04-يوليو-2020

موجة جديدة من الانتحار في لبنان (أ.ف.ب)

اختار المواطن اللّبناني علي الهق صباح يوم الجمعة لينهي حياته، من خلال إطلاق النار على رأسه من مسدّس قرب أحد المقاهي في شارع الحمرا في العاصمة. حمل انتحاره الكثير من الدلّالات والرّموز، وبدا انتحاره تعبيرًا صارخًا عن اليأس من الوضع الاقتصاديّ الّذي وصلت إليه البلاد، وربما احتجاجًا عليه. فبالإضافة إلى رمزيّة شارع الحمرا كمنبر لبنانيّ وعربيّ للتّعبير عن الوجع، وضع الهق على صدره سجلًا عدليًّا ممهورًا بعبارة "لا حكم عليه"، ليقول إنّه مواطن شريف ذي سجلٍ عدليٍّ نظيف، وإنّه دفع ثمن نزاهته يأسًا من الحياة، ورفضًا لواقع سياسيّ نجح في خنق كل مقوّمات الحياة.

تعيد حوادث الانتحار المتكرّرة الّتي يشهدها لبنان اليوم، سلسلة مشابهة شهدتها البلاد نهاية العام الماضي، وصلت يومها إلى خمس حالات في مدّة زمنيّة قصيرة، مرتبطة جميعها بتدهور الأوضاع الاقتصاديّة

كما حمل الهق الّذي أثار موته موجة تضامن واسعة، لافتةً كُتب عليها عبارة "أنا مش كافر"، الّتي يتمتم اللّبناني عندما يسمعها "بس الجوع الكافر"، نسبة لمطلع الأغنية الّتي كتبها وأدّاها زياد الرّحباني. كما لو أنه أراد أن يردّ مسبّقًا على من سيرميه بتهمة الكفر، مدينًا الوضع الّذي وصلت إليه البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: الانتحار يغزو لبنان.. آخر ملاذات الفقر

فور شيوع الخبر، تقاطر عددٌ من النّاشطين إلى شارع الحمرا للتّعبير عن تعاطفهم وتضامنهم مع الهق، وسخطهم على الطّبقة السّياسيّة الحاكمة الّتي فشلت في تقديم أيّة حلول ملموسة خلال الأشهر الأخيرة، بالرّغم من عشرات الوعود الّتي أغدقتها على اللّبنانيين. وقد بقيت جثّة الهق المضرّجة بدمائه أكثر من أربع ساعات على الأرض، بسبب عدم وجود مستشفى جاهز لاستقبال الجثّة بحسب الأجهزة الأمنيّة، ما ساهم في تسعير غضب المواطنين الّذين احتشدوا في المنطقة، في مشهد أعطى الانتحار المزيد من الرمزيّة، وعكس بشكلٍ فجٍّ عجز الدولة عن احترام مواطنيها حتّى بعد وفاتهم. ولم يكد اللّبنانيّون يستوعبون خبر انتحار الهق، حتّى وصلهم نبأ انتحار المواطن سامر حبلي  في وادي الزّينة قرب صيدا، حيث قام بشنق نفسه داخل منزله، بعدما تقطّعت به السّبل، وعجز عن تأمين قوت عائلته.

النّاشطون اللّبنانيون أطلقوا حملات على وسائل التّواصل للتّعبير عن غضبهم، وتداولوا وسم #أنا_مش_كافر، كما توجّه محتجّون عصرًا إلى شارع الحمرا وأشعلوا الشّموع لراحة نفس الهق في مكان وقوع الحادثة. واستمرّ مسلسل حوادث الانتحار إلى يوم السبت، حيث انتشرت أخبار على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، عن انتحار شاب في العقد الثّالث من عمره، بعد قيامه بإطلاق النّار على رأسه في منطقة الحوش في صور.

اقرأ/ي أيضًا: نورهان حمود.. جدل تصاعد الانتحار في لبنان مجددًا

تعيد حوادث الانتحار المتكرّرة الّتي يشهدها لبنان اليوم، سلسلة مشابهة شهدتها البلاد نهاية العام الماضي، وصلت يومها إلى خمس حالات في مدّة زمنيّة قصيرة، مرتبطة جميعها بتدهور الأوضاع الاقتصاديّة. فيما تتخوف تقارير من تفاقم تلك الحالات في الفترة القادمة في لبنان، نتيجة الأزمة الماليّة الخانقة، والضّغط النّفسيّ المهول الّذي يعيشه المواطنون، وقد تمظهر هذا الضّغط في سلسلة حوادث أمنيّة شهدتها البلاد في الأيّام الأخيرة، تزداد وتيرتها مع الوقت، كسرقة الصّيدليات والمحال التّجاريّة، وعمليات النّصب والتّزوير والاحتيال، فيما يخشى اللبنانيون من تدهور الأوضاع أكثر، ما يعيد إلى الأذهان حقبة الحرب الأهليّة، وحوادث الخطف والابتزاز والقتل الّتي شهدها لبنان يومها.

النّاشطون اللّبنانيون أطلقوا حملات على وسائل التّواصل للتّعبير عن غضبهم، وتداولوا وسم #أنا_مش_كافر

 كما اعتبر ناشطون أن الاعتداء بالضّرب المبرّح الّذي تعرّض له النّاشط والمحامي واصف الحركي في وضح النهار، دليلٌ على أن التّفلّت الأمنيّ وبلطجة السّلطة وقرارتها الجائرة في استدعاء المدوّنين بسبب منشوراتهم، ستزداد مع الوقت وستكون سمة المرحلة المقبلة. في المقابل، وفي ظلّ عجز الفريق الحاكم والتهاء الأفرقاء في تقاسم حصّة من هنا وتعيين من هناك، وبالرغم من المساعي الّتي تبذلها القوى على الأرض ومجموعات الانتفاضة في خلق حالات تكافل اجتماعيّ لدفع شبح الفقر والجوع عن الفئات الأكثر فقرًا، فإن أيّة بارقة أمل لا تلوح في الأفق، في ظلّ انسداد كل أقنية الحلول، مع إشاحة المجتمع الدّوليّ والدّول العربيّة بوجههما عن لبنان.