10-مايو-2019

هاتف لمشجّع في مونديايل روسيا 2018 (Getty)

حتمًا لم تكن الإدارة البرشلونية التي وقعت مع الطفل ليونيل أندريس ميسي، ذو الـ 14 عامًا في برد كانون الأول/يناير من عام 2000، تعلم أن هذا الصغير والمصاب بنقص في هرمونات النمو سيكون حدثًا ومعجزةً وفرحًا وبكاءً، وقّعوا معه على منديل، ليمتلئ المنديل بعد ذلك بدموع الفرحة ودماء الحسرة.

البداية

من هُناك، من بلاد التانجو، تحديدًا من مدينة روساريو الأرجنتينية، إحدى مدن المهاجرين، نشأ ذلك الطفل منتقلًا من نادٍ إلى آخر، لينتهي به المطاف على متن طائرة تحمله إلى إسبانيا، حيث ستبدأ حكاية ليونيل ميسي.

لم تكن الإدارة البرشلونية التي وقعت مع الطفل ميسي في عام 2000، تعلم أن هذا الصغير سيكون حدثًا ومعجزةً وفرحًا وبكاءً

في تشرين الأول/أكتوبر 2004، وأمام إسبانيول، أجرى الهولندي فرانك ريكارد تغييرًا قد بدا عاديًا حينها، حيث استبدل اللاعب ديكو بالصغير ميسي صاحب الـ17 عامَا في الدقيقة 82. دقائق قليلة كانت عمر الظهور الرسمي الأول لميسي بقميص البلوجرانا، لكنها كانت كافية بعد ذلك لتغيير وجه الساحرة المستديرة، بل ولإعادة كتابة تاريخها مرة أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: ميسي الموهبة.. رونالدو المجتهد

في دائرة الرحلة

على مدار 15 عامًا، وفي ما يقارب 700 مباراة، ارتدى خلالها ميسي قميص البلوجرانا، من بديل إلى قائد، رحلة مفرحة وموجعة بها لحظات بيضاء ولحظات قاتمة، العديد من البطولات ذهبت خاضعة إلى معابد الكامب نو، لترسم فوق حوائطه نقوشًا غامضة كنقوش الفراعنة لا تُفك شفرتها إلا بعد مُضي الأزمان.

المجد

2009 عام المجد الكروي الكتالوني الأكبر، حين حقق النادي العريق كل ما يمكن تحققيه، سداسية تاريخية أعجزت العالم حينها، قاد بيب جوارديولا خلالها البارسا لحصد الألقاب واحدًا تلو الآخر، وكأنهم يجمعون الزيتون من أشجار يافا اليانعة، لحظة تجلٍّ تشبه الكريشندو في الموسيقى، سحر مكتمل الأركان استمر مفعوله سنوات أخرى، ثم انقلب السحر على السحرة.

النكسة

منذ رحيل المدرب الشهير بيب جوارديولا عن أسوار الكتلان في 2012 بدأت حكاية المأساة، أعاد التاريخ نفسه مرات ومرات، بحثًا عن تجليات الكرة الشاملة التي اعتلاها الهولندي يوهان كرويف، ليطورها الإسباني بيب جواريولا فيخرج منها تيكي تاكا ميسي ورفاقه، تلك التي جعلت من نادٍ ليس بأغنى الأندية ولا أعرقها ملكًا مُتوجًا على عرش الساحرة المستديرة.

من فيلا نوفا لتاتا مارتينو، ومن لويس إنريكي لإرنستو فاليفردي، تعدّد مدربو برشلونة، وصلوا أحيانًا إلى منصات التتويج كما حدث في صحبة لويس إنريكي 2015، لكن لم يستطيع أحدهم أن يصل بميسي إلى ما كان عليه.

على مشارف الثلاثين

حسنًا، لنأتي إلى عنوان المقال، 7 سنوات على رحيل بيب جواريولا، عاش ميسي خلالها لحظات من النشوة وأيامًا من الجرح، المحزن حقًا يا عزيزي، هي دراما ف، تلك الدراما التي تعلو بأحلامك عنان السماء ثم تهبط بها إلى حيث لا يعلم إلا الله.

قصة ميسي هي أن تقوم بريمونتادا تاريخية ضد باريس سان جيرمان ثم تخرج من دوري الأبطال علي يد يوفتنوس، تأتي في العام التالي لتسير الأمور على ما يرام، تكسب أولًا ثم تأتي رومَا لتنتزع قلبك من بين أضلعك، وأخيرًا تنسى الماضي فلا ينساك، نفس السيناريو يقوم بتمثيله نادي ليفربول هذه المرة.

قُل لي يا ميسي، لماذا نطارد ذات الأذنين كل هذه السنوات، أما أن لهذه الكأس الغالية أن تخضع؟ هل هي لعنة 2009 أم ماذا؟ ولماذا تأتي الحسرة بعد الحلم؟

الحزن الصوفي

في هذا العام ولأول مرة، مع صافرة النهاية التي أعلنت خروج برشلونة من دوري الأبطال رأيت كل أحلامي تنهار، ليس فقط أحلامي الكروية، بل كل أحلامي الشخصية والمهنية، رأيت قلبي مثل برج بيزا المائل حين يقرر الانهيار، مائلًا من كل سنوات الهزيمة، لم يتحمل هزيمة أخرى.

2009 عام المجد الكروي الكتالوني الأكبر، حين حقق النادي العريق كل ما يمكن تحققيه

بكيت كثيرًا، ولحين كتابة هذه الكلمات لم أنم بشكل طبيعي، تؤرقني الأحلام، تصل بي إلي لحظات الانتشاء كما يقول المعلقون، أرى برشلونة المنتشي أمامي ثم ما يلبث أن أراه جريحًا، الأمر أشبه بمصر، تخرج لتقوم بثورة عظيمة في 25 كانون الأول/يناير 2011، ثم تكتشف بعد ذلك أنها كانت لحظة حلم، وأن كل ما كان قبل الثورة قائم كما كان.

اقرأ/ي أيضًا:

الثورة

ميسي العظيم الحزين مر بما مرت به مصر، انتشى ثم أزكمت أنفه رائحة الدماء، أفاق مما مر به قبل سنوات، ليسأل هل كان حلمًا أم علمًا فلا يجد جوابًا، وها هي قلوبنا تنكسر مرتين، لن نحلم بثورة ولا بنصر، لن نتمنى الذهاب إلى جنبات الكامب نو لنشاهد كتيبة ميسي تصنع التاريخ، فالحياة قاسية، بل شديدة القسوة.

اقرأ/ي أيضًا: ميسي لديكم.. لا خوف عليكم

العجيب في الأمر أن النادي الكتالوني هو أيضًا نجل للثورة، فهو أعرق أندية إقليم كتالونيا العنيد، الذي سجل الحضور بنضاله ضد فرانكو، حتى جرمت لغته وأوقفت كل تعاملاته، ولكنه في نهاية المطاف -وكعادة الثورات- لن يُهزم، استغرقت فرنسا قرونًا لتتم ثورتها.

خاتمة

اكتب هذه الكلمات بينما تهمس السيدة ماجدة الرومي بصوتها الحنون في أذني قائلة: إيه العمل في الوقت ده يا صديق؟!

 

اقرأ/ي أيضًا:

ميسي يتخطى حاجز 400 هدف في الليغا.. الحكاية الكاملة

ميسي مع منتخب بلاده.. جانٍ أم مجني عليه؟