31-أغسطس-2018

أقنعة لـ رونالدو وميسي مع بائع متجول في مكسيكو سيتي (Getty)

في الساحرةِ المُستديرة، لا يخلو نقاشٌ حول أي مباراة أو بطولةٍ معينة من ذِكرِ اسمين لامعين بصما أثرًا تاريخيًا لا يُضاهى ولا يُداس. الأول موهبةٌ أرجنتينية خالصة لا تشوبها شائبة، كان معاقًا فأعاقَ المدافعين والحراس، فاز بما لذَّ وطاب من البطولات، خزائنهُ صارت ممتلئة عن آخرها، هو والموهبة مترادفان. الثاني صاروخُ ماديرا، كبيرُ فونشال، الهداف التاريخي للبرتغيس، صارت أكتافهُ مُرصعةً بالأوسمة والنياشين، اجتهدَ كثيرًا، بذل مجهودًا جبارًا في تكوين نفسه، وتطوير مهاراته، وامتلاك بنية جسدية متينة.

الموهبة والاجتهاد لا يدخلانِ في حالةِ التناقض بتاتًا، بل يعيشان تحت لواء كرة القدم

كلاهما كتبا التاريخ بأحرفٍ من ذهب، أتعبا كاتب التاريخ بالتدوين، أرقامٌ قياسية حُطِّمت، وأهداف بديعة سُجِّلت، ومواقف إنسانية رُسِّخت في الأذهان. الموهبة ربانية عند ليونيل ميسي، يمتلك أسلوبًا خارقًا للعادة، يرواغُ بمهارةٍ بالغة، يسجل أهدافًا شبه مستحيلة. أمَّا كريستيانو رونالدو المُنتقل حديثاً للسيدة العجوز "يوفنتوس" فإنَّه عَمِلَ جاهدًا من أجل التطور، يَتّسمُ بالانضباط، التواضع، الكاريزما. كلُّها سِماتٌ ترتبط ارتباطًا وطيدًا باسمه. سجَّل رونالدو أهدافًا لو لم تُسجِّلها الكاميرات لاعتُبرت خيالًا - مقصيّته ضد يوفنتوس أُنموذجًا - هو هدفٌ عظيم، جعلَ المهتمين بأبجدية كرة القدم في حيرةٍ من أمرهم.

اقرأ/ي أيضًا: ميسي مع منتخب بلاده.. جانٍ أم مجني عليه؟

في كُبرى المفاجآت التي يمكنها أن تحدث في تاريخ الأعراس الكروية، هو اعتزالُ أحدهم، بعدها سيصيرُ تاريخ كرة القدم برمّته على المحك، ستتيهُ روحُ المنافسة، سيتلاشى طعمُ التحدي رويدًا رويدًا، وستصبحُ كرة القدم مُرَّةً. هو تاريخٌ جميل سينقشعُ في لحظةٍ حاسمة، وسيتفقدُ الجلد المدور لاعبًا استطاع مُجابهة الآخر. أمرٌ لن يستطيع تقبُّله أكبر المُتشائمين.

ميسي يمكنُ اعتباره ظاهرةً كبرى عرفتها بلاد التانغو بعد شخصيّتين تميّزت بهما الأرجنتين، دييغو ماردونا، والأديب الألمعي لويس خورخي بورخيس. ميسي صنع مجد برشلونة وتاريخ المُنتخب الأرجنتيني، هو لاعبٌ فريدٌ من نوعه.

رونالدو هو أروع من أنجبت البرتغال بعد الفهد الأسمر أوزيبيو، والرحالة الكبير ماجلان. فلم تحلم البرتغال بالتتويج بكأس أمم أوروبا إلاَّ بعد إتيان رونالدو، هو بحق أمتع البرتغاليين خاصّةً، والأوروبيين عامةً.

هذه السنة سيكونُ الكلاسيكو جافًا بمعنى الكلمة بعد رحيل رونالدو إلى الكالتشيو (الدوري الإيطالي)، ميسي لن يكون فرِحًا لأنَّه سيتربّعُ على عرش اللِّيغا، بل بالعكس، سيفتقدُ حلاوةَ المُنافسة، فالكلاسيكو كانت عجلتهُ تدورُ حول هذين الظاهرتين التاريخيتين. حكايةُ ميسي ورونالدو استمتعنا بها، وسيستمتعُ بها الأحفاد، رغم أنَّ بريقها تاهَ في سراديبِ النِّهايات.

قد لا يختلفُ اثنان حول أنَّ زمن كلٍّ من بيليه، الظاهرة رونالدو البرازيلي، مارادونا، غيرد مولر، روبيرتو باجيو... والقائمة تطول، أنَّ زمنهم قد نسيَ إلاَّ من لا زال يحتفظُ بذكرياتهم ومهاراتهم، أهدافهم، مرواغاتهم. أمَّا الكل فقد نسيَهم لأنَّهم عاشوا في زمنِ ميسي ورونالدو.

الموهبة والاجتهاد لا يدخلانِ في حالةِ التناقض بتاتًا، بل يعيشان تحت لواء كرة القدم. هيمنا على الشهرة وإعلانات الشركات العظمى العالمية، وفازا بالتغطية الإعلاموية الكبيرة. لكلِّ مجتهد نصيب، فالفوز يولدُ من جهدٍ عظيم، والموهبة فطرية تولدُ مع الإنسان ولا تُكتسب، تبدأُ بوادرها منذ نعومةِ الأظافر، لكن يجب الاعتناء بها وإلاَّ ستذبُل، وستنسى. ميسي اعتنت به اللَّاماسيا وجعلت منه أيقونة برشلونة، رونالدو فكَّر في مصيرهِ وعمِلَ جاهداً؛ فكانَ له ما أراد. حقَّق جلَّ أحلامه، هو أمثولة لكلِّ لاعب ينحدرُ من طبقةٍ كادحة يعتبرُ الأحلام بعيدة المَنال.

أحكمَ ميسي قبضته على الكرة الذَّهبية، بخمس تتويجات، فلَحِقَ به رونالدو وعادَلَ أرقامهُ

أحكمَ ميسي قبضته على الكرة الذَّهبية، بخمس تتويجات، فلَحِقَ به رونالدو وعادَلَ أرقامهُ، خلال السنة الجارية سيحدثُ فارقٌ كبير، لو تُوِّجَ بها أحدهما فسيتفوقُ عليه. من يفوزُ بها هذه السنة سيعتلي أحدهم صفحات كِتاب التاريخ، وسيبقى الآخر ثانيًا، كارهًا للمركز الثاني. كلُّ هذا عشناهُ بأدَقِّ تفاصيله في القرنِ الواحد والعشرين، لكن مع كامل الأسف ستنتهي هذه الأسطورة لتلتحِق بالسّابقين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كريستيانو رونالدو.. الطالب الأول في الصف

ميسي.. هل رأيتم يومًا قاتلًا يراقص قتلاه؟