الترا صوت – فريق التحرير
سلّط تقرير لموقع ميدل إيست مونيتور الضوء على تعامل الولايات المتحدة والدول الغربية مع الانقلابات على الديمقراطية في الوطن العربي، ولاحظ التقرير تباين الاستجابة الغربية للانقلابات في المنطقة العربية، فبينما كانت الاستجابة قوية وصارمة في رفض انقلاب السودان الذي قاده عبد الفتاح البرهان ضدّ المكون المدني في الحكم كانت الاستجابة للانقلاب الذي قام به قيس سعيد على البرلمان المنتخب والحكومة المكلّفة من البرلمان استجابةً مترددة بل ومتواطئة إلى حد كبير مع استيلاء سعيّد على السلطتين التنفيذية والتشريعية.
سلّط تقرير لموقع ميدل إيست مونتيور الضوء على تعامل الولايات المتحدة والدول الغربية مع الانقلابات على الديمقراطية في الوطن العربي، ولاحظ التقرير تباين الاستجابة الغربية للانقلابات في المنطقة العربية
فقد أدانت الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بشدة استيلاء البرهان على السلطة بإقالة الحكومة وبحل المجلس السياسي وتعليق العمل بالوثيقة الدستورية ودعته بشكل واضح إلى تسليم السلطة على الفور إلى حكومة مدنية.
اقرأ/ي أيضًا: "الحرية والتغيير" ترفض إجراءات البرهان "الأحادية" ودعوات لمليونية يوم السبت
حيث أصدر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين بيانًا صحفيًا في يوم الانقلاب أوضح فيه أن "الولايات المتحدة تدين بشدة تصرفات القوات العسكرية السودانية، وترفض بشدة حل الحكومة الانتقالية بقيادة مدنية والمؤسسات المرتبطة بها وتدعو لاستعادتها على الفور ... لأن هذه الإجراءات لديها القدرة على عرقلة انتقال البلاد إلى الديمقراطية وهي خيانة للثورة السلمية في السودان ".
وبحسب المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي جو بايدن للقرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، فإن "الاستيلاء العسكري على الحكومة الانتقالية" في السودان يتعارض مع "الإعلان الدستوري والتطلعات الديمقراطية للشعب السوداني وغير مقبول على الإطلاق". وذلك ما رددته أيضًا نائبة المتحدث باسم البيت الأبيض كارين جان بيير.
بدوره أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأحداث في السودان ووصفها بأنها "انقلاب عسكري" قائلًا إنه "يجب أن يكون هناك احترام كامل للميثاق الدستوري لحماية الانتقال السياسي الذي تم تحقيقه بشق الأنفس، مؤكدًا أن الأمم المتحدة ستواصل الوقوف إلى جانب شعب السودان".
كما أدان الاتحاد الأوروبي الإطاحة بحمدوك ووصفها بأنها "خيانة للثورة"، وعلق الممثل الأعلى للشؤون الخارجية جوزيب بوريل على الأحداث قائلًا عنها إنها "خيانة للثورة والعملية الانتقالية والمطالب المشروعة للشعب السوداني من أجل السلام والعدالة والتنمية الاقتصادية". مضيفًا أن الاتحاد الأوروبي سيواصل دعم أولئك الذين يعملون من أجل سودان ديمقراطي بحكومة مدنية شرعية بالكامل".
كما التقى سفراء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج بالبرهان يوم الثلاثاء وأبلغوه أنه يجب استعادة القيادة المدنية في السودان، وأوضحوا قائلين "شددنا على ضرورة إعادة الوثيقة الدستورية وتولي رئيس الوزراء حمدوك منصبه كأساس للمناقشات حول كيفية تحقيق شراكة مدنية عسكرية وحكومة انتقالية بقيادة مدنية".
تقول المونيتور إنه إلى حد هذه اللحظة فإن هذه الاستجابة رائعة ومطمئة، لكن قبل بضعة أشهر فقط، قام الرئيس التونسي قيس سعيد بانقلاب صريح عندما أقال الحكومة التي وافق عليها البرلمان المنتخب، كما علق النشاط النيابي وتولى كافة السلطات التنفيذية والتشريعية وفعّل الحكم بالمراسيم ولم يحدد أجلًا أو سقفًا زمنيًا للحالة الاستثنائية التي أعلنها.
تقول المونتور تعليقًا على ذلك "لم تُصدر الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أي بيانات من النوع المذكور أعلاه حول السودان".
فعندما فرض سعيد "إجراءاته الطارئة" في 25 تموز/يوليو ، تمت إدانتُها ووصفت بأنها انقلاب صريح على نتائج الديمقراطية من قبل الكثيرين داخل تونس وخارجها، لكن ليس من قِبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وذلك على الرغم من الإطاحة بحكومة مدنية وأعضاء برلمان منتخب ديمقراطيًا.
لقد دعت الولايات المتحدة ببساطة، حسب المونتور، إلى العودة إلى "المسار الديمقراطي". ولم يرد ذكرٌ للانقلاب أو الدفاع عن البرلمان والحكومة المدنية، واكتفى بلينكين بالقول إنه يخشى أن تكون إجراءات سعيد "مخالفة للدستور".
وقال وزير الخارجية إن وزارته "شجعت الرئيس سعيّد على التمسك بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان التي هي أساس الحكم في تونس". وحث سعيد على "الحفاظ على حوار مفتوح مع جميع الفاعلين السياسيين والشعب التونسي، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة ستواصل مراقبة الوضع وستبقى على اتصال".
كما اكتفت الأمم المتحدة بدعوة جميع الأطراف في تونس إلى "ضبط النفس والامتناع عن العنف وضمان بقاء الوضع هادئا". وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق إن "جميع الخلافات يجب حلها من خلال الحوار"، ممتنعًا أي عن التعليق على ما إذا كانت الأمم المتحدة تنظر إلى الوضع في تونس على أنه انقلاب أم لا.
ذات الموقف الملتبس جاء من الاتحاد الأوروبي الذي دعا إلى الحوار إلى جانب احترام "الدستور ومؤسساته وسيادة القانون". وأضافت متحدثة باسم المفوضية الأوروبية: "ندعو أيضًا كل التونسيين إلى التزام الهدوء وتجنب أي لجوء إلى العنف حفاظا على استقرار البلاد".
تقول المونتور إنه من خلال هذه الردود فإن الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ينقلون الانطباع بأنهم يدعمون الإجراءات المناهضة للديمقراطية التي اتخذها سعيد، أو على الأقل لا يعتبرونها انقلابًا على الدستور.
جون هيرش، مدير مؤسسة "الديمقراطية في العالم العربي الآن (DAWN)" ندّد في تعليق لا لبس فيه، حسب المونتور، التردد الذي ميز الموقف الغربي عمومًا في إدانة ما حدث في تونس، مشدّدا على أن "الرئيس سعيّد أوضح الآن أن أفعاله ليست مؤقتةً ولا مرتبطةً بأي حالة طوارئ وطنية فعلية، بل مجرد استيلاء على السلطة لانتزاع السيطرة على البلاد من مؤسساتها المنتخبة ديمقراطيًا".
وأضاف هيرش أن عدم إدانة الإجراءات غير الديمقراطية لسعيد تُشجّعه على المضي قدمًا في انقلابه "من خلال عدم وصف هذه الإجراءات بأنها انقلاب ... الرئيس بايدن يمنح سعيد الدعم الضمني الذي يريده لتقوية سلطته وجعل انقلابه دائمًا".
ويُحاجج بعض المتابعين أن عدم اتخاذ الولايات المتحدة وأوروبا أي إجراءات عقب الانقلاب الذي وقع في تموز/يوليو قد يكون له تداعيات إقليمية، حيث ستتدخل أطراف إقليمية بعينها لتعزيز الانقلاب الحاصل "على غرار الإمارات ومصر والسعودية" هذا إن لم تكن متورطة في الأصل في الانقلاب الذي حصل حسب المونتور. وفي هذا الصدد نقلت صحيفة واشنطن بوست عن الأستاذ في كلية ويليام وماري وزميل معهد بروكينغز شاران جريوال قوله إنه "يجب على الولايات المتحدة في ظل هذه الإدارة أن تكون موجودة لتوضح بشكل علني أننا ندعم الديمقراطية في تونس وأننا سنفعل ما في وسعنا لدعم هؤلاء الفاعلين الذين يحاولون إبقائها على المسار الصحيح".
لكن الاستجابة التي حدثت في السودان لم تحدث حتى الآن في تونس، الأمر الذي يشي إلى حد ما أن هناك درجةً من النفاق في ردود فعل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لـ"إجراءات الطوارئ" التي اتخذها سعيد.
يبدو حسب الصحيفة أن لغة المصالح هي التي تُحدّد طبيعة الاستجابة وليست المبادئ فحسب، وقد سبق لجو بايدن أن رفض وصف حسني مبارك بأنه ديكتاتور قبل سقوط نظامه في عام 2011، لمجرد أنه كان حصنًا للمصالح الجيوسياسية الأمريكية في المنطقة. ثم واصلت الولايات المتحدة دعم الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المنتخب بحرية محمد مرسي من طرف الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي الذي قاد ذلك الانقلاب وهو الآن رجل واشنطن لأنه يخدم المصالح الأمريكية.
الاستجابة التي حدثت في السودان لم تحدث حتى الآن في تونس، الأمر الذي يشي إلى حد ما أن هناك درجةً من النفاق في ردود فعل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي
تختتم المونتور تقريرها بالقول إنه بالنظر للمواقف الأمريكية والأوروبية من الانقلابات المختلفة الحاصلة في العالم العربي يتبين جليًا أن المصالح هي العامل الرئيسي في المواقف المتخذة وليست المبادئ المنحازة إلى الديمقراطية.