06-يونيو-2021

الشاعر والروائي الإيطالي تشيزاري بافيزي (1908 - 1950)

ألترا صوت – فريق التحرير

أصدرت "منشورات الجمل" حديثًا، ترجمة جديدة من كتاب "مهنة العيش" للشاعر والروائي الإيطالي تشيزاري بافيزي (1908 – 1950)، ترجمة صالح الأشمر. وفيه، يجمع مؤلف "عطلة آب" يومياته التي دوَّنها خلال الفترة الممتدة بين عامي 1935 و1950.

تحيط يوميات تشيزاري بافيزي بمختلف جوانب شخصيته المضطربة، وتقدِّم للقارئ ما يمكن اعتباره تفسيراتٍ لأسباب انتحاره

يبدأ الكتاب بتدوينةٍ تعود إلى السادس من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1935، يتحدث فيها الكاتب الإيطالي الراحل عن بعض قصائده، خصوصًا تلك التي يرى أنه كتبها بلا مبالاةٍ أو رغبة. ويَعتبر، ضمن هذا السياق، أن ما يمنح الشعر قوَّته هو انهماكه بالقيم الروحية غير المفهومة، وأن أسوأ ما يمكن أن يواجه الشاعر، هو مأزقُ نفاذ مخزونه الإبداعي، وعجزه عن البحث عن اكتشافاتٍ شعرية جديدة تتجاوز في عمقها ما قدَّمه سابقًا.

اقرأ/ي أيضًا: صدور "أنطولوجيا الشعر الأفغاني الحديث".. نصوص مفعمة بطعم مرارة الحروب

ويُنهي بافيزي يومياته بكلماتٍ قليلةٍ دوَّنها في الثامن عشر من آب/ أغسطس عام 1950، حسم فيها قراره بعدم الكتابة مجددًا، لتُعتبر تلك الكلمات أخر ما كتبه مؤلف "الصيف الجميل" الذي أقدم، بعد نحو تسعة أيامٍ من ذلك التاريخ، في السابع والعشرين من الشهر ذاته، على الانتحار عبر تناوله جرعةً زائدة من الحبوب المنومة في أحد فنادق مدينة تورينو شمال إيطاليا.

وبين هذين التاريخين، يصحب الشاعر الإيطالي قرائه في جولةٍ واسعةٍ يُطلعهم من خلالها على أفكاره تجاه قضايا مختلفة، يتصدرها الأدب بمختلف أجناسه، لا سيما الشعر والرواية، وتحديدًا أشعاره ورواياته التي يسهب في الحديث عنهما، ولكن من زاوية نظرٍ نقديةٍ حادة، إذ يُعرف بعدم رضاه عن مجمل ما أنجزه، بل وبشكه المتواصل والهستيري به أيضًا، وهو ما يعبِّر عنه صراحةً في الجزء الأكبر من يومياته هذه.

وعدا عن أفكاره، تحيط يوميات تشيزاري بافيزي بمختلف جوانب شخصيته المضطربة والمعقدة، وتقدِّم للقارئ ما يمكن اعتباره تفسيراتٍ لأسباب انتحاره أيضًا، إذ لا يتوانى في سياق تدوينه ليومياته عن إحاطة القراء بأحواله النفسية المتقلبة، ووضعهم إزاء انتكاساته وخيباته المتعددة والمتعلقة غالبًا بالأدب وعوالمه من جهة، وفشله العاطفي مع النساء من جهةٍ أخرى، إذ كان الوصول إليهن وإقامة علاقاتٍ جنسية أو عاطفية معهن، وفق الأرجنتيني لويس غروس، أمرًا شاقًا بالنسبة إليه.

وإلى جانب ما سبق، يصوِّر صاحب "الرفيق" في يومياته طبيعة العلاقة المضطربة بين الحياة والكتابة. ويتحدث، بشيءٍ من التفصيل، وفي مقاطع متفرقة، عن صعوبة الجمع بين الحياة العاطفية والرسالة الفنية، وذلك بموازاة الإشارة المستمرة إلى الأجواء التي عاش تحت وطأتها، حيث العزلة والشك والقلق وإنكار الذات وغيرها من العوامل التي ساهمت في دفعه إلى مصيره.

ويشير، ضمن هذا السياق، إلى غايته من الكتابة بقوله: "في الواقع، أنت تكتب لتكون كالميت، لكي تتكلم من خارج الزمن، لكي تجعل من نفسك ذكرى للجميع"، وهو تمامًا ما حدث بعد انتحاره، إذ تحولت يومياته، وبحسب الناقد الأمريكي جون تايلور، إلى: "واحدةٍ من أكثر اليوميات فتنةً على نحو فكري كتبها كاتب في الأدب الأوروبي الحديث، وأكثرها صراحةً على نحوٍ موجع".

يجمع تشيزاري بافيزي في "مهنة العيش" يومياته التي دوَّنها خلال الفترة الممتدة بين عامي 1935 و1950

في المجمل، سعى بافيزي في يومياته إلى فهم ما يفكر به تجاه مختلف قضايا عصره، وحاول من خلالها إيجاد رابطٍ بين الأفكار التي تدور في رأسه بينما يكتب، وتلك التي راودته في زمنٍ مضى. إنها أقرب إلى محاولةٍ لفهم حياةٍ بدت كأنها عبارة عن خليط مركَّب من الاكتئاب والاضطراب والقلق، إلى جانب التفكير المتواصل بالانتحار الذي رأى فيه فعلٌ طموح لا يمكن أن يُرتكب إلا عندما يتجاوز المرء حدود الطموح.

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "ألوان حياتي السبعة".. ما من شيء ينتهي

والنتيجة هي يومياتٌ تختزل مسيرة حياةٍ كاملة، عاشها الشاعر الإيطالي متنقلًا بين معارك مختلفة، مع الذات أحيانًا، والحب في أحيانٍ أخرى، بالإضافة إلى السياسة التي دفع ثمن خوض غمارها نحو عشرة أشهر في سجون موسوليني، أدرك فيها أن أصعب المهن إنما هي مهنة العيش، ومن هنا تحديدًا جاء عنوان يومياته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سلمى جمو.. مجموعة أولى بين التأملي والوجداني

عباس بيضون في "الحياة تحت الصفر".. قصائد الحَجْر