يشهد قطاع غزة حرب تعطيش حقيقية، إذ أقدم جيش الاحتلال على قصف محطات تحلية المياه والآبار، ما أدى إلى انهيار تام في الخدمة، لتصل حصة المواطن الغزي من المياه إلى أقل من 4.74 لتر يوميًا مقارنة مع 26.8 لتر قبل العدوان.
وفي محاولة لإيجاد حل لأزمة المياه، قامت المهندسة، إيناس الغول، بابتكار طريقة لتحلية مياه البحر عبر الطاقة الشمسية باستخدام مواد بسيطة.
وسلطت وكالة "فرانس برس" الضوء على مشروع الغول الصغير، التي تعتمد على ألواح خشبية من بقايا صناديق المساعدات القليلة التي تدخل القطاع، بالإضافة لألواح زجاجية حصلت عليها من شبابيك منازل أصحابها المهجرين، وحولتها إلى حوض مائي.
قامت المهندسة، إيناس الغول، بابتكار طريقة لتحلية مياه البحر في غزة عبر الطاقة الشمسية باستخدام مواد بسيطة
هذه التقنية تسمح لمياه البحر المالحة بالتبخر من الحوض عبر تسخينها، مثلما يحدث داخل البيوت البلاستيكية الزراعية، بفضل الألواح الزجاجية مما يسمح بتقطير الماء وركود الملح في قاع الحوض، وينقل الماء المتبخر عبر خرطوم أسود إلى حاويات أخرى مملوءة بالفحم المنشط لإزالة الشوائب.
تخبر المهندسة، البالغة من العمر 50 عامًا، وكالة "فرانس برس"، بأنها شربت كوبًا من المياه "المفلترة" في منزلها بخانيونس جنوب قطاع غزة، وتوضح: "هو جهاز بسيط جدًا، طريقة عمله بسيطة وتصنيعه بسيط"، وتضيف: "الجهاز لا يحتاج إلى كهرباء أو فلاتر أو خلايا شمسية، يعمل على الطاقة الشمسية فقط، وهي وفيرة في قطاع غزة حيث تسطع الشمس 14 ساعة يوميًا خلال الصيف، وثماني ساعات في الشتاء".
كل قطرة من الماء ثمينة في قطاع #غزة الذي مزقته الحرب ودمرت بنيته التحتية، وهو ما يجعل مرشح تحلية المياه الذي يعمل بالطاقة الشمسية وابتكرته المهندسة إيناس الغول كنزاً في ظل شح المياه والشمس الحارقة.https://t.co/6vXnQdikYx #فرانس_برس
✍️ يوسف حسونة pic.twitter.com/iPsuXVYTKt
— فرانس برس بالعربية (@AFPar) August 21, 2024
ويأتي مشروع المهندسة، إيناس الغول، في وقت يعاني فيه سكان القطاع للحصول على الحد الأدنى من احتياجاتهم البسيطة. وتفاقمت الأزمة الإنسانية بسبب نقص إمدادات الوقود، لأن محطة تحلية المياه في غزة لا تعمل إلا بجزء صغير من طاقتها. وهذا ما حرم السكان من المياه.
يتحدث محمد أبو داود، وهو نازح من غزة، كان يجلس تحت ظل شجرة ويتصبب عرقًا، للوكالة الفرنسية، بأن "اختراع الغول جاء في الوقت المناسب"، ويضيف: "استطعنا الاعتماد عليه لنحصل على مياه صالحة للشرب مدة شهرين تقريبًا".
في المدرسة الواقعة قرب منزل الغول، حيث نزح داوود، أصبحت العائلات النازحة تعتمد على نظام تحلية المياه، الذي ابتكرته المهندسة الفلسطينية، وتأتي بالعبوات البلاستيكية لتعبئة المياه، لكن الحوض الذي تبلغ سعته 250 لترًا، سرعان ما يفرغ ويتعين عليهم الانتظار حتى يمتلئ.
ومع وجود خطر دائم على الجهاز، جراء استهداف الطيران الإسرائيلي لمناطق تواجد النازحين، وإدراكًا منها للحاجة الملحة لهذا الجهاز، تخرج الغول بانتظام للتحقق من أنه يعمل ولفتح الصنابير أو إغلاقها، وتقول: إن "الجهاز يعالج مشكلة تملح المياه في قطاع غزة، هو ليس فقط وقت الحرب".
ويوفر هذا المشروع مساعدة عاجلة للمستفيدين منه، إذ إن متوسط المياه المتوفرة لسكان غزة حاليًا يبلغ 4.47 لتر يوميًا للفرد، بحسب ما أعلنت عنه منظمة "أوكسفام" غير الحكومية، الشهر الماضي، وهو "أقل من ثلث الحد الأدنى الموصي به في حالات الطوارئ"، وتقول المنظمة إن هذه النسبة "تمثل انخفاضًا بنسبة 94 بالمئة منذ اندلاع الحرب".
وتتهم "أوكسفام"، إسرائيل باستخدام المياه "كسلاح حرب"، وقد كشف تقرير للمنظمة بعنوان "جرائم حرب الماء"، أن "إسرائيل استعملت عمدًا الماء سلاحًا عبر قطع هذه المادة الحيوية عن سكان القطاع والتدمير الممنهج للبنى التحتية، إضافة إلى المنع المتعمد للمساعدات ما قلص نسبة المياه المتوفرة للسكان".
وحذرت المنظمة من "كارثة صحية مميتة لسكان غزة الذين نزحوا جميعهم تقريبًا وبعضهم عدة مرات"، وبحسب تقديرات المنظمة فإن "الهجمات العسكرية الإسرائيلية تسببت في إتلاف أو تدمير خمسة مواقع للبنية التحتية للمياه والصرف الصحي كل ثلاثة أيام منذ بداية الحرب".
وتشير "أوكسفام" إلى أن "نقص المياه النظيفة كان له آثار خطيرة على السكان، حيث أصيب 26 بالمئة من سكان غزة بأمراض خطيرة يمكن الوقاية منها بسهولة".
ولطالما عانى السكان في قطاع غزة من شح المياه قبل الحرب، وكانت معظمها غير صالحة للشرب، وتقول المنظمات الإنسانية إن سكان غزة البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة يعتمدون بشكل أساسي على المياه الجوفية الملوثة والمستنزفة إلى حد كبير.