08-يناير-2023
gettyimages

من غير المتوقع إحياء مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني خلال الفترة القريبة (Getty)

عاد مؤخرًا الحديث عن الاتفاق النووي الإيراني، بين طهران والدول الغربية، خلال اتصال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بنظيره الإسرائيلي إيلي كوهين، لتهنئة الأخير بمنصبه الجديد. ووفق ما نشرت صحيفة يسرائيل هيوم العبرية عن تلك المباحثات، أشار الوزير الأمريكي إلى أن الاتفاق النووي الإيراني "قد مات إلى حدٍ ما".

وفق ما نشرت صحيفة يسرائيل هيوم العبرية عن تلك المباحثات، أشار الوزير الأمريكي إلى أن الاتفاق النووي الإيراني "قد مات إلى حد ما"

ونقلت الصحيفة عن بلينكن قوله: "إن الولايات المتحدة ستشدّد العقوبات على إيران، وستجنّد دول أوروبا لهذا الهدف". فيما كرّر كوهين، من جانبه "موقف إسرائيل بوجوب زيادة الضغط على طهران، وعدم العودة إلى الاتفاق النووي". وفي ذات السياق، يذكر أن الرئيس الأمريكي جو بايدن سبق وتحدّث عن "موت" الاتفاق النووي، الذي وقعته بلاده مع إيران عام 2015، مشيرًا إلى أنه لن يعلن وفاته بصورةٍ رسمية.

هذا ونفى مسؤول أمريكي كبير ما جاء في تقرير الصحيفة العبرية عن مضامين اتصال كوهين وبلينكن، مشيرًا في معرض حديثه لموقع "Al-Monitor"، إلى أن واشنطن وتل أبيب وجدتا "أرضيةً مشتركةً للتركيز على قمع السلطات الإيرانية الوحشي للمتظاهرين في إيران، والدعم الإيراني لروسيا في حربها على أوكرانيا".

وبحسب الموقع، فقد اشتدت لعبة التراشق باللوم حول المحادثات النووية مع تلاشي الآمال في إحياء الاتفاق. وينقل ذات الموقع عن دبلوماسي أوروبي مشارك في تلك المحادثات، حديثه عن أن طهران "وضعت نفسها في عين العاصفة، بالنظر إلى التدهور الذي يشهده وضعها الداخلي وإقدامها على نقل الأسلحة إلى روسيا، وانسداد المفاوضات حول الاتفاق النووي". هذا وتشير المصادر الغربية إلى أن طهران عرقلت في عدة مناسبات التوصل لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، كان آخرها في أيلول/ سبتمبر الماضي.

getty

ومنذ ذلك الحين، ركزت واشنطن وبروكسل على خطة بديلة لعزل والضغط على النظام الإيراني، بسبب حملته القمعية في الداخل ودعمه العسكري لموسكو. وهو ما يوضحه الدبلوماسي الأوروبي بالقول: "القوى الغربية لديها نهج موحد (في الضغط على إيران)، المختلف هو أن بعض الأعضاء، مثل ألمانيا، يمارسون ضغوطًا أكثر بخصوص مسألة حقوق الإنسان (...) فيما أثَّرت حرب أوكرانيا على جميع الملفات الأخرى، بما في ذلك مفاوضات إحياء اتفاق البرنامج النووي الإيراني". ويضيف مستدركًا، هذا "لا يعني أن الصفقة قد ماتت، لكن الاتجاه العام يشير إلى أن الحديث عن خطة العمل الشاملة المشتركة قد اختفت إلى حد كبير من تصريحات المسؤولين الأمريكيين، واستعيض عنها بالتزام مبهم بالدبلوماسية، باعتبارها الطريقة المفضلة والأفضل لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي".

وتشير إيران إلى أنها لا تزال تريد العودة إلى الاتفاق النووي، وهو ما أعرب عنه وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان، خلال زيارته إلى عُمان في 28 كانون الأول/ ديسمبر، حيث أشاد بدور المسؤولين العمانيين في "تقريب وجهات نظر الطرفين (في مفاوضات رفع الحظر) والوصول إلى الخطوات النهائية للاتفاق". ويذكر بأن هذه الزيارة جاءت عقب لقاء  عبد اللهيان بمنسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في الأردن على هامش قمة العراق في 20 كانون الأول/ ديسمبر.

وعلى الرغم من تأكيد بوريل على أن الاتحاد الأوروبي ينتهج سياسة ذات مسارين؛ إحياء "خطة العمل الشاملة المشتركة"، والضغط على إيران عبر العقوبات. فإن واشنطن وبروكسل تلتقيان في تشاؤمهما بشأن احتمالات التوصل إلى اتفاق. وفي هذا الصدد، أوضح دبلوماسي أوروبي، متحدثًا لموقع "Al-Monitor"، قائلًا: "إن مشكلة الإيرانيين أكبر من خطة العمل الشاملة المشتركة، فإيران وكوريا الشمالية هما الدولتان الوحيدتان اللتان تزودان روسيا بالأسلحة (...) وحتى يتم التوصل إلى حل للحرب في أوكرانيا، لن يكون هناك تقدم بشأن الاتفاق النووي". 

من جهته، يؤكد نائب وزير الخارجية الإيراني الأسبق، حسين موسويان، الذي كان عضوًا في فريق التفاوض النووي بين عامي 2003 و2009، بأن "الاتفاق النووي مطروح على جدول الأعمال، ولكن ليس على الطاولة". مضيفًا، في حديثه لذات الموقع، بأن "الوضع الداخلي في إيران أحبط القوى الغربية بشأن التوصل لإحياء الاتفاق النووي، ذلك إذ قررت منح الأولوية لقضية حقوق الإنسان على الملف النووي".

واتهم موسويان الدول الأوروبية بالقيام بحملات ضد إيران، قائلًا: "الأوروبيون يلعبون دورًا أكثر فاعلية لخلق إجماع دولي ضد إيران، والدفع بسياسات عدائية تجاه إيران"، مشيرًا إلى أن ذلك يعود للحرب الروسية في أوكرانيا.

ونقلًا عن المصدر نفسه، دحض مسؤول إيراني آخر اتهامات الغرب لبلاده بـ "عرقلة تقدم المفاوضات ورفض التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، قائلاً: "طهران ملتزمة منذ البداية بالتوصل إلى اتفاق، لكن تَسييس عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية حال دون ذلك". واتهم المسؤول الإيراني واشنطن بإعطاء الأولوية لمصالح إسرائيل التي "لا تريد اتفاقًا نوويًا أو رفعًا للعقوبات عن إيران، وهو ببساطة ما تلتزم الولايات المتحدة بتحقيقه لها".

وقبل الحرب في أوكرانيا، كانت الاتهامات الأمريكية تتركز على ما تصفه بسياسات إيران المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، لكن بعد التقارير التي تفيد بتزويدها لروسيا بطائرات مُسيّرة، وضعت طهران نفسها في قلب الغزو الروسي لأوكرانيا، على الأقل من ناحية الانتقادات الموجهة لها، حيث لا يمر أسبوع واحد دون انتقاد غربي أو أوكراني لها.

ومنذ منتصف العام الماضي، توالت التقارير الإعلامية المتحدثة عن استخدام موسكو لمُسيّرات "شاهد" و"مهاجر" الانتحارية الإيرانية لضرب البنية التحتية للطاقة والعسكرية في أوكرانيا، وهو ما أكده نائب رئيس المخابرات الأوكرانية الجنرال فاديم سكيبيتسكي، بقوله إن "روسيا استخدمت ما يقرب من 660 طائرة مُسيّرة إيرانية الصنع في أوكرانيا حتى الآن" وأن "حوالي 300 مُسيّرة أخرى قد تدخل الحرب في القادم من الأيام".

getty

ولا تخفي طهران أنها زودت موسكو بطائرات مُسيّرة قبل الحرب، لكنها تنفي القيام بذلك مع بدايتها. وهو ما يؤكد عليه وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني، مشيرًا إلى أن "أوكرانيا لم تقدم أي دليل على استخدام روسيا للمُسيّرات الإيرانية في الحرب".

وكانت سلطات كييف قد تحدثت، في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، عن أن الجيش الروسي يقوم بتمويه وتغيير هوية مُسيّرات "شاهد-136" التي جلبها من إيران، وذلك بطلاء أجنحتها بألوان العلم الروسي وإعادة تسميتها باسم "جيران-2". وحسب تقرير لموقع "طوب وور" المختصّ في الشؤون العسكرية، يوجد تشابه كبير بين الطائرتين، إذ تشتركان في كونهما انتحاريتين من ذوات الجناح الأحادي بلا ذَنَب، إضافة إلى تشغيلهما بمحرك كهربائي.

ونقلاً عن موقع "Al-Monitor"، يرد مسؤول أمريكي على النفي الإيراني، قائلًا: "على الرغم من النفي الإيراني، لم يعد هناك شك في ذهن أيّ شخص بأن إيران تقف إلى جانب المعتدي (...) الأمر مهم للغاية، إنهم المزود العسكري الأول لدولة تشن حربًا غير مبررة في أوروبا، ونأمل بالطبع أن يغيروا مسارهم بسرعة". 

تتحدث تقارير إعلامية حديثة عن إمكانية قيام طهران بتزويد موسكو بالصواريخ البالستية

ويضيف المسؤول الأمريكي بأن تركيز الولايات المتحدة حاليًا "ينصب على دعم الحقوق الأساسية للشعب الإيراني، الذي يواجه حملة قمع وحشية، ومعاقبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، واتخاذ خطوات لعرقلة وردع دعم النظام الإيراني لروسيا في حربها العدوانية ضد أوكرانيا"، ذلك مع "إبقاء باب الدبلوماسية مفتوحًا، لأننا ما زلنا نعتقد أن هذه هي أفضل طريقة لحل هذه المشكلة". وتتحدث تقارير إعلامية حديثة عن إمكانية قيام طهران بتزويد موسكو بالصواريخ البالستية، مما يزيد من تعقيد الموقف تجاه إيران والاتفاق النووي، الذي لم يعد ضمن أولويات إدارة بايدن في هذه الأيام.