يخوض ريال مدريد، مساء اليوم الأربعاء، مباراة مصيرية في دوري أبطال أوروبا، في مهمة صعبة وشبه مستحيلة، إذ يواجه آرسنال على ملعب سانتياغو بيرنابيو في إياب الدور ربع النهائي، من أجل قلب تخلفه ذهابًا بثلاثة أهداف دون رد، وبلوغ الدور نصف النهائي.
حينما يُذكر اسم ريال مدريد في سماء الكرة الأوروبية، يتبادر إلى الذهن فورًا ذلك الفريق الذي لا يعرف الاستسلام، الفريق الذي جعل من "الريمونتادا" فنًا يُدرّس في الليالي الأوروبية، والذي طالما حوّل الهزيمة إلى نصر بإرادة لا تلين.
ففي مواسم مضت، شهد العالم كيف قلب ريال مدريد الطاولة على أعتى الفرق الأوروبية، فأمام باريس سان جيرمان، في إياب ثمن نهائي دوري الأبطال 2022، قلب تأخره إلى انتصار بثلاثية نارية في دقائق معدودة. وأمام تشيلسي، عاد من بعيد في ربع النهائي، وكذلك في نصف النهائي أمام مانشستر سيتي، حين سجل هدفين في اللحظات الأخيرة، في سيناريو أقرب إلى الخيال.
ثمة العديد من الأمثلة التي بإمكان ريال مدريد الاستفادة منها، واقتباس الإلهام، كي تحفزه في خوض مواجهة آرسنال، ونحكي عن أشهر حالات "الريمونتادا" في تاريخ دوري أبطال أوروبا
ريال مدريد لا يعتمد فقط على التاريخ، بل يملك في حاضره ما يكفي لصناعة المعجزات، من بينها عامل الخبرة، فلاعبو الريال يملكون رصيدًا ضخمًا من الخبرات في أصعب المواقف، هم يعرفون تمامًا كيف يتعاملون مع ضغط هذه اللحظات.
كذلك يميز ريال مدريد عامل الشخصية الفريدة في دوري الأبطال، حيث يتحول كل لاعب إلى محارب، وكل دقيقة إلى معركة. ناهيك عن كون ملعب سانتياغو برنابيو ليس مجرد أرض، بل هو روح تُلهب اللاعبين وتزرع الرعب في قلوب الخصوم.
ثمة العديد من الأمثلة التي بإمكان ريال مدريد الاستفادة منها، واقتباس الإلهام، كي تحفزه في خوض مواجهة آرسنال، ونحكي عن أشهر حالات "الريمونتادا" في تاريخ دوري أبطال أوروبا.
برشلونة وباريس 2017: الليلة التي غيّرت معنى المستحيل
في أمسيات كرة القدم، تمر لحظات يظن فيها الجميع أن كل شيء قد انتهى، لكن هناك فرق ترفض الاستسلام، تكتب التاريخ مجددًا، وتثبت أن المستحيل مجرد وجهة نظر، وهذا تمامًا ما فعله برشلونة في السادس من آذار/مارس 2017.
فحين انتهت مباراة الذهاب في "حديقة الأمراء" بنتيجة 4-0 لصالح باريس سان جيرمان، كان يبدو أن الفريق الفرنسي قد فكّ عقدته الكتالونية أخيرًا. التفوق التام في الأداء والنتيجة جعل العالم الكروي يتحدث عن نهاية جيل برشلونة الذهبي.

احتاج برشلونة إلى خمسة أهداف نظيفة للتأهل، مهمة بدت ضربًا من الجنون، لكن الجنون هو ما صنع المجد في تلك الليلة، ففي الدقيقة 3، افتتح سواريز التسجيل، وفي الدقيقة 40، أضاف كورزاوا هدفًا في مرماه، وفي بداية الشوط الثاني، سجل ميسي الثالث من علامة الجزاء.
الحلم أصبح قريبًا، حتى الدقيقة 62، حين باغت كافاني الجميع وسجل هدفًا صعق الكامب نو، وأعاد باريس إلى الصدارة بمجموع المباراتين. لكن كل شيء تغيّر في الدقيقة 88، حين أطلق نيمار رصاصة الأمل من ركلة حرة مباشرة لا تصدق. ثم عاد في الدقيقة 91 وسجل من ركلة جزاء. وبينما كان الجميع ينتظر صافرة النهاية، مرّر نيمار كرة مذهلة إلى سيرجي روبيرتو، الذي أطلقها في الشباك في الدقيقة 95 ليعلن عن ريمونتادا دخلت كتب التاريخ، النتيجة صارت 6-1، والبارسا إلى ربع النهائي.
الجمهور الباريسي لم يصدق ما حدث، ولا حتى جمهور برشلونة. العالم بأسره شهد درسًا أبديًا في أن الإيمان والروح لا يعترفان بالأرقام ولا بالإحصاءات، وهو ما يدركه ريال مدريد جيدًا أكثر من أي ناد آخر، وبإمكانه استغلال ذلك أمام آرسنال.
ديبورتيفو لاكورونيا 2004: ليلة ولادة المجد في الريازور
في عام 2004، كان ميلان فريقًا مرعبًا بكل المقاييس، يعجّ بالنجوم من مالديني إلى كاكا، ومن شيفتشينكو إلى بيرلو. بطل نسخة 2003، عائد لتوه من سحق ديبورتيفو لاكورونيا في السان سيرو بنتيجة 4-1، ظنّ الجميع أن التأهل إلى نصف النهائي محسوم، بل إن البعض بدأ يُمنّي النفس بكلاسيكو إيطالي جديد، لكن الريازور كان على موعد مع معجزة.

ففي السابع من نيسان/أبريل 2004، دخل لاعبو ديبورتيفو أرضية ملعبهم بأسنانهم لا بأقدامهم. لم يكونوا نجومًا، ولم يكن لديهم أسماء لامعة، لكنهم امتلكوا ما هو أهم: الإيمان والتصميم.
في الدقيقة 5، بدأ فاليرون الحكاية بهدف أول، ثم أضاف لوكي الهدف الثاني بعد عشرين دقيقة فقط، لتبدأ الشكوك تتسلل إلى قلوب الطليان، وقبل نهاية الشوط الأول، سجل باهون هدفًا ثالثًا، لتشتعل المدرجات، وينقلب الحلم إلى كابوس في ميلان. وفي الدقيقة 76، جاء الهدف الرابع عبر فران، ليكتمل الانقلاب الكروي الأعظم في تاريخ النادي الإسباني، لينتصر ديبورتيفو لاكورونيا بأربعة أهداف دون رد، وتصبح النتيجة 5-4 للنادي الإسباني في حصيلة المباراتين، علمًا أن الميلان كان يدربه كارلو أنشيلوتي، مدرب ريال مدريد الحالي.
روما 2018: عندما أطاح الذئاب بالإمبراطورية الكاتالونية
في ملعب "كامب نو"، دكّ برشلونة شباك روما برباعية مقابل هدف، ضمن ذهاب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، في مباراة سيطر فيها ميسي ورفاقه على كل شيء، الكرة، الإيقاع، وحتى أحلام الذئاب. ثلاثة أهداف دخلت شباك روما بـ"نيران صديقة"، لتُشعل سخرية الصحافة من الفريق الإيطالي وتضع البرسا نظريًا في نصف النهائي.

لكن الذئاب كانت تخبئ أنيابها للعاصفة القادمة في الأولمبيكو، ففي ليلة 10 نيسان/أبريل 2018، وقف أكثر من 60 ألف مشجع في "الأولمبيكو" ليشهدوا ما لم يكن بالحسبان. بدأت "الريمونتادا" في الدقيقة 6، ضرب إيدين دجيكو أولى الضربات، مبكرًا، بعنفوان، ليشعل المدرجات. وبالدقيقة 58، دي روسي من نقطة الجزاء يُعيد الأمل ويزرع الرعب في قلوب الكتالونيين، ثم جاءت الدقيقة 82، حين صعد المدافع كوستاس مانولاس فوق الجميع، وضرب الكرة برأسه في الزاوية البعيدة، هدفٌ ثالث، والريمونتادا تحققت، روما فاز بثلاثية دون رد، وتأهل بقاعدة الأهداف خارج الديار.