07-أغسطس-2015

بالإضافة إلى المال يبحث المقاتلون عن مجد للعائلة (Getty)

تشير الساعة إلى الثامنة مساءً في ليلةٍ تسبق يومًا مدرسيًّا، ويتحضر الأطفال للخلود إلى النوم. لكن في بانكوك يتجمع المئات من الناس في ساحة الملاكمة التايلاندية لمشاهدة الأطفال يضربون بعضهم بعضًا. هناك يشترك أطفال من الجنسين تتراوح أعمارهم بين السابعة والخمسة عشر عامًا في مباريات لعبة الـ"موياي تاي"، يتقاتلون من أجل المال في بلد تنتشر فيه المراهنات على نطاق واسع، وتشكل التاي بوكسينغ للشعب ركيزة رياضية أساسية.

يُرسل الأهل في المناطق الريفية أطفالهم في سن مبكرة للتدرب على القتال في معسكرات تدريب قاسية

لا يتوقف القتال في بانكوك على مدار الأسبوع، تستمر المراهنات لسبع ليالٍ، ولا يستخدم الأطفال في هذه المباريات أي نوع من واقيات الرأس أو الأسنان، ويشتمل كل ما يرتدونه على قفازي القتال وسروال الملاكمة التقليدي. يتجاوز عدد هؤلاء الأطفال ثلاثين ألف "مقاتل" محترف كانوا يحتاجون قبل سنة 2003 إلى إذن أهلهم فقط للقتال. حين صدر في تلك السنة قانون يمنع مشاركة الأطفال من دون 15 سنة في مباريات المراهنة. إلا أن هذا القانون سمح من ناحية أخرى لكل طفل تجاوز 15 سنة بالقتال، كذلك لم ينجح بالحد من المراهنات غير الشرعية المنتشرة في العديد من المناطق والقرى حيث تشكل رياضة التاي والرهان عليها إرثًا ثقافيًّا وعائليًّا، بالإضافة إلى الدافع المادي للقتال.

يُرسل الأهل في المناطق الريفية أطفالهم في سن مبكرة، عمر 5 سنوات، للتدرب على القتال، ويتم ذلك في معسكرات تدريب قاسية تشتمل على الركض اليومي لمسافات طويلة وتدريبات اللياقة الشاقة والتدريبات الفنية القتالية. ويسعى الأهل من خلال هذا التحضير المبكر لأولادهم أن يقوموا بتحويلهم إلى "مقاتلين جيدين" قادرين على إعالة العائلة في المستقبل ماديًّا. فالمقاتل، الطفل الناجح قادر أن يحقق أرباحًا لعائلته في ليلة واحدة تُعادل ما قد تحققه هذه العائلة في سنة كاملة من زراعة الأرزّ، فيتحول الطفل إلى أداة بيد الأهل لجني المال.

طبعًا، يتزايد الضغط النفسي على الطفل أثناء صعوده إلى الحلبة لأن الأهل المراهنين سيكونون معرضين لخسارة أموالهم في ليلة واحدة، فربح الطفل لا يقتصر على مبلغ يتراوح بين 25 و50 دولار أمريكي قد يفوز بها في المباراة الواحدة، وإنما يشمل فوز الأهل بالأموال التي يراهنون بها. فمعظم هؤلاء الأطفال متحدرون من عائلات بالكاد تملك المال للطعام والشراب، لذلك يستخدم هؤلاء الأطفال المبالغ التي يجنونها لإدخال أقربائهم إلى المدارس ودفع الضرائب الشهرية. كذلك ينظر معظم أطفال الريف إلى بانكوك على أنها الحلم الذي قد يحملهم ليتحولوا إلى مقاتلين محترفين ويسمح لهم بجني أرباح من المراهنات قد تصل إلى 40.000 دولار أمريكي.

لا يتوقف قتال الأطفال في بانكوك على مدار الأسبوع

يعتبر المال عاملاً أساسيًّا ورئيسيًّا بجذب الأهل والأطفال إلى حلبات القتال الضارية حيث يكون كل طفل معرضًا لنزيف داخلي في الرأس يساوي ذلك الذي قد يتعرض له بسبب سقوطه من مكان مرتفع أو بسبب حادث سيارة. وفي الوقت الذي قد تنخفض جائزة فيه الفائز بالقتال إلى 6 دولارات في بعض المباريات، يبقى حافز تحول الطفل إلى بطل في نظر أهل القرية وفي نظر أهله، الذين يكونون في دورهم مقاتلين سابقين. فالـ"موياي تاي" هي أسلوب حياة للعديد من العائلات في تايلاند، كما أنها تقليد يتم توارثه عن الآباء والأجداد والفوز بمبارياتها يؤدي، إلى جانب جني الأموال، إلى تحقيق مجد العائلة.

تؤمن العديد من العائلات بأن القتال والتدريب يُبعدان أطفالها عن العديد من المخاطر الأخرى التي قد يتعرضون لها. فالبيئة التايلاندية لا تحتوي على كثير من البدائل، خاصة تلك الفقيرة منها، وإن لم يكن الطفل "مقاتلاً" فقد يكون ضحية العمل في معامل تستغل الأطفال إلى حد الاستعباد، أو يسقط في أحد أفخاخ المناطق الحمراء في بانكوك.