26-مارس-2019

هادي في زيارة سابقة إلى موسكو (يوري كاديبنوف/أ.ف.ب)

شهدت الأزمة اليمنية منذ بدئها، مواقف متناقضة للدور الروسي، فمنذ اندلاع الحرب في البلاد، عقب الانقلاب الحوثي على حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، في الحادي والعشرين من أيلول/سبتمبر 2014، لم تحدد موسكو الطرف الذي تدعمه، فهي تلاعب كل الأطراف السياسية في البلاد، بما في ذاك التحالف السعودي الإماراتي، الذي يتسبب بمجاعة غير مسبوقة في البلاد.

تحافظ روسيا على علاقتها بالتحالف السعودي الإمارتي، المستورد لأسلحتها، وتعمل على تقوية العلاقات مع جماعة الحوثي

لقاءات عديدة جمعت مسؤولين روس بقيادات جماعة الحوثيين المسلحة المدعومة من إيران أيضًا، بالإضافة إلى حكومة الرئيس هادي، وأخيرًا المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي والممول من الإمارات، فروسيا تعمل على توسيع علاقاتها مع كافة القوى السياسية في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: غراميات السعودية والقاعدة في اليمن.. حنين إلى مظلة بريجنسكي

يوم يومين، غادر السفير الروسي لدى اليمن، فلاديمير ديدوشكين مدينة عدن جنوب اليمن، عقب زيارة استمرت ثلاثة أيام إلى المدينة زار فيها العديد من المناطق الحيوية. وخلال لقائه بالحكومة اليمنية، أكد سفير موسكو دعم بلاده لشرعية هادي، وحرصها على أمن واستقرار ووحدة اليمن، فيما كشف عن اعتزام بلاده إعادة تجهيز وترميم قنصليتها في مدينة عدن.

مع ذلك، فقد زار ديدوشكين مقر المجلس الانتقالي الجنوبي في مدينة عدن، واستقبلته قيادات المجلس الانتقالي، بشكل رسمي، ورفعت علم اليمن العربي (علم ما قبل الوحدة اليمنية) إلى جانب علم روسيا. وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده، قبيل مغادرته مطار عدن الدولي، قال إن "روسيا لا ترحب بتقسيم اليمن وتدعم بقاءه موحدًا".

وأشار إلى أن زيارته إلى عدن جاءت بناءً على دعوة من الرئيس هادي والحكومة الشرعية للتعرف عن كثب على الوضع في عدن. وعلى الرغم من هذه التصريحات، فإن زيارة السفير الروسي لمدينة عدن، تزامنت مع زيارة لوفد من قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة عيدروس الزبيدي إلى موسكو، بدعوة من روسيا، كما عقد الوفد الأربعاء الماضي، لقاءات مع كل من نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الروسي ليونيد سلوتسكي.

مصالح موسكو

حافظت روسيا على علاقاتها خلال الحرب في البلاد مع مختلف الأطراف، سواء الحكومة اليمنية أو الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الذي كان حليفًا للحوثيين، وكذلك أطراف مختلفة في الجنوب، فحتى نهاية العام 2017، كانت سفارة روسيا، لا تزال هي الوحيدة التي تعمل في العاصمة صنعاء.

علاقة موسكو، واسعة مع الأطراف اليمنية، من جهة، ودول التحالف العربي من جهة ثانية، وكذلك مع طهران الداعمة للحوثيين من جهة ثالثة تبدو وكأنها تعكس مصالح سياسية واسعة، مع محاولة للتأثير في الملف اليمني، بشكل أو بآخر. في هذا السياق، قد قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن موسكو ستواصل تقديم المساعدات الإنسانية لليمن، معبرًا عن استعداد بلاده لدعم الجهود الأممية لإيجاد الحل السياسي للأزمة اليمنية.

ويفسر مركز كارينجي للسلام ذلك التوجه الروسي وحرص موسكو على الحفاظ على علاقات مع مختلف الأطراف باليمن، بأنه يأتي في إطار التطلعات الروسية في البحر الأحمر، ورغبتها بإنشاء قاعدة عسكرية على مقربة من مضيق باب المندب ذي الأهمية الاستراتيجية، والذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن.

لا تختلف روسيا عن الدول الغربية الأخرى فهي لديها أطماع في اليمن، بسبب موقعها الاستراتيجي وتحكمها في مضيق باب المندب، ما جعلها  تتعامل بحذر وتفتح قنوات اتصال مع جميع المكونات السياسية في البلاد.

خيوط جديدة

بعد أن تحدث تقرير خبراء مجلس الأمن السنوي لعام 2018، عن الوضع في اليمن، وتأكيده أن حكومة هادي تآكلت، وأن قوات الانتقالي هي المسيطرة على الأرض، بدأت موسكو في البحث عن الطرف الأقوى من أجل بناء علاقات جديدة معه.

في هذا الصدد، يقال المحلل السياسي اليمني، أكرم الحاج، إن زيارة الروس الى عدن جاءت لاستفزاز الجانب الأمريكي، في ظل دعوات أمريكية غير رسمية لاستمرار الدعم للتحالف العربي الذي تقوده السعوديه في اليمن. ولفت الحاج لـ"ألترا صوت" إلى أن الزياره جزء من "المناورة السياسيه فقط لا غير وكأنهم يقولون للأمريكان نحن هنا"، مستدركًا: "ليست زيارة الروس بريئة على أية حال، ففي بادئ الأمر وجه السفير الروسي لطمة قاسية للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يريد الانفصال عن شمال البلاد، بمعارضة بلاده لوجود أي كيانات موازية للدولة. لكن الروس بإمكانهم  اللعب مع الجميع حتى يعتقد كل طرف أن الروس يقفون معهم وبكل قوه ومع المراحل تتلاشى تلك المواقف الروسيه خاصة فيما يعول عليه الانتقالي الانفصالي الجنوبي".

وعقب وصول السفير الروسي فلاديمير ديدوشكين، وصل السفير الأمريكي إلى مدينة عدن الخميس الماضي، وهو ما وصفه أكرم الحاج بسباق لمداعبة الحلقة الأضعف، وهو المجلس الانتقالي، مؤكدًا أن ما يجري أمر جديد وله ما بعده، مشيرًا إلى أن للأمر علاقة مباشرة في سحب البساط من تحت أقدام التحالف العربي، الذي ظل لأربع سنوات يمارس الفشل وتفريخ الكيانات الموازية للدولة.

وتسعى روسيا إلى توسيع نفوذها في منطقة البحر الأحمر، تحت ذريعة أن التوسط في النزاعات الداخلية في اليمن، يساهم في جعل المنطقة أكثر أمانًا. وقال الكاتب صموئيل راماني في مقالٍ نشره في موقع "المونيتور" إن رغبة روسيا في إدخال نفسها كشركة مساهمة في جنوب اليمن، ترتبط ارتباطًا وثيقًا برغبتها في الانضمام إلى المنافسة بين الدول للوصول إلى البحر الأحمر".

وذكر أن روسيا أجرت في الأشهر الأخيرة، مفاوضات مع كبار صانعي السياسات في القرن الأفريقي لتعزيز وجودها الاقتصادي والعسكري في المنطقة. وقد أسفرت هذه المبادرات الدبلوماسية عن مناقشات جادة حول إنشاء قاعدة بحرية روسية في أرض الصومال واتفاق في الأول من أيلول/سبتمبر لإنشاء مركز لوجستي في إريتريا. متابعًا: "إذا أقامت روسيا هذه التسهيلات، فإن منشأة عسكرية في جنوب اليمن ستكون رصيدًا استراتيجيًا مرغوبًا، لأنها ستربط وجود موسكو في القرن الأفريقي بشبه الجزيرة العربية"، وفق تعبيره.

اقرأ/ي أيضًا: صعدة ليست الأولى.. أبرز مجازر السعودية بحق الأطفال في اليمن

ولتعزيز الاستقرار في جنوب اليمن، يقول صموئيل راماني، إن روسيا لعبت دورًا فعالًا في مكافحة التهديدات لاقتصاد اليمن الجنوبي وضمان أمن ممرات الشحن الخاصة به. مشيرًا إلى أنه منذ شهر أيلول/سبتمبر 2017، سهلت روسيا نقل العملة الصعبة من البنك المركزي اليمني إلى جنوب اليمن لضمان حصول الموظفين الحكوميين والعسكريين اليمنيين الذين يؤيدون الحكومة على أجورٍ كافية. غير أن روسيا تواجه عقبات كبيرة في سعيها لترسيخ نفسها كشركة مساهمة لا غنى عنها في جنوب اليمن.

يأتي التوجه الروسي إلى الحفاظ على علاقات مع مختلف الأطراف باليمن في إطار تطلعات موسكو في البحر الأحمر

تحافظ روسيا على علاقتها بالتحالف السعودي الإمارتي، المستورد لأسلحتها المستخدمة في حرب اليمن، وتعمل على تقوية العلاقات مع جماعة الحوثيين المدعومة من حليفها الرئيس "ايران"، من جهة، وتمد خطوط جديدة مع المحلس الانتقالي الجنوبي من جهة أخرى، باحثة عن مصالحها التي تتضح أكثر يومًا بعد آخر، دون أن تضطر إلى الانحياز لطرف على حساب آخر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

اليمن على حافة المجاعة.. التحالف السعودي يحول البلاد إلى مقبرة

آخر جرائم السعودية في اليمن.. تهجير قسري لأكثر من 121 ألف مدني من الحديدة