16-سبتمبر-2018

مع كل موسم لعودة المدارس في لبنان يجد الأهالي أنفسهم في مواجهة الجشع والغلاء (أ.ف.ب)

جاء فصل الخريف، وجاء معه كالعادة الحديث عن عودة المدارس. وفيما امتلأت الأعمدة والجدران بالملصقات الإعلانية التي تروج للمدارس والمعاهد والمكتبات، وجد الأهالي وأولياء الأمور أنفسهم مرة أخرى، وهم يرزحون تحت نير غلاء الأقساط المدرسية، وما يتبعها من كتب وزي مدرسي وقرطاسية وما إلى ذلك. فتضاف إلى الأعباء والهموم اليومية التي تقض مضاجع المواطنين، فتبدأ بأزمة الكهرباء والماء والتلوث، ولا تنتهي بغياب فرص العمل وغلاء المعيشة وغياب التقديمات الاجتماعية.

يجد الأهالي في لبنان أنفسهم عند كل موسم لعودة المدارس، في مواجهة الجشع والغلاء ما بين أقساط المدرسة ومصاريف الأغراض المدرسية

ويجد الأهالي أنفسهم بين خيارين لا ثالث لهما، اللجوء إلى المدارس الحكومية التابعة للدولة ذات التكلفة المنخفضة، والتي لا تحظى بالثقة الكافية لجهة المستوى والتجهيزات والانضباط السلوكي وما إلى ذلك (باستثناء حالات قليلة)، أو تحمّل النفقات الباهظة للمدارس الخاصة. علمًا بأن إدارات هذه المادرس تلجأ عند مشارف كل عام دراسي جديد، إلى رفع الأقساط مستخدمة الحجج مختلفة.

اقرأ/ي أيضًا: لبنان.. التعليم الرسمي في قبضة الفاسدين

وفي السنوات الأخيرة، وبعد إقرار الدولة سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام، والتي كان من المفترض أن يستفيد منها معلمو القطاع الخاص؛ رفعت معظم المدارس أقساطها لتغطية هذه الزيادة. مع العلم أن السواد الأعظم من المعلمين في القطاع الخاص، لم يحصلوا على أية زيادة.

وتعوّل المدارس في مماطلتها هذه في زيادة الرواتب، على حاجة المعلم لفرصة العمل، كذلك على غياب أي دور جدي وفعال لوزارة التربية أو النقابات التربوية، في محاسبة ومراقبة عمل هذه المدارس، وفي تأمين حقوق ومصالح المعلمين.

ولا تكتفي المدارس بزيادة أقساطها، بل إنها تدأب كل الوقت، وبشتى الطرق، على سحب الأموال من جيب المواطنين، وتحويلها إلى حساباتها البنكية. وتغيّر المدراس زي الطلاب كل فترة، ما يُرغم وليّ الأمر على دفع ما معدله 30 دولارًا على الأقل ثمنًا للزي الواحد. كذلك تُغيّر المدارس كتبها باستمرار، فيجد الأهل أنفسهم مضطرين كل سنة لشراء كتب جديدة، فتتعذر الإستفادة من الكتب المستعملة، وتوارث الكتب بين الإخوة، بسبب ما يسمونه "طبعات جديدة". وهي غالباً لا تختلف عن الطبعة السابقة إلا في بعض الشكليات.

ويصل معدل سعر مجموعة الكتب لسنة دراسية واحدة، في المرحلة الابتدائية، وفي مدرسة تعد متوسطة مت ناحية السعر والمستوى، حوالى 200 دولار أميركي، أي ما يعادل تقريباً نصف الحد الأدنى للأجور، وبالتالي ما يُعادل عمل أسبوعين كاملين. وهنا نحن نتحدث عن التلميذ الواحد فقط، علمًا بأن المبلغ المذكور لا يشتمل على الكراريس والمفكرات المدرسية. وقد أصبحت معظم المدارس تطبع كراريسها ومفكراتها الخاصة، وتفرض على الأهالي شراءها لأبنائهم التلاميذ، وبأسعار مرتفعة، فيخسر الأهل احتمالية البحث عن قرطاسية في الأسواق الشعبية أيضًا.

يجاهد أولياء الأمور في لبنان لتأمين فرص تعليم أفضل لأبنائهم رغم انسداد كل الآفاق في البلاد
يجاهد أولياء الأمور في لبنان لتأمين فرص تعليم أفضل لأبنائهم رغم انسداد كل الآفاق في البلاد 

إضافة إلى الأقساط والكتب والكراريس والقرطاسية، يتحمل الأهالي وأولياء الأمور تبعات غلاء المحروقات والتي تنعكس ارتفاعاً في كلفة النقل، حيث تتراوح أجرة نقل التلميذ الواحد بالحافلة المدرسية، ما بين 30 إلى 70 دولارًا، بحسب المسافة وبحسب تسعيرة المدرسة.

أما عن المناسبات الوطنية والدينية والأعياد، فحدث ولا حرج، فلكل مناسبة زي خاص وطقوس خاصة تستتبعها لوازم وحاجيات يشتريها أولياء الأمور، أو يرسلون أموالاً للمدرسة بناءً على طلبها. ناهيك عن الحفلات المدرسية والرحلات، والبرامج التي تدخلها المدارس إلى مناهجها، وتفرض على التلاميذ الالتحاق بها، ما يضيف على الأهل المزيد من الأعباء.

تستخدم المدارس اللبنانية في معظمها أسلوب الحشو والتلقين، فتكثر المواد الدراسية وتتكدس المعلومات في رأس التلميذ بشكل مرهق، ما يؤثر على قدراته التحليلية، ويحد من مجالات الإبداع والابتكار. كما يؤدي تكديس الوظائف المنزلية على المفكرات بشكل عشوائي، إلى عجز كبير لدى التلاميذ للقيام بواجباتهم لوحدهم. الأهل الذين لا يملكون القدرة العلمية لمساعدة أبنائهم، أو الذين لا يملكون الوقت بسبب مزاولتهم أكثر من عمل لمجابهة المتطلبات المعيشية؛ يلجأون عادة إلى المعلمين الخصوصيين، أو إلى مراكز التدريس الخصوصي، فتزيد الأكلاف أكثر فأكثر.

رغم حال البلد المتعثر وانسداد الآفاق، يُجاهد الأهالي في لبنان لتوفير فرص تعليم أفضل لأبنائهم تأمينًا لمستقبلهم كما يعتقدون

ويبذل الأهالي وأولياء الأمور في لبنان الغالي والنفيس، لتعليم أبنائهم، وبالتالي منحهم فرصة للحصول على حياة أفضل مما هم عليه اليوم، كما يعتقدون. وعليه فإنهم يجدون أنفسهم مع مطلع كل عام دراسي، منغمسين في معترك شاق لتأمين المتطلبات واللوازم للأبناء، بالرغم من انسداد الأفق على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية، فتكاد تنعدم فرص العمل أمام الشباب المتخرج حديثًا والمنطلق إلى سوق العمل. ومع ذلك يُصر الأهالي على إعطاء الأوليوة لإيصال أبنائهم إلى مراتب علمية عالية، تكون سنداً لهم في المستقبل، رغم حال البلد المتعثر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

3 ملايين دولار لإصلاح التعليم في لبنان..ما الجدوى؟

في لبنان..أطفال بين الشوارع والمدارس!