04-نوفمبر-2021

مولنوبيرافير عقار واعد ومنخفض التكلفة لمقاومة كوفيد-19 (Getty)

ألتراصوت- فريق الترجمة 

في مطلع شهر تشرين أول/أكتوبر، أعلنت شركة ميرك (Merck) الأمريكية أن عقار مولنوبيرافير" وهو مضاد فيروسي يجري تناوله عبر كبسولة عن طريق الفم، يقلل من خطر دخول المستشفى جراء الإصابة بعدوى فيروس كورونا الجديد، أو الوفاة بسبب كوفيد-19 وذلك بنسبة تصل إلى النصف على الأقل عند إعطائه للأشخاص المعرضين لمخاطر عالية (كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة) خلال الأيام الخمسة الأولى من الإصابة.

إن النجاح الأكبر لدواء مولنوبيرافير قد يكون رهن مسؤولية البشر في التعامل معه

وفي حين حصلت شركة ميرك على تصريح من وكالة الدواء ومنتجات الرعاية الصحية البريطانية باستخدام العقار داخل المملكة المتحدة، لتكون بريطانيا بذلك أول دولة توافق على دواء مضاد لكوفيد-19 من إنتاج "ميرك" فإنها ما تزال تسعى إلى تحصيل تصريح من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، سعيًا لطرح الدواء في الأسواق الأمريكية قبل نهاية العام الجاري، علمًا أن الحكومة الأمريكية قد طلبت بالفعل 1.7 مليون عبوة من دواء مولنوبيرافير، كما طلبت المملكة المتحدة، التي أعلنت ترخيصه بشكل رسمي اليوم الخميس، 11 تشرين الثاني/نوفمبر، حوالي نصف مليون عبوة من مولنوبيرافير، لتكون بذلك أول دولة ترخّص مولنوبيرافير بشكل رسمي في العالم، وهي خطوة ليست غير مألوفة بالنسبة لبريطانيا، التي كانت من أول دول العالم التي رخصت لقاحات كورونا في نهاية العام الماضي.

ولميرك خطة مميزة في التعامل مع دواء مولنوبيرافير المضاد لكوفيد-19، تختلف فيها مع معظم الشركات الكبرى المصنّعة للأدوية في العالم. فشركة ميرك تسعى إلى توفير دواء مولنوبيرافير بشكل واسع لجميع دول العالم، وقد اتجهت إلى خيار توقيع عقود من مصنعين معروفين في دول كبرى، مثل الهند، لتصنيع دواء مولنوبيرافير وبيعه في أكثر من 100 دولة حول المعمورة، وبأسعار معقولة، مع اهتمام أساسي بالدول في قارتي آسيا وأفريقيا.

وتتوقع شركة ميرك نفسها أن تنتج أكثر من 10 ملايين عبوة من دواء مولنوبيرافير حتى نهاية العام، رغم أنها ما تزال تنتظر الإشارة الخضراء من الهيئات الناظمة للتصريح باستخدام دواء مولنوبيرافير فيها، وهي مسألة وقت لا أكثر على الأغلب، بالنظر إلى المؤشرات الإيجابية المتمثلة في جودة الدراسات السريرية التي خضع لها دواء مولنوبيرافير، واعتماده مؤخرًا من قبل المملكة المتحدة، ووجود طلبية مسبقة من الحكومة الأمريكية بحوالي مليوني جرعة أولية من الدواء المضاد لكوفيد-19. فدواء مولنوبيرافير يمثّل ثورة حقيقية في علم الدواء وتصنيعه، وفي طريقة توزيعه، وفي جرعته السريعة التي تنتهي في خمسة أيام فقط، كما أنه يأتي في وقت تزداد فيه مخاوف العديد من دول العالم من حدوث موجات وبائية جديدة من كوفيد-19 مع مقدم فصل الشتاء.

اقرأ/ي أيضًا: المملكة المتحدة أول دولة توافق على دواء مضاد لكوفيد-19 من إنتاج "ميرك"

وتعدّ خطط شركة ميرك لتصنيع دواء مولنوبيرافير وتوزيعه في قارتي آسيا وافريقيا بأسعار معقولة خبرًا طال انتظاره للدول الأفقر في العالم، والتي ترزح تحت ضغط اقتصادي مضاعف بسبب الظروف التي فرضها الوباء محليًا وعالميًا، حيث يمكن لدواء مولنوبيرافير، الذي تعهدت الشركة بأن يكون فعالًا وفي متناول الجميع، أن يجسر الهوّة الحاصلة عالميًا بسبب عدم عدالة توزيع لقاحات كورونا. كما أن مولنوبيرافير هو أول دواء من نوعه قادر على حفظ الحياة والحد من الوفيات الناجمة عن الإصابة بكوفيد-19، ولا مجال لمقارنته بدواء "ريمديسيفير" المضاد للفيروسات، والذي لا يعدو عن كونه علاجًا ثانويًا يساعد في تسريع الشفاء، ولكنّه لا يحمي من الوفاة بسبب كوفيد-19، خاصة لدى الفئات الأكثر عرضة للوفاة بسببه، بسبب السنّ أو الأمراض المزمنة أو السمنة. كما أن طريقة تناول ريمديسفير تختلف عن دواء مولنوبيرافير، فالأول يعطى عن طريق الوريد، وهي طريقة مكلفة وغير عملية، بينما يمكن تناول دواء مولنوبيرافير عن طريق الفم كأي كبسولة دواء أخرى.

ثمّة في المقابل تحفّظات محدودة على دواء مولنوبيرافير، حيث تقول القاعدة إن الأدوية المضادة للفيروسات ترتبط بردّ فعل من الفيروس نفسه، والذي سرعان ما قد يسعى إلى تفادي الآلية الهجومية للدواء. فتاريخ الأدوية المضادة للفيروسات مليء بمثل هذه الأمثلة، وذلك بحسب ما يشير البروفيسور سايي كو، وهو أستاذ الصيدلة في جامعة ليفربول، وباحث في علوم مضادات الفيروسات. فهي مشكلة قديمة لطالما أثرت على الأدوية المضادة للإنفلونزا، حيث توجد قائمة طويلة من الأدوية المضادة للفيروسات، والتي اعتمدت سابقًا من قبل الهيئات الصحية، إلا أن الأطباء لم يعودوا يوصون باستخدامها حاليًا، بسبب التطوّر الذي لحق بفيروسات الإنفلونزا، والتي تعلّمت كيف تتفوق على تلك العقارات.

لذا يلزم في مثل هذا النوع من الأدوية، خاصة تلك التي تطرح على نطاق عالمي واسعي، كما هو متوقع بالنسبة إلى دواء مولنوبيرافير، استمرار مراقبة أي مؤشرات على أن الفيروس قد بدأ يقاوم الدواء ويحاول الالتفاف عليه. فمسألة المقاومة الفيروسية للدواء لا يمكن إسقاطها من الاعتبار في حالة مولنوبيرافير، وذلك بحسب ما أشار دانيل كوريتزكس، مدير قسم الأمراض المعدية في مستشفى بريغام للنساء، وأستاذ علم الدواء في كلية هارفرد للطب، والذي أكّد في حديثه مع موقع "ذا وايرد" على وجود العديد من الأمثلة السابقة لمثل هذه الحالة.

كيف يعمل عقار مولنوبيرافير؟

حين يدخل الفيروس جسم الإنسان، فإنه يقوم بإنتاج نسخ عن نفسه داخل الخلايا البشرية التي يتكاثر بها، في آلية يمكن تشبيهها مجازًا بآلية عمل الناسخة. حين يتناول المريض الدواء المضاد للفيروس، وهو في حالتنا هذه عقار مولنوبيرافير، فإن ما يحدث أقرب إلى إدخال نسخة شبيهة إلى حد كبير بالفيروسات التي تكاثرت في الخلية، يصعب على الناسخة كشفها، وهو ما يؤدي في المحصّلة إلى وقف آلية تكاثر الفيروس وإبطال فعاليته.

لكن ما يخشاه العلماء والباحثون هو أن يطور فيروس كورونا (Sars-Cov-2) طريقة لتجاوز دواء مولنوبيرافير، بتطوير نسخة لا تستطيع آلية عمل هذا الدواء التعامل معها، لتتطور بعد فترة وجيزة نسخة متطورة قادرة على مقاومة الدواء. وقد أثبت فيروس كورونا (Sars-Cov-2) بالفعل قدرته على ذلك، وهذا ما حصل في واقع الأمر في تموز/يوليو 2021، أوقفت الولايات المتحدة شحنات من علاج مضاد للفيروسات من شركة "إيلي ليلي"، بعد أن لوحظ مقاومة النسخ الجديدة من الفيروس للدواء.

مولنوبيرافير هو علاج سريع مضاد لكوفيد-19 يتمّ تناوله على فترة خمسة أيام فقط، بواقع أربع حبات من دواء مولنوبيرافير، مرتين يوميًا، على مدى خمسة أيام

الأمل في مولنوبيرافير هو أنه علاج سريع يتمّ تناوله على فترة خمسة أيام فقط، بواقع أربع حبات من دواء مولنوبيرافير، مرتين يوميًا، على مدى خمسة أيام، وهذا يعني تقليص الفرصة أمام الفيروس للمقاومة والتطوّر أمام الدواء، مقارنة بالأدوية الأخرى التي يستغرق إنهاؤها فترة أطول. لكنّ ما يقلق العلماء في هذا الصدد، ومن بينهم علماء شاركوا في تطوير دواء مولنوبيرافير، هو أن يهمل المرضى إنهاء جرعة الدواء، وهو ما قد يعزز قدرة الفيروس على المقاومة وتطوير نسخ جديدة. وهكذا فإن النجاح الأكبر لدواء مولنوبيرافير قد يكون رهن مسؤولية البشر في التعامل معه، بحسب مارك دنيسون، أستاذ علم الأمراض وعلم الأحياء الدقيقة والمناعة في جامعة فاندربيلت، وأحد العلماء المساهمين في تطوير دواء مولنوبيرافير.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المملكة المتحدة أول دولة توافق على دواء مضاد لكوفيد-19 من إنتاج "ميرك"

علماء يكشفون سرّ "أصابع كورونا".. طريقة غريبة يقاوم بها الجسم كوفيد-19؟

انتقادات بعد تعليق فرنسا عمل 3 آلاف موظف صحي لعدم التزامهم بالتطعيم