20-ديسمبر-2018

أقر العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز الموازنة السعودية المتوقعة لعام 2019 (Times Of Oman)

موازنة جديدة تسلط الضوء على الضغوط السياسية والاقتصادية التي تعيشها المملكة العربية السعودية، خاصة بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وكذلك مع الانتقادات المستمرة لحرب اليمن، إضافة لاستمرار حصار قطر.

يصل العجز في الموازنة السعودية المتوقعة لعام 2019 لنحو 131 مليار ريال، أي بنسبة 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي

الموازنة السعودية المتوقعة لعام 2019، والتي أقرها العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز مساء أول أمس الثلاثاء 18 كانون الأول/ديسمبر 2018،  كان أبرز بنودها خفض الإنفاق العسكر، مع فرض مزيد من الضرائب على المواطنين والوافدين. 

اقرأ/ي أيضًا: ميزانية السعودية 2018.. حروب الطيش من جيوب المواطنين والوافدين

ويبلغ الانفاق المتوقع للعام 2019 في الموازنة، نحو 1.106 تريليون ريال، بزيادة تصل لنحو 7% في موازنة 2018. في حين تصل توقعات الإيرادات لنحو 975 مليار ريال بزيادة 9% عن عام 2018، فيما يصل العجز في الموازنة المتوقعة لـ2019، لنحو 131 مليار ريال، بنسبة 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي. ويصل الدين العام إلى 678 مليار ريال بنسبة 21.7% من الناتج المحلي. 

وعقب الإعلان عن موازنة العام الجديد، والتي تعد الأكبر في تاريخ السعودية، كما يسوق الإعلام السعودي كل عام؛ صدر قرار من الملك سلمان، ليؤكد على استمرار الدعم والمنح الشهرية المعروفة بـ"بدل غلاء المعيشة"، فيما يبدو أنها محاولة لامتصاص غضب الشعب السعودي الرازح تحت وطأة الغلاء المتصاعد.

غضب دولي وسياسات مترنحة

شهد بند الإنفاق العسكري المتوقع للسعودية في ميزانية 2019، انخفاضًا يصل لنحو 12% عن توقعات العام 2018، فالمتوقع أن يكون الانفاق العسكري 191 مليار ريال، في الوقت الذي كان المتوقع لعام 2018 نحو 210 مليار ريال.

وبالرغم من تقليل الإنفاق العسكري، إلا أن نسبة الإنفاق على الجانب العسكري يحتل مرتبة متقدمة داخل الموازنة السعودية. وقد يكون الإعلان عن تقليل نفقات التسليح هذه السنة، خطوة نحو وقف حرب اليمن التي جرّت على السعودية سيل انتقادات من حول العالم، وخاصة بعد تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي على وقف دعم الحرب السعودية الإماراتية على اليمن.

حرب اليمن
يمكن اعتبار تقليل نفقات التسليح في موازنة 2019 نجاحًا نسبيًا للضغوط الدولية ضد الحرب على اليمن

ويمكن اعتبار تقليل نفقات البند الخاص بالتسليح في الموازنة المتوقعة لعام 2019، نجاحًا نسبيًا للضغوط الدولية ضد الحرب السعودية على اليمن. لكن مع ذلك لا يمكن لأحد توقع قرارات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، التي تتسم عادة بالتسرع، ويصفها مراقبون بالمتهورة.

السعودية التي يسيطر عليها ابن سلمان، تواجه العديد من الانتقادات والغضب، على المستوى الداخلي والخارجي. وكانت أزمة مقتل جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، من أبرز الحوادث التي أشعلت غضبًا دوليًا حول السعودية، وتصرفات ولي العهد. 

وبالرغم الإهانات المتكررة التي وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية، إلا أنه كان أكثر المدافعين عن محمد بن سلمان وسعى لبقائه في السلطة، فقد اعتاد ولي العهد السعودي على استخدام أموال الشعب، في تقديم رشاوى ضمنية للعديد من الحكومات حول العالم، على رأسها الحكومة الأمريكية، عبر شراء السلاح.

غير أن هذه الأموال المتدفقة، على هيئة صفقات سلاح، وتلعب دورًا لشراء الذمة وتلميع الصورة؛ لم تمنع من توجيه الانتقادات الحادة للسعودية، على خلفية مقتل خاشقجي، وقبل ذلك وبعده على خلفية حرب اليمن.

وتعاني المملكة الغنية بالنفط، من تعطل خطة الاستثمارات التي يسعى ولي العهد محمد بن سلمان لجلبها للمملكة. وأبرز المعوقات تتمثل في الأزمات التي يختلقها الأمير دون مبرر، مثل الحرب على اليمن، وحصار قطر، ومقاطعة دول انتقدت المملكة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. 

وتزايدت الأزمات الاقتصادية في السعودية بشكل ملفت عقب أزمة مقتل جمال خاشقجي، الذي تسبب في حملة مقاطعة ورفض العديد من رجال الأعمال ومديري الشركات العالمية الكبرى حضور مؤتمر "دافوس الصحراء"، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وقد أعلن كثير من المقاطعين أن مقتل خاشقجي كان السبب.

ووفقًا لرويترز، فإن الحكومة السعودية أنفقت مليارات الدولارات لدعم البورصة المحلية، لمواجهة أزمة مالية تسببت فيها انسحابات متكررة لرؤوس الأموال من السعودية. واشترى صندوق الاستثمارات العامة السعودي السياسي، أسهمًا لدعم السوق، حيث كانت تتم عملية الشراء في الدقائق الأخيرة لجلسات التداول التي كانت تشهد هبوطًا، خاصة بعيد أزمة مقتل خاشقجي. ولم تكن هذه المرة الأولى التي تقوم الحكومة السعودية بذلك، إذ تشير تقارير إلى لجوء الحكومة السعودية لنفس الطريقة منذ منتصف 2016.  

دعم صندوق الاستثمارات السعودي، البورصة السعودية بعد تدهورها الكبير على خلفية مقتل خاشقجي

ووفقًا لتقرير مصرف "جي بي مورغان" الصادر في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، فإن حجم الاستثمارات الهاربة من السعودية خلال عام 2018، وصلت لنحو 90 مليار دولار، فيما كان حجم الاستثمارات الهاربة في العام الماضي بحوالي 80 مليار دولار، ما يؤكد تدهور الاقتصاد السعودي على إثر فشل محاولات تحديثه وجلب مزيد من الاستثمار الخارجي، وذلك كله مدفوعًا بفشل سياسات حكومة ابن سلمان.

المزيد من الضرائب.. ثم المزيد منها!

الجانب الآخر من الضغوط التي تضاف على كاهل السعودية، الضغوط الداخلية، والتي يتحمل المواطن فيها الفاتورة، عبر فرض مزيدٍ من الضرائب عليهم، ومعهم الوافدون. 

وتأتي الضرائب في البند الثاني للإيرادات في الميزانية المتوقعة، بنحو 183 مليار ريال، بنسبة تصل لنحو 18.7%، بزيادة كبيرة تصل لـ10.8% مقارنة بالعام 2018. فيما تصل توقعات الإيرادات النفطية لعام 2019 إلى نحو 791 مليار ريال، بنسبة 81.1%.

وسياسة زيادة الضرائب على المواطنين، والجبايات على الوافدين، من السياسيات المركزية لرؤية محمد بن سلمان في إدارة اقتصاد البلاد. يُضاف إليها رفع الدعم تدريجيًا عن السلع البترولية في بلد هو الأكبر بين مصدري النفط في العالم.

وتزعم الحكومة السعودية أن زيادة جباية الضرائب، يعني زيادة الاستثمار. غير أن الفجوة الكبيرة بين نسب الضرائب المفروضة، وبين حجم الاستثمارات في البلاد، يهدم صحة هذا الادعاء.

إضافة إلى أن النسب المتفاوتة بشكل كبير بين الضرائب على السلع والخدمات، ومن بينها رسوم الوافدين، وبين ضرائب الدخل والاستثمار، تدحض هذا الادعاء، إذ وفقًا لما هو وارد في الموازنة المتوقعة لـ2019، فإن الضرائب على السلع والخدمات متوقع أن تصل إلى نحو 132 مليار ريال، بنسبة 72.13% من مجموع الضرائب المتوقعة. وفي المقابل تصل نسبة الضرائب الواردة في الميزانية المتعلقة بالدخل والاستثمار، إلى 8.3% فقط من الضرائب المتوقعة، أي حوالي 15.8 مليار ريال.

وبحسب الوارد في موازنة 2019، تتصدر الرسوم المفروضة على الوافدين الضرائب، بنسبة 30.8% منها أو ما يعادل 56.4 مليار ريال سعودي، وهو ما يعادل 5.7% من إجمالي الواردات في الميزانية. أما في الترتيب الثاني ضمن الضرائب، تأتي ضريبة القيمة المضافة بواقع 47 مليار ريال بنسبة 25.6% من الضرائب.

الضرائب في السعودية
يدفع المواطن السعودي من جيبه لجبر تداعيات فشل سياسات ابن سلمان

وتعد ضريبة القيمة المضافة، أكثر الضرائب إثارة للجدل بين السعوديين. وبدأت السعودية في فرض 5% ضريبة على المنتجات والخدمات منذ كانون الثاني/يناير 2018، لتجمع منها حوالي 45.6 مليار ريال خلال العام. وبالجملة، فإن الحكومة السعودية جمعت من الضرائب خلال 2018 ما يقدر بـ166 مليار ريال، أي بما يزيد عن المتوقع بـ24 مليار ريال!

أبدى السعوديون استياءهم من الغلاء المتصاعد، والضرائب المتزايدة. ولجؤوا لمواقع التواصل الاجتماعي للتنفيس عن غضبهم، الذي حاول سلمان بن عبدالعزيز امتصاصه بأمر ملكي بصرف بدلات غلاء المعيشة الشهرية، للموظفين والمتقاعدين، بشكل متفاوت، وهو ما يمكن اعتباره أيضًا وجهًا من وجوه فشل السياسات الاقتصادية التي انبنت على رؤية ابن سلمان "السعودية 2030".

سياسة زيادة الضرائب على المواطنين، والجبايات على الوافدين، من السياسيات المركزية لرؤية محمد بن سلمان في إدارة اقتصاد البلاد

وتحمل الموازنة السعودية المتوقعة للعام الجديد، تبعات ترنح السياسات السعودية الرسمية، اقتصاديًا وسياسيًا، فما جاء خفض الإنفاق العسكري إلّا تأكيدًا على أن ضريبة حرب اليمن ليست هينة على السعودية، سياسيًا واقتصاديًا كذلك. بينما جاءت زيادة الضرائب، كمحاولة مكررة لجبر نتائج فشل السياسات الاقتصادية لإدارة ابن سلمان.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

رأس المال يهرب من السعودية.. مغامرات ابن سلمان تقوض دعاية 2030

تباطؤ النمو الاقتصادي في السعودية.. "رؤية 2030" في مهب رياح الواقع