مواقف داعمة للاحتلال: من هي ماريا كورينا ماتشادو الفائزة بجائزة نوبل للسلام لعام 2025؟
10 أكتوبر 2025
بعد أن كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يأمل أن يكون هذا العام محطة دخوله نادي الحائزين على جائزة نوبل للسلام، جاءت لجنة نوبل النرويجية لتبدّد تلك الطموحات، موجّهة أنظارها بعيدًا عن البيت الأبيض. فقد منحت الجائزة هذا العام إلى ماريا كورينا ماتشادو، زعيمة المعارضة الفنزويلية، المعروفة بمواقفها اليمينية الحادة وبدعمها العلني للاحتلال الإسرائيلي.
ويُنظر إلى قرار اللجنة على أنه رسالة سياسية مزدوجة: من جهة تجاهل لترامب الذي روّج لنفسه كـ"صانع سلام" من خلال اتفاقات التطبيع في الشرق الأوسط، ومن جهة أخرى احتفاء بشخصية تُجسّد، في نظر الغرب، "النموذج الليبرالي المقاوم للأنظمة الشعبوية" في أميركا اللاتينية.
ولدت ماتشادو في 7 تشرين الأول/أكتوبر 1967 في كاراكاس، وهي مهندسة صناعية، تنحدر من عائلة ميسورة، وبرزت مبكرًا في المشهد المدني حين أسست عام 2002 منظمة "سوماتي"، التي راقبت الانتخابات وسعت لتعزيز المشاركة الديمقراطية، وهو ما عرضها سريعًا لملاحقة السلطة.
أسست لاحقًا حزبها الليبرالي "فينتي فنزويلا" عام 2013، ورفضت مرارًا الانخراط في أي تسوية مع النظام أو القبول بموقع رمزي داخل اللعبة السياسية، لتغدو أحد أبرز خصوم الرئيس نيكولاس مادورو، الذي يتولى السلطة منذ العام نفسه.
وتعيش ماتشادو اليوم متوارية عن الأنظار، بعدما منعتها المحاكم الفنزويلية من الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2024 ومنافسة مادورو. وكانت قد خرجت من مخبئها لفترة وجيزة خلال احتجاجات سبقت تنصيب الرئيس، قبل أن يُلقى القبض عليها ويُفرج عنها بعد وقت قصير.
جاء فوز ماتشادو بالجائزة ضربة للحملة التي قادها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنيلها، مستندًا إلى دوره في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
ضربة لطموحات ترامب
بعد أن طمح الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى أن يكون هذا العام موعد دخوله نادي حائزي جائزة نوبل للسلام، حوّلت لجنة نوبل النرويجية أنظارها بعيدًا عن البيت الأبيض، ومنحت الجائزة إلى ماريا كورينا ماتشادو، زعيمة المعارضة الفنزويلية المعروفة بمواقفها المؤيدة للاحتلال الإسرائيلي.
وبرّرت اللجنة قرارها بـ"العمل الدؤوب في تعزيز الحقوق الديمقراطية لشعب فنزويلا، والنضال من أجل انتقال عادل وسلمي من الدكتاتورية إلى الديمقراطية"، مؤكدة أن شجاعتها تمثل "مثالًا استثنائيًا على المقاومة المدنية في زمن تتراجع فيه الحريات".
وجاء فوز ماتشادو بمثابة صفعة سياسية لترامب، الذي شنّ حملة علنية للحصول على الجائزة، مستندًا إلى دوره في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. لكن لجنة نوبل — وفق مصادر مطلعة — كانت قد اتخذت قرارها قبل توقيع الاتفاق بأيام، ولم تُعر الضغط السياسي الأميركي اهتمامًا، معتبرة أن "السلام لا يُقاس بالصفقات أو النفوذ بل بالاستحقاق الأخلاقي".
وانتقد البيت الأبيض قرار اللجنة منح جائزة السلام لزعيمة المعارضة الفنزويلية بدلًا من الرئيس الأميركي. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض ستيفن تشونغ في منشور على منصة "إكس": "سيواصل الرئيس ترامب إبرام اتفاقات السلام وإنهاء الحروب وإنقاذ الأرواح، فهو يملك قلبا محبا للخير، ولن يكون هناك شخص مثله يستطيع تحريك الجبال بقوة إرادته المحضة". وأضاف "لقد أثبتت لجنة نوبل أنها تعطي الأولوية للسياسة على حساب السلام".
وبحسب تقرير لوكالة "رويترز"، استبعد خبراء نيل ترامب الجائزة رغم حملته المكثفة، مشيرين إلى تناقض ممارساته مع وصية ألفريد نوبل، إذ خاض حروبًا تجارية ضد الحلفاء، وسحب بلاده من اتفاقيات مناخية وصحية، وعمّق الانقسام الدولي بدلًا من رأب الصدع بين الشعوب.
ماتشادو.. معارضة "ديمقراطية" بنكهة صهيونية
لم يكن فوز ماتشادو بعيدًا عن رمزيتها السياسية. ففي عام 2018، دعت ماريا كورينا ماتشادو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى التدخل لدى مجلس الأمن الدولي لدعم خيار التدخل العسكري في فنزويلا، معتبرة أن إسقاط النظام القائم يتطلب دعمًا خارجيًا حاسمًا.
وأكدت مرارًا أنها في حال توليها الحكم ستعيد العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، التي كانت فنزويلا قد قطعتها عام 2009 احتجاجًا على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وفي رسالة مصوّرة عام 2019 بمناسبة الذكرى الـ71 لتأسيس دولة الاحتلال، عبّرت زعيمة المعارضة الفنزويلية عن دعمها الكامل لإسرائيل، ووصفت ما يجري في فلسطين بأنه "نضال من أجل الحرية والديمقراطية يشبه معركة فنزويلا ضد الاستبداد".
وأشادت ماتشادو بـ"نجاح إسرائيل في بناء دولة حديثة ومزدهرة"، داعية إلى "تكاتف فنزويلي–إسرائيلي في مواجهة عدو مشترك"، في إشارة إلى ما وصفته بـ"الأنظمة الداعمة للإرهاب والفساد في المنطقة".
وفي عام 2020، وقّعت ماتشادو اتفاقية تعاون مع حزب "الليكود" الإسرائيلي تناولت مجالات الشؤون السياسية والأيديولوجية والاجتماعية والأمنية. وخلال الحرب الإسرائيلية على غزة، أعلنت مواقف داعمة لبنيامين نتنياهو، متعهدة بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في حال فوزها بالرئاسة.
في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، اصطفت ماريا كورينا ماتشادو إلى جانب إسرائيل في حربها على غزة، وكتبت على منصة "إكس" منشورًا أعلنت فيه "تضامنها الكامل مع إسرائيل"، ورفضها لما وصفته بـ"هجمات حماس الإرهابية"، مؤكدة انضمامها إلى "النداء العالمي لمحاربة الإرهاب أينما كان".
وأثارت هذه المواقف جدلًا واسعًا في الأوساط المناهضة للاحتلال، واعتُبرت اصطفافًا سياسيًا واضحًا إلى جانب دولة تُوجَّه إليها اتهامات متكررة بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد الشعب الفلسطيني.
يعيد فوز ماتشادو النقاش القديم حول تسييس جائزة نوبل للسلام، ومدى حياد اللجنة أمام التوازنات الدولية
لجنة نوبل وذاكرة الجدل
أعاد فوز ماتشادو الجدل حول معايير الجائزة، في ظلّ سوابق مثيرة كتكريم باراك أوباما بعد أشهر من تنصيبه، وهنري كيسنجر خلال حرب فيتنام. لكن أعضاء حاليين وسابقين في اللجنة رأوا أن بعض من نالوا الجائزة من ذوي السجلات المثيرة للجدل سعوا لاحقًا إلى تصحيح مسارهم.
أما هذا العام، فقد ضمت قائمة الترشيحات أكثر من 330 اسمًا، من بينهم يوليا نافالنايا ووكالة "الأونروا" وشبكات إنسانية في السودان، قبل أن ترجّح كفة ماتشادو التي اعتبرتها اللجنة "رمزًا لصراع أوسع ضد الاستبداد في أميركا اللاتينية".
لكن أصوات اللجنة الخمسة مالت نحو ماتشادو بوصفها "تمثل نموذجًا رمزيًا لصراع أوسع بين الديمقراطية والاستبداد"، في لحظة عالمية تتصاعد فيها النزعات الشعبوية والمحافظة.
غير أن منتقدين اعتبروا هذا الاختيار استمرارًا لتسييس جائزة نوبل، وتحويلها إلى أداة لإعادة تعريف "القيم الغربية" في مواجهة خصوم الغرب، أكثر مما هو تكريم فعلي للنضال الحقوقي والمدني.
بين الأخلاق والسياسة
يعيد فوز ماتشادو النقاش القديم حول تسييس جائزة نوبل للسلام، ومدى حياد اللجنة أمام التوازنات الدولية. فبينما يرى مؤيدو القرار أنه انتصار للقيم الديمقراطية في أميركا اللاتينية، يعتبره منتقدون تكريسًا للمعايير الغربية الانتقائية في تعريف "السلام" و"الحرية"، خصوصًا حين تتقاطع مع دعم دولة الاحتلال الإسرائيلي أو تبني خطابها السياسي.