04-مارس-2017

للأقباط في مصر موالدهم وتقاليدهم الخاصة (محمد الشاهد/أ.ف.ب)

السلام لك يا مريم يا يمامة جليلة تصيح

السلام لك يا كرمة عنقودها قد أثمر

رأس ينبوع الحكمة وفهم عال معظم

يذكر عصام ستاتي في كتابه "مقدمة في الفلكلور القبطي" أن مكفرسون "عيد شعبي لأحد الأولياء بالنسبة للمسلمين وأحد القديسين بالنسبة للمسيحيين". والموالد تقليد قديم ترجع جذوره إلى مصر القديمة فهي امتداد لاحتفال المصريين في القرى والمدن بآلهتها باعتبارها حامية ورمزًا لها.

الموالد تقليد قديم ترجع جذوره إلى مصر القديمة فهي امتداد لاحتفال المصريين في القرى والمدن بآلهتها باعتبارها حامية ورمزًا لها

وبين العقيدتين في مصر مشتركات إنسانية لا حصر لها، فالموالد بالنسبة للمسلمين تقع معظمها في رجب وشعبان حيث رواج تجاري وشعبي لجمع مسلتزمات شهر رمضان وبالنسبة للمسيحين تعد إيذانًا بالخروج من فترة الصيام وأكل الأطعمة النباتية إلى أكل اللحوم وشراء مستلزمات الحياة العادية.

اقرأ/ي أيضًا: لطميات على جثة المسيح

وهي أيضًا من العادات القديمة التي قام المصريون بتكييفها حسب العقائد السماوية فتحولت فكرة النذور القديمة إلى نذور للقديسين الذين يتعلقون بشفاعتهم، حيث يعد الشخص بنذر شيء خاص بالكنيسة (شموع، أدوات، نقود، طعام، ملابس، إلخ)، ويقدمه في الخفاء للكاهن أو يوضع في صندوق الكنيسة. أو يمكن أن ينذر أشياء غير مادية مثل خدمة مزرعة الدير، تعليم الأطفال في الكنيسة أو العمل والعبادة لفترة من الوقت أو طوال الحياة.

1 ـ مولد ماري جرجس بمدينة "ميت دمسيس"

كلمة ماري جرجس أو كلمة مار، كلمة سريانية تعني السيد أو القديس وكلمة جرجس مشتقة من اليونانية وهي جورجيوس ومعناها "من يفلح الأرض".

ولد مار جرجس في مدينة ملاطية بتركيا وكان والده أميرًا لها ثم قُتل أباه فحملته أمه هو وأخيه إلى فلسطين وهناك التحق بالجيش وتولى المناصب العليا حتى أصبح أميرًا ووهبه الملك الروماني حصانًا جميلًا ، وهو الذي سيظهر في الأيقونة التي ترمز له لاحقًا وبعد ذلك أصدر الملك "دارايافوس" مرسومًا ملكيًا يأمر بهدم الكنائس وحرق الكتب المقدسة فقادوه مكبلاً أمام الملك وبدأت منذ اللحظة سلسلة من العذابات عددها سبع.

والعدد سبعة له دلالات اعتقادية كثيرة من بينها أنه يرمز للحبوب السبعة، التي تنبت في أرض مصر، وله دلالات في اليهودية والإسلام والمسيحية، فهو يرمز للسبت والأحد والجمعة نهايات الأسبوع عند الديانات الثلاث وإلى السماوات السبع. وللعذابات السبع دلالات في العقيدة المسيحية غالبًا ما تشير إلى الألم الذي يسبق الخلاص.

ومار جرجس هو أشهر قديس في مصر، وتوجد باسمه 135 كنيسة ويظهر في صورة الجندي المحارب الذي يركب حصانًا أبيضًا بيديه سهم ليقتل التنين، الذي هو رمز الشر وهو رمز لشهوات النفس التي يقاتلها الإنسان للخلاص. وأشهر موالد القديس مار جرجس في مصر، مولده في قرية ميت دمسيس وهي إحدى قرى محافظة الدقهلية ومولده في مدينة أرمنت في صعيد مصر.

الموالد الشعبية جزء من حياة المصريين وتجليات معتقداتهم يشوبها بعض الخيال والتجاوزات العقدية إلا أن في مظاهرها تتجلى الروح الشعبية

ومن المريدين في المولد، تسمع حكايات خارقة عما يؤمنون به من تأثير القديس على حياتهم، فله معجزات وبركات، وهم يؤمنون به كشهيد له كرامات وخوارق.

وكثير من رواد الموالد من البسطاء الذين يسعون ليكون لهم نصيب في اللحوم التي تُطبخ في هذه المناسبات، ومنهم من يأتي باكرًا وينام في مكانه انتظارًا لتلك الموائد أو ليبيع بضاعة يحملها معه من قريته، أو ليتخلص من كرب يصيبه بشفاعة القديس، حسب اعتقاده.

اقرأ/ي أيضًا: المسيحي في السينما المصرية: ماذا عن الرهبان؟

2 ـ موالد العذراء

المولد في منطقة "مسطرد" وهي تقع على الضفة الأخرى من ترعة الإسماعيلية، يتميز بالأضواء المبهرة التي تُشعرك أنك دخلت أحد أعراس أبناء الأثرياء ، كما أن صورة العذراء الزئبقية تتناسب مع وصف العذراء بأم النور وهو وصف مستوحى من إيزيس أم المصريين. وهو مولد مهم لاعتقادهم أنه أثر من آثار رحلة العائلة المقدسة.

أما بالنسبة لمولد العذراء بمنطقة الزيتون بالقاهرة، فيتعلق الأمر بكنيسة حديثة نسبياً بُنيت عام 1960 بقرار من عبد الناصر، ويعتقد المريدون في مصر اعتقادًا شهيراً أن الكنيسة شهدت تجلي العذراء عام 1968. والخيال الشعبي لا حصر له في قصص التجليات فالناس لا يروون هذه القصة في مصر على أنها حكاية أو خرافة بل حقيقة حدثت بالفعل، إلى حد اعتبارها من جريدة الأخبار وقتها كالحادثة الأهم في التاريخ الكنسي وقتها.

أما مولد العذراء في جبل الطير فيقام في نهاية شهر آيار/ مايو من كل عام بجبل الطير بمحافظة المنيا في صعيد مصر، مهد التوحيد الاخناتوني، وهو مكان أيضًا من آثار العائلة المقدسة حيث قضت العذراء على جبل الطير ثلاث ليال لذا فالمسيحيون والمسلمون يعتبرونه من الأماكن المقدسة. وأهم موالدها أيضًا ذلك الذي يخرج من دير قرية دُرنكة في أسيوط وهي تسمى في الكلام الشعبي المصري "زفة العروس" مشيرين إلى العذراء مريم.

الموالد الشعبية جزء من حياة المصريين وتجليات معتقداتهم يشوبها بعض الخيال والتجاوزات العقدية إلا أن في مظاهرها تتجلى الروح الشعبية التي تقوم بـ"تمصير" كل وافد في مصر حتى يبدو وكأنه مصري من الأصل.

اقرأ/ي أيضًا: 

الموالد.. بين الدولة والسلفيين والمثقفين

لماذا تحرّم جهات مسيحية الاحتفال بـ"هالوين"؟