مهندس الثورة الكروية في اليابان.. من هو توم باير؟
11 أغسطس 2025
في وقت تتسابق فيه الاتحادات الكروية حول العالم لتطوير المواهب من خلال الأكاديميات والمنافسات، اختار المدرب الأميركي توم باير طريقًا مختلفًا تمامًا، البدء من المنزل، ومن السنوات الأولى في حياة الطفل.
هذه الفلسفة، التي بدت هامشية في البداية، أصبحت اليوم حجر الأساس في نهضة كرة القدم اليابانية، وامتدت لتشكل ملامح استراتيجية آسيوية شاملة.
صحيفة "ذا أثلتيك" سلطت الضوء في مقال لها على توم باير، والأثر الذي صنعه في الكرة الآسيوية، وبشكل خاص الكرة اليابانية.
ولد باير في نيويورك عام 1960، وبدأ مسيرته الكروية في الجامعات الأميركية قبل أن ينتقل إلى اليابان عام 1985، حيث لعب لفريق هيتاشي إيباراكي. بعد اعتزاله، وجد نفسه مفتونًا بالثقافة اليابانية، وقرر البقاء. في تلك الفترة، كانت اليابان تشهد بداية اهتمامها الجدي بكرة القدم، مع تأسيس الدوري المحلي وتقديم ملف مشترك لاستضافة كأس العالم 2002.
يرى باير أن 95% من دماغ الطفل يتشكل قبل سن السادسة، وأن هذه المرحلة هي المفتاح لاكتساب المهارات الفنية. لذلك، يركز على تعليم الأطفال التحكم بالكرة منذ سن مبكرة جدًا
باير بدأ بتقديم مقترحات تدريبية للشركات الكبرى، مثل نستله، لتنظيم معسكرات للأطفال. لكنه سرعان ما اكتشف أعمال المدرب الهولندي ويل كويرفر، الذي آمن بأن المهارة يمكن تعليمها، فتبنّى هذه الفكرة وطورها إلى فلسفة متكاملة أسماها "كرة القدم تبدأ من المنزل".
فلسفة كروية تبدأ من الطفولة
يرى باير أن 95% من دماغ الطفل يتشكل قبل سن السادسة، وأن هذه المرحلة هي المفتاح لاكتساب المهارات الفنية. لذلك، يركز على تعليم الأطفال التحكم بالكرة منذ سن مبكرة جدًا، بعيدًا عن اللعب العشوائي أو الركل التقليدي. ويقول: "الأطفال لا يقعون في حب كرة القدم، بل في حب الكرة نفسها أولًا".
باستخدام هذه المنهجية، درّب باير ملايين الأطفال في اليابان، الصين، الهند، والفلبين. وقدّم أكثر من 2,000 فعالية في جميع المحافظات اليابانية، وأسهم في تطوير أسماء بارزة مثل تاكومي مينامينو وتاكيفوسا كوبو.
لم يكتف باير بالتدريب الميداني، بل استخدم الإعلام لنشر أفكاره. ظهر في المجلات الرياضية، ألعاب الفيديو، الإعلانات، وحتى في برنامج الأطفال الشهير "أوها سوتا"، حيث قدم فقرة يومية لمدة 13 عامًا، وصلت إلى خمسة ملايين مشاهد. أنتج أكثر من 3,500 مقطع تدريبي، وأصبح وجهًا مألوفًا في كل بيت ياباني يحب الكرة.
تأثير ملموس على المنتخبات
عمل باير مع الاتحاد الياباني لكرة القدم، وساهم في تأسيس مراكز التدريب الإقليمية. إحدى المشاركات في معسكراته كانت آيا مياما، التي قادت اليابان للفوز بكأس العالم للسيدات عام 2011، في عام شهد زلزالًا ومأساة نووية، وجعل من ذلك الانتصار لحظة وطنية لا تُنسى.
في مونديال قطر 2022، ضم المنتخب الياباني خمسة لاعبين من خريجي مدارس باير، بينهم مينامينو، دوآن، وهاتاتي. وقدّم المنتخب أداءً لافتًا، حيث هزم ألمانيا وإسبانيا، وخرج بصعوبة أمام كرواتيا بركلات الترجيح.
نحو استراتيجية آسيوية شاملة
رغم دعوات من أندية كبرى مثل أياكس ومانشستر يونايتد، يركز باير اليوم على تطوير كرة القدم في آسيا. في الصين، قدم برنامجًا تلفزيونيًا يوميًا مع ديفيد بيكهام. وفي الفلبين، بدأ مشروعًا طموحًا مع الاتحاد المحلي، يستهدف 17 مليون طفل تحت سن السادسة، ويقول بثقة: "بعد 10 أو 20 سنة، سيتساءل العالم: ماذا حدث في الفلبين؟ ولن يعرفوا الجواب".
يرى باير أن التحدي الأكبر أمام اليابان هو ضعف المنافسة الآسيوية، ويأمل في نهضة كروية في الصين، الهند، وفيتنام، لتدفع اليابان إلى القمة. ويؤكد أن تطوير الأطفال قبل دخولهم اللعب المنظم هو المفتاح الحقيقي لتغيير قواعد اللعبة عالميًا.