة إسرائيل سنة 1985، وبالتالي هو المسؤول الأول عن "عملية الساق الخشبية"، التي استهدفت منطقة حمام الشط في تونس والتي قُتل فيها ثمانية عشر مدنيًا تونسيًا وجُرح فيها أكثر من مئة، واستُبيحت فيها سيادة البلاد.

ميشال بوجناح الذي يدعي حبه وامتنانه لمسقط رأسه تونس، والذي ذكرنا مدير مهرجان قرطاج أنه من محبي هذه البلاد، نسي أو تناسى أن ذات الكيان المغتصب الذي يفتخر به، اقترف على الأرض التونسية في كانون الأول/ ديسمبر الماضي جريمة اغتيال الشهيد المهندس محمد الزواري، وهي الجريمة التي لا تزال للآن غامضة في جوانب عدة منها.

في ذات الحوار السابق، ذكر ميشال بوجناح: "الحرب اليوم لا تجرى على الميدان فقط بل على شاشات التلفاز أيضًا" وقد تابعناه يقوم بذلك في مناسبات عدة على الشاشات الفرنسية، لكن كيف نتركه يروج لذلك على الشاشات التونسية ووسط التونسيين؟ في هذا السياق، دعت الحملة في رسالتها إلى "عدم فسح المجال له لكي يُمارس حربه الدعائية فوق أحد أعظم مسارحنا ومعالمنا الثقافية والتاريخية، الأمر الذي سيتيح له أيضًا الولوج إلى شاشات التونسيين".

اقرأ/ي أيضًا:  في تونس.. هل اغتالوا محمد الزواري مرتين؟

بعد تأكد برمجة عرض ميشال بوجناح، لم يتوان مثقفون تونسيون آخرون عن التعبير عن استنكارهم ومنهم المسرحي توفيق الجبالي الذي كتب مستهزئًا "ميشال بوجناح ذلك الصهيوني الأحمق والذي لا يساوي نكلة فنيًا.. مبرمج في مهرجان قرطاج..". آخرون احتجوا أيضًا بطريقتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، في تذكير ببداية ضغط شعبي مشابه لما حصل في سنة 2009. فقد سبق أن تم إلغاء عرض لميشال بوجناح ضمن فعاليات مهرجان الضحك بتونس سنة 2009 بسبب حملة مقاطعة واستنكار شعبي لعرضه على خلفية موقفه من العدوان على غزة حينها.

لكن الصورة لم تخل من قتامة مقيتة إذ لم يتردد البعض في تبرير العرض واعتبار أن الدعوات لإلغائه تمس من صورة تونس "المتسامحة" دوليًا، من بينهم رجاء بن سلامة، الباحثة والكاتبة والمديرة العامة للمكتبة الوطنية التونسية، التي كتبت على صفحتها الرسمية على فيسبوك: "ماذا تريدون من يهودي؟ أن يعتنق الإسلام؟ أن يشتم إسرائيل ضرورة؟ تونسي، وتونس تتّسع للجميع. والمطالبة بإلغاء عرضه هي من باب محاكم التّفتيش الجديدة. اهتمّوا بالبناء والاقتراح الإيجابيّ، فذلك أفضل". الأمر بلغ بالبعض حد شتم موقع "نواة"، الذي نشر رسالة الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو الموقع الذي أسسه وأشرف عليه مناضلون تونسيون ضد الدكتاتورية زمن بن علي وكان مرآة للمعارضة وللحقوقيين حينها، في زمن كان ينكل فيه بكل صوت حر.

 

 

 

 

ويذكر أن محكمة تونس الابتدائية كانت قد منعت في الأسبوع الأول من شهر حزيران/ يونيو الجاري عرض فيلم "ووندر وومان"، الذي تشارك فيه الممثلة الإسرائيلية غال غادوت. وكان موزع الفيلم قد أعلن حينها أن الفيلم تم منعه بناء على "اتهامات فارغة"، قائلًا: "اليوم يمنعون فيلمًا بسبب ممثلة، وغدًا يستنبطون عذرًا آخر، إنه انتهاك للحريات". وقد تم منع ذات الفيلم في لبنان بموجب قانون مقاطعة إسرائيل الصادر عن جامعة الدول العربية.

في سياق متصل، جاء في توطئة الدستور التونسي "الانتصار لحركات التحرر العادلة وفي مقدمتها حركة التحرر الفلسطيني"، والدستور هو أعلى التشريعات في تونس. وتتصاعد بذلك أسئلة عديدة عن مدى تواصل الضغط الشعبي لإلغاء عرض ميشال بوجناح أم أنه سيصعد على أعرق مسارح تونس في مشهد تطبيعي جديد لا يليق بتونس الثورة.

اقرأ/ي أيضًا: 

تونس.. جدل تجريم التطبيع يتجدد

بين التطبيع والتطبيل تضيع القضيّة