27-يناير-2016

شادي أبو زيد بطل فيديو الواقي الذكري (تويتر)

يسجل شادي بكاميرا "الموبايل" صورته وهو ينفخ واقي ذكري ويكتب عليه "من شباب مصر إلى الشرطة في 25 يناير". في المقابل، احتقان الشارع لا يسمح بنزول الميدان إلا مؤيدًا لقوات الأمن، والصورة المقبولة هي أن ينزل شاب التحرير، حاملًا علم مصر، يسجد على الأرض حمدًا لله على نعمة الجنود الساهرين على حماية الشوارع والحدود، يمضي الساعات في أجواء احتفالية لا تخص ذكرى الثورة، إنما احتفالية عيد الشرطة.

احتقان الشارع المصري اليوم لا يسمح بنزول الميدان إلا تأييدًا لقوات الأمن، شاكرين لها سهرها على حماية الشوارع والحدود

لكن شادي من الثوار وله قصة، صديقه أحمد، أيضًا، خرج داعيًا للثورة وهو طفل، ولا يزال يحمل في قلبه وجعًا وسخرية مما يجري في الميدان هذه الأيام، اشتركا معًا في صناعة فيديو ساخر. في ميدان التحرير، قدَّما "الأوقية الذكرية" المنفوخة لأفراد أمن التحرير كـ"بلالين"، بعض العساكر تعاملوا مع الأمر بشكل طبيعي، مواطنون شرفاء أتوا لالتقاط الصور معهم، وحمل الأعلام، والالتفاف حول الشرطة في عيدها.

حتى ليلة 25 يناير، لم تخرج دعوات جادّة للنزول إلى الميادين بالتزامن مع ذكرى 25 يناير، حالة فراغ عامة في أماكن الاعتصام أثناء الثورة، فبعد خمس سنوات لم يعد أحد قادرًا على النزول، كل الذكريات صارت جزءًا من التاريخ، لم تبق إلا الفيديوهات الساخرة، هدية للشرطة في عيدها.

107 طلقات وراء فيديو الواقي الذكري

السؤال الآن، ما الذي دفع أحمد مالك وشادي للصدام مع الشرطة؟ في الحقيقة، كل منهما يحمل في قلبه ثأرًا قديمًا مع الداخلية. يقول شادي، الذي أصيب بـ107 "طلقة خرطوش" على يد الشرطة، في تصريحات صحفية سابقة: "كنت فى طريق عودتي من الجامعة حين علمت بأخبار توجه جماعة من السلفيين والإخوان إلى قصر الاتحادية، حيث يعتصم بعض المعارضين لقرارات محمد مرسى التي صدرت قبلها بأيام، عندما وصلت إلى البيت، رأيت فيديوهات فض الاعتصام بالقوة، فقررت النزول خاصة عندما انتشرت على موقع تويتر دعوات للتجمع بميدان "روكسي" للتوجه في مسيرة ضخمة إلى قصر الاتحادية، حدث تبادل قذف الحجارة بشكل كثيف بين الطرفين، قبل أن يبدأ صوت الأسلحة النارية من جانب قوات الأمن".

ويضيف شادي: "مع أول صوت لسلاح ناري، ظننت أنها طلقات صوت فقط لإرهاب المتقدمين، بالفعل تراجع كثيرون ناحية ميدان "روكسي"، فقررت أن أجتاز حاجز الخوف، وأن أتقدم ليقتدي بي البقية، لكنها كانت، على عكس ما توقعت، طلقات حقيقية، أصابتني فى جميع أنحاء جسدي، من أعلى الرأس إلى أسفل القدم، ، وجهت نحوي 106 طلقة فأظلمت الدنيا أمامي إثر طلقة أو اثنين دخلتا إلى عيني اليسرى، ثم خضعت لجراحة..".

ويروي أحمد مالك قصة إصابته بشرخ في الجمجمة: "شاركت مع صديق لي في ثورة 25 يناير منذ اليوم الأول، وكل منّا تعرّض لإصابة ضخمة، هو الله وحده يعلم ما جرى له، وأنا أصبت بشرخ في الجمجمة دخلت على إثره المستشفى، واعتقلت بعد المشاركة في مظاهرات محمد محمود بلا سبب".

وحوش السلطة تنهش مجروح الثورة

حين خرج الفيديو من الصفحة الشخصية لأحمد وشادي إلى عموم متابعي موقع فيسبوك وحصل على 30 ألف إعجاب، سرى الرعب في قلب شادي، مراسل برنامج "أبلة فاهيتا"، الذي اعتاد صناعة تقارير ساخرة ومضحكة، لكن هذه المرة خانه الحظ، وكتب على صفحته: "يلا نضحك كتير النهارده عشان بكرة النكتة هتخلص وتقلب بغم.. وأعتقد لما تقلب بغم كله هيعمل مش واخد باله".

"لحظة تهوّر غير محسوبة وأنا نادم وأعتذر"، هكذا وصف الفنان أحمد مالك، بطل فيلم "الجزيرة 2"، فيديو "الواقي الذكري"، الذي هزَّ صفحات فيسبوك احتفالًا بالذكرى الخامسة لثورة 25 يناير، حين شعر أن الشرطة والشعب "يد واحدة" ضده. لا تزال في رأس مالك صورة الشرطة هاربة من الشوارع في 28 كانون الثاني/يناير 2011، أمام قسوة الاحتجاجات، لكنه يعلم أن الداخلية استعادت قوتها، وعادت الشكاوى من ارتفاع عدد القتلى داخل السجون.

تحوّل الفيديو إلى كابوس، ببلاغ تقدم به المحامي سمير صبري، إلى النائب العام المصري، نبيل صادق، ضد كل من مالك وشادي، يطالب بالتحقيق معهما بتهمة "ازدراء رجال الشرطة" في واقعة "الكاندومز". بدا الغضب شعبيًا بعد البلاغ، فأكدت وزارة الداخلية، على لسان مصادر أمنية، أنها لن تعتقل الشابين، وستنتظر كلمة القضاء. وهل تنتظر الداخلية كلمة القضاء دائمًا؟، بالطبع لا، أطلقت رجالها وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي تطارد الشابين، وفي صفحة غير رسمية تتحدث باسم الشرطة على مواقع التواصل، تم إرسال رسائل علنية لمالك وشادي مفادها "مش هنسيبكم، وحق الشرطة مش هيضيع".

"أبلة فاهيتا" تتبرأ من شادي والإيحاءات الجنسية

واجه فيديو الواقي الذكري انتقادات عنيفة داخل مصر، لا تقف عند المواطنين الشرفاء أو "حزب الكنبة"، إنما من المقربين إلى أحمد وشادي أيضًا

واجه فيديو الواقي الذكري انتقادات عنيفة داخل مصر، لا تبدأ فقط بالمواطنين الشرفاء أو "حزب الكنبة"، اللقب الذي استحقوه خلال السنوات الماضية، إنما من جانب من هم أقرب إلى أحمد مالك وشادي أبو زيد أيضًا.

والد أحمد مالك هاجم ما فعله نجله مستنكرًا أن يحمل أحمد اسمه وكتب على فيسبوك: "مهما بلغت درجة الاختلاف من أي فرد من أفراد الشعب المصري، أو مع أي جهاز تنفيذي للدولة، فلا يحق لنا بأي حال من الأحوال أن نتطاول لا بالفعل أو لا بالقول عليه وخاصة أجهزتها التي تحمي أراضينا داخليًا وحدوديًا، من الجيش والشرطة والتي تذود بأرواح شهدائها للدفاع عن هذا الوطن الغالي على جميع الجبهات، وأنا هنا من موقعي هذا أعلن سخطي الشديد وعدم رضائي وأسفي عما بدر من شخصية للأسف تحمل اسمي، وأعتبر هذا عقوقًا للوطن أولاً، وعقوق الوالد ثانيًا، وكلاهما عند الله كبير، حفظ الله مصر من السفهاء أمثال هؤلاء، اللهم بلغت اللهم فاشهد".

على الجانب الآخر من الصورة، كان فريق عمل "أبلة فاهيتا"، القائم على "الإفيهات الجنسية"، ويتكوّن أغلبه من فريق إعداد "البرنامج" لباسم يوسف الممنوع الآن، متضامنًا مع شادي على صفحاته على فيسبوك، التضامن غير الرسمي الذي لا يدفع أحد ثمنه، بينما أصدرت "أبلة فاهيتا"، بصفة رسمية، بيانًا تتبرَّأ فيه من مراسلها، وتعتبره مسيئًا للآداب والأخلاقيات العامة والاحترام، ويقول نص البيان: "بمناسبة الفيديو الذي تم تداوله منذ أمس على مواقع التواصل الاجتماعي في صورة تقرير أعده وقدمه السيد شادي أبو زيد وتضمن ما لا يمكن قبوله من محتوى مسيء ينافي الآداب والأخلاقيات العامة ولا يتحلى بالمسؤولية والاحترام الواجب فإن أسرة برنامج "أبلة فاهيتا" والشركة المنتجة له تؤكد للجمهور المصري وللوسط الإعلامي وللسلطات العامة أنها لا يربطها بالسيد شادي أية علاقة خارج ما كان يؤديه من عمل بالبرنامج.. وليس لها رابط أو علاقة بأفعاله ومواقفه الشخصية..".

لكن "أبلة فاهيتا" تناقض نفسها، فهي دمية جنسية تعرض "مواقف جنسية" في برنامجها، وتستخدم شادي في تقديم "تقارير جنسية" أيضًا. وانقسم جمهور فيسبوك بين مساند ومعارض، من هم ضد فيديو الواقي الذكري رفضوه بناء على أسس أخلاقية، وهو رفض السخرية من الأمن المركزي، وليس على أساس الموافقة الضمنية على قمع وظلم الشرطة، هكذا وضح الكاتب الصحفي المصري أحمد الدريني، وأضاف على صفحته الشخصية: "كأن رفضك لقلة الأدب معناه بالضرورة موافقتك على القتل والتعذيب.. وهذا غير صحيح".

المؤيدون: الغاضبون "مدّعو فضيلة"

المؤيدون لفيديو الواقي الذكري يعتبرون الموقف نضاليًا ومؤثرًا في مسار الثورة، وبعضهم يعتبره قد صنع "الموجة الثانية للثورة"

المؤيدون لأحمد مالك وشادي أبو زيد، يعتبرون الموقف نضاليًا مؤثرًا في مسار الثورة، بعضهم يعتبره صنع "الموجة الثانية للثورة"، رغم أن مالك نفسه اعتذر عن الفيديو والإساءة، وذكر في نص الاعتذار أنه "تحت سن العشرين، وأحيانًا يفعل أشياء غير محسوبة". هو شخصيًا اعتبر ما فعله تهوّرًا في حق الشرطة. يقول البعض: "اعتذر تحت وطأة ورهبة الرعب من ردّة فعل الداخلية والإعلام وحزب الكنبة، وهذا مبرّر كافٍ لفهم وتفهُّم موقفه".

من يقف في صف مالك وشادي أغلبهم نشطاء، وحقوقيون، يضعون الغاضبين من فيديو الواقي الذكري في خانة "مدَّعي الفضيلة". يقول الناشط والمحامي مالك عدلي: "نحن أصحاب حق ولنا ثأر حقيقي مع الشرطة، وسنحصل عليه بالقانون. لم نذع تسريبات ولا فيديوهات جنسية على الهواء، ولا سرقنا ولا قتلنا ولا تسترنا على الفساد، وبعض أفراد الشرطة سخروا من الثوار لأنهم شعروا بالفراغ والثوار لم ينزلوا الميدان..".

هل يكفي عدم إذاعة تسريبات أو فيديوهات جنسية للتضامن مع شادي وأحمد؟، البعض يجيب بـ"نعم"، والبعض الآخر يعتبر ما حدث خطأً في كل الأحوال، لكن لماذا لم يعلق الغاضبون على فقء العيون في شوارع وسط البلد، وتعرية البنات، والاغتصاب، وكشوف العذرية، وضرب المتظاهرين بالرصاص وقنابل الغاز؟ يتساءل البعض، وقد تكون الإجابة نفسها: "لأنهم يدعون الفضيلة".

اقرأ/ي أيضًا:

25 يناير.. عيد الثورة الذي لم تنسَه الشرطة

في مديح الثورة السلمية