02-يوليو-2016

جيمس بروتون

منذ نشأته كان أدب الخيال العلمي، الذي تلقفته السينما بعد ذلك لتحول الكلام المكتوب إلي مؤثرات بصرية ساحرة ومبهرة للعيون، ملهمًا للعديد من الأشخاص لكي يقوموا بتحويل الأفكار المستحيلة علميًا إلى واقع ممكن. فكما يقول ألبرت أينشتاين "الخيال أكثر أهمية من المعرفة"، فعلى سبيل المثال لو لم يبتكر بوب كاين شخصية باتمان ويقدمها إلى عالم القصص المصورة عام 1939 لتكتسب شعبية كبرى عبر العقود، ويضاف إلى خيال مبتكرها خيال المئات من الرسامين والمؤلفين في القصص والأفلام والمسلسلات، لما استطاع نايثين بال أحد طلاب معهد ماساشوستس التقني أن يحول إحدى أدوات باتمان وهو مسدسه الخطافي الشهير إلى حقيقة واقعة في مشروع تخرجه فالعلاقة وثيقة (وتكاد تكون طردية) بين إثارة الخيال العلمي لعقل الإنسان وما يمكن أن يحققه على أرض الواقع إذا شحذ همته قليلًا.

ولكن الكثيرين قد لا تتاح لهم الفرصة ليدرسوا بأفضل كلية هندسة في العالم كمثل هذا الطالب، فلا يتمتعون بالامتيازات التعليمية التي يحظى بها ولا بالتمويل اللازم لتنفيذ مشروع قد يبدو جنونيًا في نظر الأغلبية العظمى، ما قد يؤدي بهم إلى الإحباط والتخلي عن أحلامهم أو تأجيلها مؤقتًا إلى حين تحسن أوضاعهم في المستقبل (وهو أمر غير مضمون إطلاقا). ولكن قلة قليلة هي من تصر على تنفيذ أحلامها مهما كانت العوائق فتحاول ثم تفشل ثم تعاود الفشل والنجاح مرارًا وتكرارًا حتى تحقق الكثير من الأشياء المبهرة وأحد هؤلاء القلة هو جيمس بروتون.

اقرأ/ي أيضًا: مهندسون عباقرة: جيري إليسورث مهندسة التعليم الذاتي

ولد جيمس عام 1976 بالقرب من مدينة برايتون الإنجليزية، وعاش حياة عادية رغم أنه أبدى اهتمامًا مبكرًا بالإلكترونيات والموسيقي وفيما يبدو أنه فضل الأخيرة ففي أواخر التسعينيات وبعد أن أنهى دراسته بجامعة بيرمينجهام ذهب إلى العاصمة لندن ليلتحق بفرقة "ذا واردروب" كعازف على الطبول. ولكن شغف الطفولة لا ينتهي بهذه البساطة لمجرد أن المرء قرر الالتفات بعيدًا عنه، فهو يطارد الشخص في أحلامه وفي يقظته فإما أن يقرر المرء التوهج مع حماسة نيران شغفه بمحاولة تحقيقه على الأرض، وإما أن يظل يحاول إطفاء نيران ندمه تحت رماد قلبه حتى يشتعل الحريق، رغمًا عنه، وهو على فراش الموت.

وهكذا قرر جيمس العودة لشغف طفولته الأول وهو الإلكترونيات ففي عام 2004 قام بإنشاء موقع على الإنترنت ليعرض مشروعاته الإلكترونية وفي عام 2006 أنشأ قناة لعرض تفاصيل مشروعاته على موقع اليوتيوب، وفي عام 2013 فاجأ جيمس العالم بأسره حينما قام بوضع فيديو على الإنترنت يشرح فيه بالتفصيل خطوات صناعة زي كامل شبيه بزي شخصية القصص المصورة الشهيرة -والتي ظهرت في أفلام سينمائية عدة- الرجل الحديدي Iron Man وبأرخص التكاليف الممكنة حيث قام باستخدام رقاقة أردوينو الإلكترونية المفتوحة المصدر, هذا الفيديو حقق رقما قياسيا من المشاهدات على اليوتيوب وهو أكثر من 15 مليون مشاهدة ورقم مشاهدات مثل هذا على الإنترنت عادة ما يحققه فيديو لأغنية موسيقية أو حدث رياضي كبير أو حتى مقطع إباحي وليس فيديو تقني يشرح كيف تصنع إنسانا آليا بنفسك !

جيمس-بروتون.jpg

 

مع النجاح الكبير لقناته على يوتيوب ألزم جيمس نفسه بنشر فيديو جديد كل أسبوع ولم يكتف بصناعته لحلة الرجل الحديدي بالحجم البشري الطبيعي، بل قام بصناعة حلة أخرى بحجم أضخم كثيرًا، وقام بشرح خطوات صناعتها وبرمجتها في أكثر من 50 فيديو.

ولكن هل كان الرجل الحديدي هو فيلم الخيال العلمي الوحيد الملهم لجيمس ليقوم بتحقيقه على أرض الواقع؟

بالطبع لا فقد صنع أيضًا روبوت يماثل تماما الوحش الفضائي الذي ظهر في فيلم Alien بعد أن طبع أطرافه باستخدام الطابعة الثلاثية الأبعاد وكالعادة نشر تفاصيل صناعته على اليوتيوب.

إلا أن الإنجاز الذي أكسبه شهرة كبيرة، ليس فقط بين هواة تعلم صناعة الروبوتات والمهندسين بل أيضا بين محبي أفلام الخيال العلمي وبعض المنخرطين في مجال صناعتها، كان تمكنه من صناعة روبوت مطابق تماما للروبوت BB8 الذي ظهر في سلسلة أفلام الخيال العلمي الأشهر على الإطلاق حرب النجوم Star Wars ليكون الشخص الوحيد في العالم الذي تمكن، بعد أن رأى محاولات غير موفقة من كثيرين، من صناعة روبوت يتحرك على أرض الواقع بنفس الكيفية التي يتحرك بها هذا الروبوت الذي ظهر على الشاشة أمام الملايين في قاعات السينما حول العالم.

اقرأ/ي أيضًا: الرجال الآليون... اختلال السلطة البشرية

جيمس-بروتون.jpg

 

مع ازدياد شهرته ونجاح قناته على اليوتيوب التي فاق عدد متابعيها الـ350 ألفا, بدأ الكثير من المعجبين في مطاردة جيمس للحصول على توقيعه ليس فقط في معارض صناعة الروبوتات أو المؤتمرات التي يعقدها معجبو الأفلام والقصص المصورة بشكل منتظم ولكن أيضا في المطاعم فالكل كان يريد معرفة كيف لشخص أن يصنع روبوتا بهذا التعقيد بعد أن شاهد مثيله يتحرك فقط على إحدى الشاشات السينمائية.

جيمس-بروتون.jpg

 

وإذا كانت هذه الأمور قد تبدو غير ذات أهمية كبيرة للبعض، فإنها جذبت أنظار شركة بليدز لصناعة الألعاب لتقوم بتوظيفه، فترك عمله النهاري السابق كموظف في القسم التقني ﻷحد شركات التأمين مما أتاح له وقت فراغ أكبر لكي يتفرغ لمشاريعه التي ينشرها على مدونته وموقعه الشخصي وقناته على اليوتيوب، بالإضافة إلى إنشائه مشروعًا صغيرًا خاصًا به حيث يقوم باستيراد وبيع الأقنعة والأطراف البلاستيكية التي تستخدم في استوديوهات تصوير أفلام الخيال العلمي وأفلام الرعب .

يقول جيمس إن أكثر ما يحفزه للقيام بابتكارته تلك هي رغبته في حل الألغاز الميكانيكية التي يراها في الأفلام فالناس دائما ما تتساءل: "كيف يسير هذا الجهاز؟ وكيف نستطيع صناعة جهاز مثله؟". لا يكتفي جيمس بنشر فيديوهات صعبة ومعقدة ككيفية صناعة تلك الروبوتات بل يقوم، أيضًا، بوضع فيديوهات بها شروحات بسيطة لمبادئ الإلكترونيات والدوائر الكهربية تناسب المبتدئين في تعلم هذا المجال.

لجيمس بروتون مشاريع مستقبلية كثيرة، فهو قد صنع بالفعل أجهزة شبيهة بالأجهزة التي ظهرت في فيلم الخيال العلمي الشهير Back To The Future وقام بنشر كيفية صناعتها كالمعتاد على قناته على اليوتيوب وأعلن أنه سيحاول صناعة جهاز يقوم بنقل أجزاء زي الرجل الحديدي إلى الإنسان كما ظهر بالفيلم كما يحاول صناعة آلة ملاحة لها ذكاء اصطناعي وقارب يتحرك بأي اتجاه ويقوم بتغذية طاقته بتوربين ويبدو أن جيمس لن يترك أي فيلم خيال علمي يمر دون أن يحاول على الأقل صناعة أحد الأشياء التي ظهرت فيه. فهو مثال حي لما يمكن لشخص واحد بمفرده أن يفعله من تحويل الخيال الفني إلى واقع علمي ملموس وبأقل الإمكانيات الممكنة.

لمزيد من المعلومات: BB-8 Maker James Bruton Built the Droid You're Looking For 

اقرأ/ي أيضًا:

هايبرلوب.. القطار الكبسولة

البشرية في خطر .. عصر "ما بعد المضادات الحيوية"