29-يونيو-2019

قطعت السلطات الموريتانية الإنترنت لردع احتجاجات المعارضة (فيسبوك)

محمد يحيى حسني

إذا كانت الانتخابات هي أفضل تسويةٍ ممكنة في أي نظام حكم ديمقراطي، من المفترض أنّ تكون مؤشرًا على التداول السلمي للسلطة، فإن ذلك ما لا ينطبق على حالة الانتخابات الموريتانية التي أسفرت عن جملة إجراءات شوّهت ما أسماه البعض "العرس الديمقراطي"، وجعلت البعض يُشكّك في  وجود ديمقراطية حقيقية موريتانية في ظل اللجوء المفرط لاستخدام القوة والتضييق على الحريات، هذا فضلًا عن ما أُثير حول شفافية ونزاهة الحدث نفسه.

قد تكون حالة الأزمة التي استبقت تسليم السلطة لولد الغزواني من طرف الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز هي مؤشر دال على إمكانية انسداد سياسي قد يقلب الأمور رأسًا على عقب، وقد يقود البلاد إلى سيناريوهات غير متوقعة

موريتانيا بلا إنترنت

بعد صدور نتائج الانتخابات بيومين وما أثارته من احتجاجات قامت السلطات الموريتانية بقطع خدمة الإنترنت عن الهواتف المحمولة، لكن السلطات الموريتانية لم تكتف بهذا الإجراء الجزئي بل قامت "بقطع شبكة الإنترنت المنزلي وشبكة الواي فاي عن العاصمة الموريتانية نواكشوط وجميع الولايات الداخلية"، وهو ما تسبب في "حالة موات" لمواقع التواصل الاجتماعي الموريتاني التي تعتبر حاليًا أهم المنصات التي يتعاطى عبرها الشباب الموريتاني الشأن العام، هذا فضلًا عن تضرر قطاع الخدمات والبنوك. فقد سجّلت وكالات السفر الموريتانية خسائر بالملايين نتيجة انقطاع الإنترنت بشكل متواصل، دون معرفة حجم خسائر القطاع المالي.

اقرأ/ي أيضًا: فوضى أحزاب موريتانيا.. تعددية غير ديمقراطية

هذه الوضعية قادت مدونين موريتانيين مقيمين خارج موريتانيا إلى إطلاق هاشتاغ #موريتانيا_بلا_إنترنت الذي تفاعل عبره المئات من منتقدي هذه الخطوة.

خطوة الحكومة بقطع الإنترنت فسّرها البعض بأنها محاولة للتغطية على القمع الذي مارسه الأمن ضد المحتجين وموجة الاعتقالات التي طالت العشرات منهم، كما تأتي في ظل دعوة رباعي المعارضة المشارك في الانتخابات إلى مسيرة احتجاجية حاشدة في العاصمة نواكشوط رفضًا لنتائج الانتخابات، وبالتالي فالخطوة هي خطوة استباقية لمنع الحشد والتنسيق والتواصل، وهو ما اضطر المعارضة فعلًا إلى إلغاء مسيرتها الاحتجاجية إلى أجل غير معلوم.

على الطرف الآخر برّرت الحكومة الموريتانية خطوة قطع الإنترنت بحالة الفوضى التي تسعى بعض الجهات لتعميمها حسب تصريحات وزير الداخلية الموريتاني أحمد ولد عبد الله، الذي اتهم جهات خارجية بتدبير مكيدة لموريتانيا "لزعزعة أمنها واستقرارها"، لكن هذه المبررات الأمنية لم ترق للكثيرين بينهم نواب في البرلمان ندّدوا بالخطوة، وفي هذا الإطار انتقد النائب الشاب محمد الأمين ولد سيدي مولود قرار قطع الإنترنت بسخرية لاذعة  قائلا: "إن نظامًا لا يستطيع توفير الأمن إلا بتعطيل مصالح الناس وانتهاك حرياتهم نظام فاشل"، كما أضاف أنه "من مضحكات التفكير أن تستدعي مراسلي المواقع الإلكترونية لتغطية مؤتمر صحفي وأنت تقطع الإنترنت!".

إغلاق مقرات مرشّحي المعارضة

أقدمت الشرطة الموريتانية على إغلاق مقرات مرشحي المعارضة الأربعة في العاصمة نواكشوط. وقد استبق الأمن الموريتاني قرار الإغلاق بمداهمات أمنية لمقر حزب الحركة من أجل إعادة التأسيس الذي يرأسه المرشح للرئاسيات حاميدو كان بابا، وهو ما اعتبره بعض المتابعين محاولة لإضفاء أبعاد عرقية على مسألة الاحتجاجات، خاصة مع قيام وحدات أمنية بتطويق المقاطعات التي تقطنها أغلبية من السود الموريتانيين، وتصوير تلك الأماكن على أنها مبعث أعمال الشغب والتخريب. 

مرشحو المعارضة نددوا بتصرفات الحكومة وعبّروا عن رفضهم لها، وذلك بالرغم من إلغائهم للفعاليات الاحتجاجية التي كانوا يريدون إطلاقها رفضًا لنتائج الانتخابات، واكتفى بعضهم حتى اللحظة بتقديم طعون قانونية على نتيجة الانتخابات. ولعل السبب وراء ذلك يكمن في اللهجة الحادة التي جابهت بها الحكومة المعارضة حيث قال وزير الداخلية الموريتاني بنبرة تهديدية في مؤتمر صحفي يوم الخميس 27 حزيران/يونيو 2019 بأن "من ينزل محتجًا للشارع لا يلومنّ إلا نفسه"، في ظل عسكرة ملاحظة للعاصمة نواكشوط، ومن جهة أخرى يعتقد بعض المتابعين أن وساطات قد انطلقت بين المعارضة والنظام لتسوية الأزمة بشكل سياسي بعيدًا عن الشارع. 

اقرأ/ي أيضًا: موريتانيا بين جنرالين

 استقالة الناطق باسم الحكومة.. مؤشر على ارتباك حكومي

بينما كان وزير الداخلية حادّا في تصريحاته على هامش المؤتمر الأسبوعي للحكومة، بدا الناطق الرسمي باسم الحكومة أكثر هدوءًا وميلًا إلى التهدئة، حيث نسف بشكل مباشر فرضية العامل الخارجي في الاحتجاجات التي ألح عليها وزير الداخلية حينما قال "إن الحكومة الموريتانية لا تتهم إطلاقًا حكومات دول الجوار ولا أجهزتها أو شعوبها بالتورط في الاحتجاجات وأعمال الشغب". وبعد هذا المؤتمر الصحفي بأقل من 24 ساعة قدّم الناطق باسم الحكومة استقالته، وقد اعتبر البعض خطوة الوزير سيدي محمد ولد محّم مؤشرًا على وجود شرخ سياسي داخل النظام وحكومته، في حين اعتبر البعض أن الاستقالة تمّت لأسباب شخصية تتعلق باستدعاء مقرّبين من الوزير من طرف شرطة الجرائم الاقتصادية على خلفية ملفات فساد.

أقدمت الشرطة الموريتانية على إغلاق مقرات مرشحي المعارضة الأربعة في العاصمة نواكشوط. وقد استبق الأمن الموريتاني قرار الإغلاق بمداهمات أمنية لمقر حزب الحركة من أجل إعادة التأسيس

مهما يكن من أمر فإن حالة الأزمة التي استبقت تسليم السلطة للرئيس المنتخب من طرف الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز هي مؤشر دال على إمكانية انسداد سياسي قد يقلب الأمور رأسًا على عقب، وقد يقود البلاد إلى سيناريوهات غير متوقعة، ولعلّ عدم ظهور الرئيس المنتخب محمد ولد الغزواني بعد إعلان نتائج الانتخابات من المؤشرات الباعثة على القلق والتوجس، كما أن إدانة بعض مسانديه لأسلوب الحكومة في التعامل مع التظاهرات وقطع الإنترنت من الأمور التي توحي ببداية صراع الأجنحة داخل النظام. فهل ينقلب النظام على نفسه؟

 

اقرأ/ي أيضًا: 

حوار| ولد مولود: لا توجد أرضية نزيهة لانتخابات موريتانيا والمقاطعة ليست حلًا