يستعد عشاق كرة القدم الأوروبية لمواجهة من العيار الثقيل في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، حيث يصطدم برشلونة الإسباني بإنتر ميلان الإيطالي في لقاء يُنتظر أن يجمع بين أحد أقوى الخطوط الهجومية في البطولة هذا الموسم، وأصلب دفاع عرفته المسابقة حتى الآن.
كلا الفريقين يحملان طموحات كبيرة وتاريخًا عريقًا، لكن المعطيات الحالية تُضفي على المواجهة طابعًا مختلفًا يعكس صراعًا بين جيل صاعد وآخر يسعى لتأكيد التجربة والخبرة.
ملحمة كروية مرتقبة في برشلونة، متعة كاتالونية خالصة أمام فريق إيطالي عنيد ومنضبط
برشلونة، الذي مرّ بفترات صعبة خلال المواسم الماضية على الصعيد الأوروبي، يبدو هذه المرة وكأنه وجد نفسه من جديد. تحت قيادة المدرب الألماني هانزي فليك، نجح الفريق في الوصول إلى نصف النهائي لأول مرة منذ موسم 2018-2019، بعد إقصاء بوروسيا دورتموند الألماني في ربع النهائي بنتيجة كبيرة بلغت أربعة أهداف نظيفة في الذهاب، قبل أن يرد الألمان بثلاثية لهدف إيابًا. الهجوم الكتالوني بقيادة الثلاثي المتألق رافينيا، روبرت ليفاندوفسكي، والموهبة الصاعدة لامين يامال، أصبح علامة فارقة، حيث سجل هذا الثلاثي 27 هدفًا من أصل 37 للفريق في المسابقة، ما يجعلهم مصدر القلق الأول لأي خصم، بمن فيهم إنتر ميلان.
على الجهة الأخرى، يدخل إنتر المواجهة بعد أيام عصيبة، فقد ودع في الأيام الماضية كأس إيطاليا، وخسر في مباراتين متتاليتين بالدوري الإيطالي، ثلاث هزائم متتالية جعلته يفقد صدارة الكالتشيو ويودع كأس إيطاليا، ما يعني أنه بدأ يأخذ بعين الاعتبار أن بطولة التشامبيونز ليغ قد تمثل له طوق النجاة الوحيد هذا الموسم.

ومع ذلك، يدخل الإنتر اللقاء بثقة نابعة من صلابة دفاعه وانضباطه التكتيكي. ورغم تلقيه ثلاثة أهداف في مواجهتيه أمام بايرن ميونيخ في ربع النهائي، فإن الفريق يمتلك ثماني مباريات بشباك نظيفة في دوري الأبطال هذا الموسم، وهو ما لم يحققه أي فريق آخر. الفريق الإيطالي يبدو وكأنه استعاد صلابته التي اشتهر بها في نسخة 2010، عندما تُوّج باللقب بقيادة جوزيه مورينيو.
المدرب سيموني إنزاغي استطاع أن يعيد هذا الطابع الانضباطي للفريق، دون التفريط في الجانب الهجومي الذي يتولاه النجم الأرجنتيني لاوتارو مارتينيز، والذي كتب اسمه في تاريخ النادي بتسجيله في خمس مباريات متتالية في دوري الأبطال، ليصبح أول من يحقق هذا الإنجاز بقميص النيراتزوري.

تصريحات المدربين قبل اللقاء عكست الاحترام الكبير المتبادل بين الجانبين. هانزي فليك تحدث عن إنتر بوصفه فريقًا منظمًا وقويًا على المستويين الدفاعي والهجومي، مشيدًا بما يقدمه المدرب إنزاغي في السنوات الأخيرة. أما إنزاغي، فأكد أن برشلونة بُني بطريقة رائعة ويملك مزيجًا من الخبرة والشباب، مشيرًا إلى أن لامين يامال يعد موهبة فريدة في كرة القدم العالمية.
تصريحات اللاعبين لم تخلُ من الحماس أيضًا، حيث وصف لامين يامال دفاع إنتر بأنه السلاح الأقوى لدى الفريق الإيطالي، بينما أبدى لاوتارو مارتينيز فخره بما يقدمه فريقه، مؤكدًا سعيهم لبلوغ النهائي من جديد وإسعاد الجماهير.
تاريخ المواجهات بين الفريقين يُظهر تفوقًا واضحًا لبرشلونة، الذي فاز في ست مناسبات من أصل اثنتي عشرة، مقابل فوزين فقط لإنتر وأربعة تعادلات. إلا أن الذكرى الأهم في تاريخ هذه المواجهات تبقى في نصف نهائي 2010، حين أقصى إنتر بقيادة مورينيو نظيره الكتالوني بنتيجة 3-2 في مجموع المباراتين، ليشق طريقه نحو اللقب القاري في تلك النسخة.
على مستوى الأرقام، تبدو المواجهة متوازنة من حيث الطموح لكنها مختلفة من حيث الأسلوب. برشلونة سجل 37 هدفًا حتى الآن، بينما لم يتلقَّ إنتر سوى خمسة أهداف، وهو ما يعكس بوضوح طبيعة الصدام الذي ينتظر الجماهير. الفريق الإيطالي أيضًا لم يخسر على ملعبه في آخر 15 مباراة بدوري الأبطال، وهو ما يجعل ذهاب نصف النهائي مهمًا للغاية بالنسبة لبرشلونة إذا ما أراد دخول الإياب دون ضغوط مضاعفة.
اللقاء سيكون اختبارًا للفكر التدريبي قبل أي شيء آخر، ففليك يعتمد على الضغط العالي واللعب الهجومي المباشر، مستفيدًا من حيوية الشباب وخبرة الكبار، بينما يميل إنزاغي إلى التحفظ والانضباط، مع استغلال المساحات في الهجمات المرتدة والكرات الثابتة. كل هذا يجعل من مواجهة برشلونة وإنتر حدثًا كرويًا متكامل الأبعاد، يحمل بين طياته صراعًا على المجد ومبارزة بين الحاضر والماضي في قمة كروية لا تقبل القسمة على اثنين.